أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

لمــاذا نرفض (باندستون) المثلث؟!

صالح لطفي-باحث ومحلل سياسي
منذ أكثر ن ثلاثة عقود تشهد إسرائيل حكومة ومجتمعا، تغييرات تكاد تكون جذرية باتجاهها العلني والصريح نحو يمينية متشددة ومتطرفة، تُحِيلُ العرب في البلاد الى مجرد مٌقيمين ورعايا تنزع عنهم المواطنة التي في الأصل غير مكتملة، وها هي صفقة القرن تفتح أبواب هذه القضية على مصراعيها وتشُرَّعُ الطريق للمؤسسة الإسرائيلية لتفعل ما تشاء معنا نحن في الداخل الفلسطيني عموما ومنطقة المثلث تحديدا ولعل تصريحات يفين وزير السياحة بالوكالة والشريك في صفقة القرن حول معادلة الولاء والمواطنة الأربعاء(29-1-2020) تبين بعضا من معالم واقع قادم علينا نحن الفلسطينيون في الداخل الفلسطيني.
صحيح ان صفقة القرن تعاطت مع مسألة المثلث بمنطق المفاوضات والفهم الدولي لمسألة تبادل الأراضي للوصول الى اتفاق بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لكنّ الحديث يدور بوضوح عن نقل منطقة المثلث الى دولة كانتونية لا تملك الحد الأدنى من معنى الدولة وسيكون المثلث باندستونا فلسطينيا (الباندستون يعني كانتون وهو منطقة معزولة ومحاصرة لا تتواصل مع مناطق أخرى جغرافيا تفصل بينها حواجز عسكرية وتخضع لرقابة عسكرية وأمنية مشددة) محاصرا ومعزولا يُضاف الى المعازل التي أعلن عنها طرامب وباركها نتنياهو.
الدولة الفلسطينية التي طرح معالمها طرامب ونتنياهو هي مجموعة باندوستانات تهيء الأرضية لتحقيق نظام ابرتهايد على الأراضي الفلسطينية التاريخية، ومن ضمنها منطقة المثلث التي ستُضَمُ الى الدولة الفلسطينية التي من المفترض ان تقوم بعد أربع سنوات اذا ما التزم الطرف الفلسطيني بتحقيق كافة المطالب الإسرائيلية التي على الفلسطينيين تطبيقها لضمان أمن إسرائيل، وتحويل الشعب الفلسطيني الى مجموعات من “العبيد” العاملين تحت رحمة الاحتلال الأمريكي-الإسرائيلي، ذلكم أن طرح هذه الصفقة من طرف امريكي يعني أن الولايات المتحدة شريك فيها ومسؤول عن تطبيقها ورعايتها، وهذا ما أعلنه طرامب بصراحة، وبذلك نحن عمليا نخضع لاحتلال أمريكي غير مباشر، وتطالبنا هذه الدولة بالقبول بالعبودية المختارة التي قبل بها حكام العرب الشركاء في صفقة القرن ومن يدورون في فلك الصهيونية-الانجيلية.
في هذا السياق من الضرورة أن يدرك القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن شعبنا الفلسطيني منذ وعد بلفور والى هذه اللحظات يرفض العبودية على كل اشكالها وتنوعاتها، ويدفع أثمانا باهظة لرفضه هذا، ونحن في هذه اللحظات التاريخية أمام شوط جديد بإشراف أمريكي مباشر وعلني للقبول بعبودية ليس فقط العم سام بل والعم نتنياهو معه.
جميعنا يعلم أن المثلث بكل مدنها وقراها كما حيفا ولوائها وكما يافا ولوائها والنقب ولوائه وكما الجليل بكل مدنه وربوعه وقراه كلها أراض فلسطينية قامت على بعض منها إسرائيل بدعم وتوافق دولي واقليمي، وبالتالي فإسرائيل ككيان سياسي مزروع على هذه الأرض بزعم المصالح الدولية والتي تظافرت مع الروايات التاريخية التوراتية والتلمودية، جاءت على أراض مأهولة ومملوكة ولها أصحابها ويملكون رواية تاريخية أقوى وأوضح وأكثر إقناعا من الروايات الصهيونية، إذا ما تتبعنا الروايات الإسرائيلية المختلفة حول الشعب اليهودي متى كان وكيف خُلِقَ وكيف تمّض تخليقه.
احتلت إسرائيل ما تبقى من الفضاء والجغرافيا الفلسطينية عام 1967 وشرعت بالاستيطان على هذه الأراضي عام 1970-1971، منطلقة من رؤاها الأيديولوجية المؤسسة على الاساطير التوراتية ووفقا لهذه الرؤية المسيطرة على المشهد السياسي منذ اكثر من عقدين والى هذه اللحظات، المفترض ضم الضفة الغربية (يهودا والسامرة) الى إسرائيل وليس انتزاع أراض منها لصالح دولة باندستونية ثمة شكوك هائلة بقيامها ولأنَّ القائمين على صفقة القرن هم من التيار الصهيويني المسيحياني فإن ثمة شكوك تؤكد موافقة هذا التيار داخل الحركة الصهيونية الدينية على هذا التبادل ضمن مخطط لمّا ينتهي بعد سيفضي الى دولة “الهلاخا” المنتظرة، وكنا قد استمعنا في اليومين الماضيين الى إعلاميين إسرائيليين تحدثوا عن انه تمَّ الجلوس من الطرف الأمريكي عشرات الساعات مع قيادات المستوطنين لإقناعهم بصفقة القرن وأنها فرصتهم التاريخية التي قد لا تتكرر، وقد تمَّ تخييرهم بين القبول بهذه الصفقة على ما فيها من ملاحظات غير مقبولة عليهم أو رفضها ومن ثم عدم تكرارها مجددا.
انا كفلسطيني من أبناء الداخل الفلسطيني ارفض الانتقال الى مناطق الدولة الباندستونية الفاقدة السيادة والصلاحية لأسباب سياسية وأخلاقية، فأنا ابتداء لا أنتقل الى دولة فلسطينية كاملة السيادة متواصلة الفضاء والجغرافيا على كامل الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس ولها سيادتها عليها وعلى البلدة القديمة وجوهرتها المسجد الأقصى المبارك، ولست في دولة أشعر اني اتمتع بها بمواطنة فلسطينية كاملة وهوية وطنية متكاملة لي فيها حقُّ الحياة الكريمة والمواطنة الكاملة، أو في دولة تستطيع حماية نفسها، فنحن كما اشرت امام دولة وفقا لمواصفات طرامب هي مجرد كانتونات تُمول ويُعلفُ لها ولا وجود لشعب فلسطيني مكتمل الهوية والاركان على تراب فلسطيني متتابع التراب والفضاء يملك القوة والسيادة والقرار. بل انا اتعرض لمنظومات من التطبيقات العنصرية والفاشية تذكرنا بنظام الابرتهايد في جنوب افريقيا وعمليا يقول طرامب ومعه اليمين الديني الإسرائيلي بكل مدارسه والصهيونية المسيحية الانجيلية هناك شعبان واحد شعب سوبر يحق له كل شيء برسم انه شعب الله المختار ومحمي من العالم المسيحي الصليبي ومن دول الرجعية والعمالة العربية، وشعب أخر اقل بدرجات يجوز عليه الفتات من المال والصدقات ولا يحق له قيام دولة خاصة به، في حالتنا هو شعبنا الفلسطيني ولذلك انا ارفض نقل المثلث الى الدولة الفلسطينية الباندستونية….. وانا ارفض ان يتمَّ تبادل المثلث بالقدس او بأي قطعة ارض احتلت عام 1967م ليس لأنّ هذه الأراضي احتلت عام 1967 فحسب بل ولأنَّ وجودنا على أرضنا في المثلث والقدس والضفة الغربية يسبق بآلاف السنين الوجود الإسرائيلي السياسي الاحتلالي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 فضلا عن ان هذه الطروحات تتناقض والقرارات الدولية والأممية وعملية التبادل هذه إذ تتم من طرف واحد يتمتع بالقوة والجبروت والحمايتين الدولية والإقليمية فإنها تعتبر في حكم اللاغية حتى وإن تمت فتاريخ الكلونياليات مليء بمثل هذه السياسات ودائما بقيت الشعوب وانتهى المطاف بدول الاستبداد والاحتلال والاستعمار الى مزابل التاريخ، رغم ما أحدثته من خراب ودمار بقيت أثاره على تلكم الشعوب التي استعمرت سواء من طرف المستبدين او الغزاة المستعمرين، وهذا عين ما يحدث اليوم لشعبنا الفلسطيني فهو يعاني من ثلاثة أنواع من الاحتلال: الاحتلال الإسرائيلي والاحتلال العربي والاحتلال الفلسطيني المؤمن بالتعاون الأمني مع الاحتلال ويقدسه تقديسا مطلقا، ومع كل ذلك فنظرة الى تجربة الشعوب التي ابتليت بمثل ما نحن فيه تحررت، وإن كانت الكلفة غالية ملايين من الشهداء فمن ظنّ أنَّ الخلاص من المستعمرين يتم عبر أداة واحدة فحسب فقد أبعدَّ النجعة وخالف الهدف.
في هذا السياق من الضرورة الإشارة الى أن الاحتلال ينطلق في تبريراته لشرعنة الاحتلال على مناطق عام 1967 من رؤية دينية غارقة في الأيديولوجيا والتاريخ، رافضة الاعتراف بالواقع المُعَاش الذي يقول بوجود شعب فلسطيني على هذه الأرض يعادل الوجود الإسرائيلي والصهيوني واليهودي (على اختلاف الهويات) وهذا بحد ذاته مدعاة لرفض الانتقال الى دولة كانتونية يُنظَرُّ إليها بمنطق الأيديولوجيا التاريخية وليس بمنطق حقوق الانسان وما اجترحته المنظمات الدولية المنادية بحق تقرير المصير للشعوب والأمم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى