الرسائل الخفية في الإعلام وكيف تجدها (24)
نتنياهو وتوظيف الإعلام
نتنياهو وتوظيف الإعلام
عائشة حجار
نتنياهو قرر أن يبدأ جولة انتخابات جديدة، نتنياهو قرر أن القصة الرئيسية في هذه الجولة ستكون تطعيمات الكورونا، نتنياهو قرر أيضًا أن العرب شركاء هذه المرة، ذات العرب الذين عمل هو وحكوماته على سنّ قوانين عنصرية ضدهم. باختصار نتنياهو قرر الكثير من الأمور وحصل على معظمها. هكذا على الأقل تبث فينا نشرات الأخبار كل مساء.
في الواقع فإن أحد أهم أسرار قوة رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، هو قدرته على التلاعب برجال الإعلام وحملهم على تمرير الرسائل الخفية التي يريدها هو، في حين يكون ظاهر التغطية الإعلامية هجومًا شديدًا عليه. حتى التسريبات التي تصل الإعلام من مكتبه تصبّ في النهاية لصالحه ولو بطريقة غير مباشرة. لقد صنع نتنياهو لنفسه مجدًا عبر إيقاظ الكراهية نحو الإعلام، وتصوير الإعلام الرسمي على أنه إعلام يساري موجّه ضده شخصيًا، وكذلك عبر ايقاظ الخوف في نفوس مواطنيه كل فترة وجيزة. يمكن القول ببساطة إن نتنياهو هو السياسي الإسرائيلي الوحيد الذي يجيد استخدام كافة وسائل الإعلام بشكل ناجع يصبّ في مصلحته ليجعل من نفسه بطلًا ومنتصرًا لا يمكن هزيمته.
لنأخذ مثالًا: عندما كشف نتنياهو “العملية السرية” التي نجحت فيها أذرع الموساد الاسرائيلي بنقل مئات الملفات حول خطة التسلح النووي الايراني، وكشف خزانة من الأقراص، باللغة الانجليزية. عبر هذه الخطوة أنجز الرجل عدة أمور: أولًا بدأ بحديثه بالإنجليزية عوضًا عن العبرية، فهو يتوجّه في عرضه هذا إلى الجالسين في البيت الأبيض ويتصرف كأنه زعيم دولة عظمى. الأمر الثاني كان مجرد كشف عملية سرية إسرائيلية، وهي سابقة لم يكن لها مثيل من قبل، إلا أن نتنياهو أظهر هذه العملية كمادة إعلامية تجعله الاسم الوحيد الذي سيرتبط بهذا “الانجاز”، بل إنه تجاوز بقوته قادة الولايات المتحدة الذين يراهم سكان العالم رمزًا للبطش والسلطة.
حركة أخرى، قرر نتنياهو تبنيها ليظهر بمظهر المظلوم القوي كان في جلسة محاكمته هذا الأسبوع. فقد اختار أن يجلس في انتظار بداية الجلسة في آخر الممر وظهره للصحافة مع محاميه. ما الذي قاله هنا لأنصاره؟ قال انظروا بماذا يشغل رئيس حكومتكم في الوقت الذي نعايش أزمة كورونا، انظروا كيف يضيع الوقت الثمين في محاكمات سخيفة بدل الاهتمام بالوباء الذي يعصف بنا والفوضى التي تعمّ الآن. ومع أن رئيس الحكومة هو المسؤول الأول أصلًا عن هذا الفشل في التعامل مع الوباء، إلا أنه أجاد الاختفاء من المؤتمرات الصحفية عند الفشل والظهور لوحده عند النجاح، فهو كثيرًا ما ينسب بهذا لنفسه إنجازات ليس هو من حقّقها.
أعتقد أن كل من يريد أن يدرس الإعلام السياسي ورسائله الخفية، يجب أن يتابع تحركات نتنياهو الإعلامية في الفترة القريبة، سيكون الأمر مثيرًا للاهتمام.


