أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

الأرجنتين تعود لليسار: ألبرتو فرنانديز رئيساً على جناح البيرونية

قلبت الأرجنتين الطاولة في أميركا الجنوبية، لتتحوّل إلى اليسار بعد موجة من صعود المحافظين في البرازيل وكولومبيا وتشيلي في السنوات الأخيرة، إذ أسقط الأرجنتينيون الرئيس الليبرالي المنتهية ولايته ماوريسيو ماكري، واختاروا مرشح اليسار البيروني ألبرتو فرنانديز خلفاً له، في انتخابات جرت الأحد على وقع أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها البلاد منذ العام 2001، إذ تشهد انكماشاً منذ أكثر من عام وتضخّماً كبيراً بلغ 37,7 في المائة في سبتمبر/أيلول الماضي، وديناً هائلاً ومعدّل فقرٍ متزايداً يطاول ما يزيد على 35 في المائة من السكان، أي واحداً من كل ثلاثة أرجنتينيين.
فوز فرنانديز الذي يحيي آمال الأرجنتينيين بالخروج من الأزمة الخانقة التي يعانون منها، يثير في المقابل مخاوف مستثمرين من عودة سياسة تدخّل الدولة التي شهدتها البلاد في عهد الزوجين كيرشنر (2003-2015)، فيما تبرز تساؤلات عمن سيحكم فعلياً، فرنانديز الذي كان مديراً لمكتب الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر وقبلها زوجها الرئيس نستور كيرشنر بين 2003 و2007، أو كيرشنر نفسها التي باتت نائبة للرئيس المنتخب.
وفاز فرنانديز من الجولة الأولى بحصوله على أكثر من 47 في المائة من الأصوات، بينما حصل ماكري على نحو 41 في المائة، بالاستناد إلى النتائج شبه النهائية، ليعترف ماكري بهزيمته في كلمة أمام أنصاره، أشار فيها إلى فرنانديز بلقب الرئيس المنتخب، وقال إنهما تحدثا عن بداية “انتقال سياسي منظّم”.
أما فرنانديز فلم يكن يخفي توجّهه للانقلاب على سياسات سلفه، وقال خلال آخر مهرجان انتخابي له الخميس: “مع تصويت الأحد علينا أن نبدأ طي الصفحة المشينة التي بدأت في 10 ديسمبر/كانون الأول 2015″، يوم فوز ماكري في الاقتراع. وتابع: “الشيء الوحيد المهم بالنسبة لنا هو وقف معاناة الأرجنتينيين مرة واحدة وإلى الأبد”.
ومع انتصار فرنانديز، تعود البيرونية إلى السلطة في الأرجنتين، وهي الحركة السياسية التي تقوم على فكر الرئيس الأرجنتيني السابق خوان دومينغو بيرون وزوجته الثانية إيفا بيرون، وتعتمد على العدالة الاجتماعية. واحتشد الآلاف من مؤيدي فرنانديز ونائبته كيرشنر، بعد فوزهما، ولوّحوا بأعلام الأرجنتين، وهتفوا “لقد عدنا”. وقالت كريستينا للحشود: “اليوم، ألبرتو رئيس جميع الأرجنتينيين”.
ويُعرف الرئيس الجديد بتعصّبه لنادي أرجنتينوس جونيورز لكرة القدم، وهو الذي نشأ في منزل يقع على بُعد بضعة مبانٍ من ملعب النادي في بوينس آيرس، كما يخفي حباً كبيراً بل هوساً بموسيقى الروك. فرنانديز الذي نشأ في عائلة من المحامين، وواصل حتى الشهر الحالي عمله كأستاذ جامعي، نشط في إطار الحركة البيرونية لسنوات، وكانت أبرز مناصبه مدير مكتب الرئيس نستور كيرشنر في الفترة من 2003 إلى 2007، وأيضاً في السنة الأولى لكريستينا كيرشنر، التي حكمت من عام 2007 حتى عام 2015.
ولن تكون مهمة فرنانديز سهلة أبداً، في ظل وضع اقتصادي صعب جداً تمر به البلاد، وكانت آخر تجلياته اصطفاف الكثير من الأرجنتينيين يوم الجمعة الماضي، أمام المصارف ومكاتب الصرف لشراء دولارات أو سحب ودائعهم. وسعى فرنانديز إلى طمأنتهم، قائلاً: “ليطمئن الأرجنتينيون سنحترم ودائعهم”، ملمّحاً إلى شبح الإجراءات التي اتُخذت في 2001 في الأرجنتين لإنهاء سباق على السيولة وهروب رؤوس الأموال، وسميت “كوراليتو”. لكن التطمينات لم تقنع الكثيرين، وقال المخرج السينمائي مارتن لوكالة “فرانس برس” إنه لا يشعر بالثقة، وقد حمل الجمعة حقيبة مليئة بالعملة الأرجنتينية لشراء ثلاثة آلاف دولار من مكتب لصرف العملة. وقال: “القصة نفسها تتكرر دائماً”. وأضاف: “والداي خسرا كل شيء بسبب كوراليتو، ولا أريد أن يحدث لي ذلك”.
ومنذ الانتخابات التمهيدية قبل نحو ثلاثة أشهر، سحب المدخرون الأرجنتينيون حوالى 12 مليار دولار من حساباتهم، أي نحو 36,4 في المائة من مجموع الودائع. وقبل يومين من الاقتراع، بدت الأسواق في حالة غليان. وخلال أسبوع فقدت العملة الوطنية (البيزو) 5,86 في المائة من قيمتها مقابل الدولار الذي يشكل تاريخياً العملة الملاذ للأرجنتينيين.
وتأتي نتيجة الانتخابات كرفض لتدابير التقشف، التي أصر ماكري على أنها ضرورية لإنعاش الاقتصاد المتعثر. وكان الأخير قد سعى إلى إبطاء التضخم من خلال خفض الإنفاق الحكومي والسياسة النقدية الصارمة، مع استخدام البنك المركزي لأسعار الفائدة المرتفعة بنسبة 74 في المائة. على النقيض، فإن فرنانديز أعلن أنه سيسعى إلى خفض أسعار الفائدة لإنعاش الاقتصاد وتحفيز الاستهلاك. واقترح ميثاقاً اقتصادياً واجتماعياً لمكافحة التضخم.
أما بالنسبة للقرض الذي كان ماكري قد حصل عليه من صندوق النقد الدولي بقيمة 57 مليار دولار مقابل التزامات مالية صعبة، فأعلن فرنانديز، الذي التقى مسؤولي الصندوق خلال الحملة، أنه سيسعى إلى إعادة التفاوض بشأنه، لكنه لم يقدّم تفاصيل محددة. وبالنسبة للبيزو، أوضح الرئيس المنتخب أنه يريد سعر صرف تنافسي للسماح للأرجنتين “بالإنتاج والتصدير”.
وفي السياسة الاقتصادية أيضاً، اقترح فرنانديز إلغاء الضرائب على الصادرات الصناعية، والمبيعات الأجنبية للتكنولوجيا والخدمات القائمة على المعرفة. كما دعا إلى إجراء تغييرات على صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي تم التوصل إليها في يونيو/حزيران الماضي، لأنه اعتبر أن ذلك قد يضر بالصناعة المحلية. كما وجّه فرنانديز في حملته الانتخابية، انتقادات للزيادة الحادة في أسعار الخدمات العامة، بعدما كان ماكري قد قام بتخفيض الدعم وإعانات الطاقة والنقل، وهو الإجراء الذي ضرب جيوب الأرجنتينيين العاديين بشدة.

على الرغم من ذلك، تثار شكوك حول الحلول التي يقترحها فرنانديز، فهو “قائد غير مجرب”، ويواجه تحديات هائلة ويرث اقتصاداً مدمراً وظروفاً دولية غير مؤاتية. كذلك تُطرح تساؤلات حول علاقته بكريستينا كيرشنر وهو الذي وجّه لها انتقادات شديدة خلال حكمها بعد خروجه من السلطة، بعدما شهدت تلك الفترة إدخال ضوابط على العملة، وكذلك قيوداً وضرائب على الواردات الزراعية. ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدر مقرب من كيرشنر قوله: “حتى الانتخابات (النصفية) في عام 2021 لن تكون هناك مشاكل، سيتم الحفاظ على التحالف… لكنني لا أعرف ماذا سيحدث في عام 2023”.

(العربي الجديد)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى