أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

الدكتور مهند مصطفى في قراءة للمشهد المحلي والإقليمي بعد مقتل سليماني..لن تكون هناك حرب شاملة

لن تكون هناك حرب شاملة ورد إيران شبيه بردودها على عمليات إسرائيل ضدها في سوريا
مقاربة التحالفات الدولية بمقاربة قبلية هي مقاربة خاطئة
حماس تعيش أكثر مراحلها التاريخية تعقيدا فهي تحمل همّ حركة مقاومة وهمّ حركة سلطة
السجال على مقتل سليماني عقيم لأنه لا يقوم على أرضية قيمية مشتركة بين المتحاورين

طه اغبارية
قلّل الأكاديمي والباحث في العلوم السياسية، الدكتور مهند مصطفى من احتمالات اندلاع مواجهة شاملة في المنطقة في أعقاب اغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني، مشيرا إلى أن الرد الإيراني، مساء الثلاثاء، كان كما يبدو نهاية لجولة التصعيد الحالية بين الولايات المتحدة وإيران.
في لقاء مع صحيفة “المدينة” حول قراءته للمشهد السياسي المحلي والإقليمي، بعد مقتل سليماني، اعتبر د. مهند مصطفى، محاضر مشارك في الكلية الأكاديمية بيت بيرل، ورئيس قسم التاريخ في المعهد الأكاديمي العربي في الكلية، أن اغتيال قاسم سليماني، كان محصلة لقراءات إيران الخاطئة للسياسة الأمريكية في فترة ترمب.
وأضاف: “صحيح أنه من الصعوبة قراءة سياسات ترمب الدولية، إلا فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، فهو مثابر في تصفيتها. على كل حال، بغض النظر حاليا عن الدور الايراني العام في المنطقة العربية، فإنه في الاشهر الأخيرة تحديدا قرأت إيران سياسة ترمب من خلال منظومة جامدة تنطلق أن الولايات المتحدة ترغب في الانسحاب من المنطقة، وهو مجرد وهم، لأن الولايات المتحدة لا تستطيع الانسحاب كليا من المنطقة حيث أن مصالحها في المنطقة العربية هي جوهرية”
واستطرد بالقول: “بناء على هذا الفهم الخاطئ، وبسبب انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وفرض عقوبات غير مسبوقة على إيران، قامت إيران بمجموعة من الخطوات، فأسقطت طائرة بدون طيار أمريكية، وقصفت حقول النفط السعودية، وقامت ميليشيا حزب الله التابعة لها في العراق بقتل عسكري أمريكي متقاعد، واعتقد أن عدم الرد الأمريكي ينسجم مع الرغبة الجامحة لترمب في الانسحاب وعدم التورط بحرب في المنطقة لا سيّما وهو على أبواب انتخابات أمريكية قادمة، علاوة على استقالة أو إقالة الكثير من مستشاري ترمب السياسيين والأمنيين من الصقور مثل جون بولتون”.
وزاد الدكتور مهند مصطفى في هذه النقطة، قائلا: “لكن إيران، لم تفهم أن حصار ومهاجمة السفارة الأمريكية في بغداد أصاب عصب حساس في الوعيّ الأمريكي عموما ولدى ترمب خصوصا، وأعاد تجربة محاصرة السفارة الامريكية في طهران أواخر السبعينات إلى الذاكرة الامريكية، التي ساهمت في هزيمة جيمي كارتر في الانتخابات عام 1980، فضلا أن ترمب اتهم هيلاري كلينتون في حملته الانتخابية بتقصيرها في حماية القنصلية الامريكية في بنغازي، وأظهرها كشخصية ضعيفة منهزمة. كان حادثة السفارة بالنسبة لترمب لحظة مفصلية، أراد ترمب الانتقام من إيران على كل ذلك بضربة واحدة”.

تداعيات الاغتيال
يرى مهند مصطفى، المحاضر في برنامج ماجستير سياسات شرق اوسطية في جامعة حيفا، أن الاغتيال لن يؤثر على إسرائيل بشيء.
وقال إن “إسرائيل تتحرك في المنطقة، وفق مصالحها وليس وفق المصالح العربية التي تعول على إسرائيل وتطبع معها، وحتى أن إسرائيل لا تخدم المصالح الأمريكية، فهي في حلف عميق مع روسيا على قواعد اللعبة في سوريا”.
ولفت إلى أن “ما يدور من سجال حول التحالفات في المنطقة وتناقضاتها كيف تبدو في الظاهر هي جوهر العلاقات الدولية الحديثة في عهد الدولة الحديثة، ولكن الكثير ما زال يحلل هذه التحالفات من خلال منظومة العلاقات الدولية قبل الدولة الحديثة. فالتوافق الإيراني الأمريكي على إسقاط نظام صدام لا يعني وجود هذا التوافق على ملفات أخرى، رغم أن هذا التوافق دمر العراق وحاضرته المدنية، وأضعف العالم العربي بشكل غير مسبوق في التاريخ المعاصر، وعزّز الانقسام الطائفي في المنطقة العربية، وليس لديّ شك أن ايران فعلت ذلك وفق مصالحها وليس وفق المصالح الأمريكية رغم تقاطعها في تلك اللحظة المُؤسسة من تاريخ العرب، المشكلة أن مصالحها في العراق أضعف العالم العربي، والتعاسة الكبرى أن العالم العربي دعم احتلال العراق وفق المصالح الأمريكية، دون أن يفهم للعمق حجم المأساة التي يشاركون فيها بدعمهم أو بصمتهم”.
وأوضح: “على كل حال، فإن التوافق التركي الروسي أحيانا في ملفات معينة قد يصطدم بصراع بينهما حول الموقف من ملفات أخرى مثل ليبيا، ما اريد أن اقوله إن مقاربة التحالفات الدولية بمقاربة قبلية وكأن الكل ضد الكل في كل الملفات هي مقاربة خاطئة وتنم عن عقلية بعيدة عن فهم معنى وجوهر الدولة الحديثة، ولكن أريد أن أضيف أيضا أن الدول العربية هي الوحيدة التي تتصرف هكذا، فينتج التطبيع الخليجي مع إسرائيل عداء للفلسطينيين، وتكون علاقات العرب أو قسم منهم مع أمريكا من خلال تماه تام معها في كل الملفات، وظهر ذلك جليّا على الأغلب في الموقف من صفقة القرن”.
وشدّد على أن “إسرائيل استطاعت في السنوات الاخيرة من تصديع القوة الايرانية وإحداث اهتراء في المصداقية الايرانية حول قدرتها على ردع إسرائيل من التحرك بحرية في سوريا، وحتى الان لم ترد إيران على مئات الهجمات الإسرائيلية على مواقع لها ولموالين لها في سوريا. كانت إسرائيل أكثر مثابرة في ردع إيران من الولايات المتحدة نفسها، ولذلك استبعد أن ترد إيران على إسرائيل أو تشملها في رد فعلها على مقتل سليماني، أو على الأغلب أن يكون رد فعلها متواضعا كما حدث في مرات سابقة لم تدفع فيه إسرائيل أي ثمن يذكر مقابل الثمن الكبير الذي جبته من إيران وسوريا في السنوات الاخيرة في هيبة السيادة، والارواح، والممتلكات، بطريقة لا تترك لمعنى السيادة لهاتين الدولتين أي هيبة تذكر أو معنى حقيقي”.
وتابع بالقول: “أقولها بمنتهى الموضوعية أن إسرائيل استطاعت أن تحول إيران وسوريا إلى حركتين سياسيتين وليس دولتين، تضربهما متى تشاء دون أن تدفع أي ثمن يذكر، حتى من حليفتهما روسيا، والتي هي أصلا في توافق معها على قواعد اللعبة في سوريا. لذلك لن تكون هناك حرب شاملة، ورد الفعل الايراني على مقتل سليماني يؤكد ما أقوله، فهو نفس الرد على هجمات إسرائيل عليها ولكن بما يتلاءم مع حجم الولايات المتحدة”.
السجال حول الاغتيال
ينطلق الدكتور مهند من قناعة أن السجال الذي أعقب اغتيال سليماني، لا سيّما في مواقع التواصل لدى أبناء الداخل الفلسطيني، وهو سجال عقيم لأنه يقوم لا ينطلق من أرضية قيمية مشتركة بين “المتساجلين”.
وبيّن أن “هذا السجال في المجتمع العربي، هو جزء من السجال الفلسطيني في الداخل حول ما يحدث في العالم العربي، وهو سجال عقيم، لأنه لا ينطلق من أرضية قيميّة مشتركة. وأنصح بعدم السجال وإنما إبداء المواقف التي تنطلق من مفهوميّ الحرية ونبذ الاستبداد. لأن أي حوار صحي ينطلق من أرضية قيمية مشتركة”.
ويعتقد أن “السجال حول ما يحدث في المنطقة إذا لم ينطلق من أرضية قيمية ترفض الاستبداد فلا معنى له. المشكلة أن هنالك من يشرعن الاستبداد لأن البديل له يخالف انتماءه الايديولوجي، حتى لو كان هذا البديل غير مستبد. وإذا كان بديل الاستبداد هو استبداد فالموقف الاخلاقي هو رفض الاثنين وليس المساومة بينهما، لذلك فلا معنى أخلاقي لمقولة أنا مع نظام مستبد لان بديله مستبد أكثر منه. الأزمة أكبر من ذلك، فقسم يؤيد الاستبداد لأن البديل هو استبداد من ايديولوجية أخرى، والأسوأ من كل ذلك، أن هناك من يؤيد الاستبداد حتى لو كان البديل غير مستبد، فقط لأنه يخالفه أيديولوجيا، وهو ما يحول السجال والحوار إلى عقيم، بغياب أرضية قيمية مشتركة تنطلق أولا وقبل كل شيء من الحرية ورفض الاستبداد”.
وأردف بالقول “إن السجال الذي لا ينطلق من قيمة عليا تنطلق من أن الاستبداد هو أس البلاء والمعيق الأساسي للنهضة في المجتمعات العربية فلا فائدة منه ولا يعول عليه. أي سجال أو حوار بين أفراد أو تيارات لا ينطلق من مفاهيم أساسية يحترمها الطرفان تتمثل بقيمة الحرية، ونبذ الاستبداد سيتحول إلى سجال عقيم. الهدف أن يكون الحوار في المجال العمومي مثمرا، والأهم هو أن يسهم في التوصل إلى توافقات سياسية وهو بالنهاية هدف الحوار، فإنه يجب أن ينطلق من مفاهيم مشتركة وقيم عليا مثل الحرية ونبذ الاستبداد، وما عدا ذلك فإنه سيؤدي إلى تعميق الشرخ، وهنا سيتحول السجال إلى مجرد تناطح بدون أهمية للحقائق أو القيّم العليا التي ستتحول إلى تفاصيل استثنائية وغير مهمة. إذا لم نكن متفقين على مبدأ الحرية ونبذ الاستبداد فالسجال لن يكون بهدف اقناع الآخر بموقفي، ولن ينجح أصلا في ذلك. السجال في المجال العام يجب أن ينطلق من أرضية قيمية مشتركة حتى لو كانت عامة، وبعدها يمكن الاختلاف حول تحقيق الصالح العام بشكل لا يؤدي على التخوين والاستخفاف والتحقير. من الخطأ الاعتقاد أن الحوار في المجال العام يجب أن يبدأ من الاختلاف من نقطة الصفر، فليس هكذا تُبنى المجتمعات، بل ينطلق الحوار دائما من قيمة مشتركة ينطلق منها الخلاف ويتنظم من خلالها، وأهم هذه القيم هي الحرية ونبذ الاستبداد بدون تسوية معه”.

حماس وموقفها
بخصوص الجدل المثار حول موقف حماس وتعزيتها بسليماني وإرسال وفد إلى طهران بهذا الصدد، قال الدكتور مهند: “لا شك أن هنالك تباين داخل حركة حماس من الموقف من اغتيال سليماني، ومع ذلك كان الموقف الرسمي للحركة هو التنديد بالاغتيال وزيارة رسمية لطهران للتعزية، وعلى فكرة هذا يدل أن التيار الاسلامي غير متفق على الكثير من الملفات، على عكس التعميم الاستشراقي والجاهل حوله”.
وأضاف: “كمتابع للشأن الفلسطيني أستطيع أن أقدم لك تفسير لهذا الموقف، مع التأكيد أن موقف حماس المُندد باغتيال سليماني يُقسم أيضا إلى موقفين، موقف أيديولوجي يعتقد أن حماس يجب أن تكون مع محور إيران لما تقدمه من دعم للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، هذا الموقف يعتبر الدعم الايراني للفلسطينيين مبدئي وليس نابع من مصالح ايرانية تقليدية. وموقف سياسي ثان يعتقد أن علاقات الحركة مع إيران مبنية على مصالح سياسية متبادلة تفرضها الحالة الاقليمية والدولية الراهنة”.
وزاد قائلا: “من خلال قراءة تاريخية لحركة حماس، فإن السنوات التي اعقبت الانقلاب العسكري في مصر، كانت السنوات الاصعب في تاريخ الحركة، حصار عربي، وحصار إسرائيلي ودولي، فضلا عن أن حماس تحكم اقليما يسكنه مليونين فلسطيني، وتتصرف كسلطة، وهو النقد الاساسي الذي يمكن توجيهه برأيي لحركة حماس منذ دخولها لعبة السلطة الفلسطينية، فلا يمكن أن تكون حركة مقاومة وتتصرف كسلطة في نفس الوقت، رغم أنه ليس لديك دولة، لان حالة السلطة تفرض تسويات ومساومات، لاحظ مثلا أن موقف حماس كان واضحا من الثورة السورية في البداية نحو دعمها ضد الاستبداد، والان موقفها بعد عام 2014 يبدو غير حاسم وواضح من الموضوع”.
وختم الدكتور مهند بالقول إن: “حماس تعيش أكثر مراحلها التاريخية تعقيدا، فهي تحمل همّ حركة مقاومة وهمّ حركة سلطة، في ظل واقع إقليمي ودولي غير مريح ومعاد أحيانا، واستمرار انقسام فلسطيني بدأ يتحول، بدون مبالغة، إلى نكبة فلسطينية حقيقية، فقط هكذا يمكن قراءة موقف حماس من اغتيال سليماني”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى