أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحلياتومضات

بين يوم الأرض والحراك المناهض للعنف في العدسة الإسرائيلية… ما الذي تغير؟

عائشة حجار

كان يوم الأرض حدثًا مفصليًا في الرواية التاريخية الفلسطينية، ليؤكد عبر أحداثه فلسطينيو الداخل، أنهم لم ينسوا أصل قضيتهم وأن مساعي التدجين والأسرلة وقتها لم تفلح.

ويتكرر هذا التأكيد في سياق وزمان مختلف، حين نهض شباب الداخل الفلسطيني ليسيروا رفضًا للعنف واستفحال الجريمة، دون أن ينزلقوا في طلبات السلطات والسياسيين الإسرائيليين، الذين يعرضون الأمان مقابل الذوبان والتأسرل. كما أن الشباب الغاضب يوجّه الاتهام مرة تلو مرة نحو الدولة وأذرعها، لتتحمل مسؤولية انتشار جائحة العنف في المجتمع العربي، وذلك على الرغم من مساع حثيثة في العقدين الأخيرين لتدجين هذا الشباب، عبر الإعلام المجنّد والمناهج الدراسية والسياسات الاقتصادية، ليؤكد فلسطينيو الداخل بهذا أن الهوية تتعدى الرغبات المادية والرفاهية المؤقتة، بل ان الفلسطينيين في هذه البلاد واثقون بفلسطينيتهم التي ترجعهم الى المربع الأصلي والأصيل، كلّما جذبهم فتات من حقوق أو هبات أو وعود.
مقابل هذه الرواية، المتّصلة دومًا بالسردية الفلسطينية التاريخية، والاحداث التي تسبقها، لتكون كل الاحداث التي عايشها الشعب الفلسطيني متأثرة بكل ما حصل في هذه البلاد منذ الاحتلال الانجليزي، هناك الرواية التي تسوقها الصحافة الاسرائيلية، العبرية خاصة، والتي يمكن ملاحظة تجندها في تغطية أحداث يوم الارض وكذلك استعلائها على الفلسطيني في تغطية الحراك المناهض للعنف.

تسفيه الاحداث

أهم الطرق التي يعبر بها الاعلام الاسرائيلي عن ميزان القوى بين العرب واليهود في البلاد، هو تجاهل الأحداث التي تتعلق بالفلسطينيين، أو التقليل من شأنها إن كانت أعظم من أن يتم تجاهلها. فنجد في سياق الحراك المناهض للعنف أن الإعلام العبري يتجاهل ولا يكاد يذكر، إغلاق إحدى الطرق الرئيسية في البلاد، شارع 65 الذي يوصل جنوب البلاد بشمالها، أسبوعًا تلو اسبوع حتى الاسبوع السابع من التظاهر السلمي، والذي اعتدت فيه الشرطة على المتظاهرين السلميين ومنتخبي الجمهور لدرجة تشكيل خطر حقيقي على حياة المشاركين. يشير فحص قامت به شركة (يفعات للأبحاث الإعلامية)، بحسب المعطيات من منتصف شهر كانون الأوّل 2020 وحتّى منتصف شباط 2021، أن قرابة نصف التغطية الإعلامية لقضايا العنف والجريمة في المجتمع العربي وبالتحديد، 48% كانت تقارير سطحيّة حول الأحداث المروّعة التي حصلت، وفقط 17% من التغطية تم التحدث من خلالها بعمق وإجراء حوارات مركبة، وأيضا 15% من المنشورات تعلّقت بتغطية الاحتجاجات، أي أن قلّة قليلة من وسائل الإعلام العبريّة قامت بتغطية التظاهرات الاحتجاجية بصورة شاملة أو مهنية أو حتّى عبّرت عن الاهتمام بها. وقسم كبير من هذه الوسائل عندما غطّوا الاحتجاجات اهتموا أكثر بتغطية الأحداث الهامشية، وتناولوا الاحتجاجات ومطالب المواطنين بشكل أقلّ. بالاضافة إلى أن الاعلام العبري المركزي لم يجر أي مقابلة مع نشطاء الحراك الفحماوي الموحّد الذي ينظّم معظم النشاطات المنددة بالعنف.

وبالنظر إلى تغطية احداث يوم الأرض فيمكن بسهولة استنتاج تجند الصحافة الاسرائيلية لعرض الاحتجاجات على انها ليست سوى تصرفات همجية غير منظمة وغير مهمة. فمثلًا شدّدت صحيفة معاريف على الادعاء أن الجماهير لا تلتزم بالاضراب وخاصة العمال الذين “خرجوا للعمل بشكل عادي”، كما عرضت يديعوت احرونوت عدم موافقة رؤساء المجالس المحلية العرب على الاضراب “بأغلبية ساحقة”، متجاهلةً الحقائق التي تشير الى اجماع وطني على رفض سياسة مصادرة الاراضي.

 

العربي هو الاخر، هو العدو

يمكن للمتمعن بالصحف التي صدرت في يوم الأرض، أن يرى تركيز التغطية الصحفية على ما أطلقت عليه الصحف “التهجم على الجنود” وإصابة بعض الجنود لتكون أمرًا جللًا أعظم من مقتل شباب فلسطينيين. كما أن هذه الصحف غطّت مرة تلو أخرى كم وكيف خروج العمال الفلسطينيين للعمل، فيما يؤكد التعامل مع العرب كقوى عاملة عديمة الاسم والوجه، يحتاج الاسرائيلي إليها لبناء بيته دون اكتراث لآرائها وظروف حياتها. وبالرغم من استخدامهم مصطلح “عرب اسرائيل” إلا أن التغطية الاعلامية ليوم الأرض (نقصد التغطية العامة عن الذكرى- المحرر) كانت تغطية لمواجهات بين الجيش الاسرائيلي وعدو، العدو لا يذكر اسمه في التغطية الاعلامية ولا تقتبس اقواله.

أمر مشابه موجود في التغطية العبرية للحراك المناهض للعنف! فعلى الرغم من أن الحديث هنا ليس عن مواجهات مع جنود الجيش الاسرائيلي، إلا أن الرواية التي تبنّاها الاعلام العبري هي رواية الشرطة بشكل مطلق، ليظهر المتظاهرون السلميون بمظهر جموع همجية تحاول أذية الشرطة، بينما هذه الشرطة تدافع عن المواطنين بقمع المظاهرات. هذه التغطية، في حال كانت أقل حدة تجاه العرب، تعرض العربي على أنه “آخر”، ليس بين الاسرائيلي وبينه اتصال مباشر، وهناك حاجة للتعريف عنه كأنه يتواجد في الجانب الآخر من العالم، فمثلًا يعرض موقع “واينت” التابع لمجموعة “يديعوت احرونوت” جريمة القتل المزدوجة في قلنسوة نهاية شهر شباط 2021 على أنها “تصفية” في إشارة الى أن القتيلين من المجرمين وقد قتلا في إطار نزاع عصابات. كما يستمر التقرير بعرض آخر المستجدات في المجتمع العربي بشكل عريض مشابه لاستعراض أحداث في دولة أخرى لا حاجة للاطلاع على كل مركباتها.

بالإضافة الى استضافة اعضاء الكنيست الاسرائيلي في معظم الأحاديث عن العنف في المجتمع العربي، على الرغم من كثرة النشطاء في هذا المجال، الامر الذي يحد جدًا من كم التقارير المتعلقة بالعرب، وتكرار ذات الادعاءات وذات الوجوه وتسييس كل نشاط وتأطيره في المعارضة الكنيستية التي لا يمكنها تحريك أمور حقيقية في السلطة التنفيذية.

من المسؤول

كما في معظم الحالات، فإن المسؤولية على الاوضاع التي يعانيها المجتمع العربي، وما يحصل في أي احتجاج، يعرض في الاعلام العبري على أنه ليس ضمن مسؤولية الدولة وأذرعها، بل هو نتيجة طبيعة هذا المجتمع. فمثلًا نشر موقع معاريف اون لاين بتاريخ 13/3/2020، مقالًا للصحفي كالمان ليفسكيند تحت عنوان “حان الوقت لتتوقف قيادة المجتمع العربي عن اتهام كل العالم بعنفه” يستعرض فيه “حقيقة” يتجاهلها العرب وهي كون المجتمع العربي عنيفًا حسب ادعائه. يعرض المقال تحميل الشرطة مسؤولية انتشار الجريمة في المجتمع العربي على انه نوع من التباكي وقلة المسؤولية الذاتية. هذا الادعاء ليس جديدًا، بل ان تصوير المجتمع العربي على انه مجتمع لا يتحمل مسؤولية نفسه وان الشر مطبوع فيه موجود في التغطية الاسرائيلية للعنف في المجتمع العربي. فمثلًا يركز تقرير نشره موقع “واينت” بتاريخ 15/2/2010 حول خطة طرحها الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الاسلامية المحظورة اسرائيليًا، لاجتثاث العنف من المجتمع، ويعتمد على تحمل المسؤولية الاجتماعية، إلا أن التقرير يشدد على أن الشيخ صلاح حمّل المؤسسة الاسرائيلية مسؤولية انتشار الجريمة والسلاح، ويصوره على أنه هروب من الواقع.

نجد هذا العرض بشكل أكثر تطرفًا في تغطية يوم الارض حيث ورد في صحيفة “دافار” أن قوات الشرطة والجيش تستعد لـ “حماية العرب الذين لا يرغبون في المشاركة بالإضراب”. بشكل يصوّر المجتمع العربي على انه عنيف لا يتقبل الآراء وأن المشاركة في النشاطات السياسية تنبع من الخوف وبلطجة أقلية لا يجب الاهتمام بها.

على مدى أكثر من مئة عام تغطي الصحافة الإسرائيلية، أحداث المجتمع العربي بشكل مجنّد وبنظرة استعمارية استعلائية، وإن أصبحت اللغة المستخدمة أقل حدة، إلا أنها ما زالت تصور العربي على أنه مخلوق متخلف عنيف فاشل، والعربي “الجيد” هو ذلك الظريف الذي يتوسل الاسرائيلي لتذويبه وتقبله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى