أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقارير

“عيد اللحمة” في مصر

بالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها المصريون، فهم يتناسون كلّ شيء مع حلول عيد الأضحى المبارك الذي يمثل فرصة للاحتفال بالتزاور وتبادل التهنئة، كما تعلن ربات البيوت حالة الطوارئ قبل أيام منه، إذ يمنعن الزيارات نتيجة أعمال التنظيف الشاملة، فيكون المنزل في أبهى صوره لاستقبال الضيوف والمهنئين. وبعدها يجري تجهيز الطعام من اللحوم بداية من يوم الوقفة (أمس السبت). ويمثل العيد للكثير من المصريين محطة مهمة لالتقاط الأنفاس من الأعمال، فضلاً عن الفرحة التي ربما لا يعرفها كثيرون إلاّ في مثل هذه الأيام المباركة.

يطلق المصريون على عيد الأضحى لقب “العيد الكبير” أسوة بغيرهم من الشعوب، لكنّهم يختصون في تسميته “عيد اللحمة”، نظراً إلى كثرة اللحوم فيه، سواء أكانت من الأضاحي أو مبتاعة من الجزارات. تعدّ الفتة باللحم واحدة من أبرز سمات الموائد صبيحة هذا اليوم، وقد ساعد انخفاض أسعار اللحوم في الإقبال عليها هذا العام، بالرغم من أنّ كثيرين ما زالوا غير قادرين على تحمّل أسعارها.

الاحتفال بالعيد في مختلف محافظات مصر يبدأ عقب صلاته التي دائماً ما تكون في الساحات والأماكن المجهزة للصلاة التي أعلنت عنها وزارة الأوقاف. وبعد الانتهاء من الصلاة، يهنئون بعضهم البعض، وهناك من يقبل على نحر الأضاحي بعد الصلاة ويصطحب الأهل الأبناء إلى الأجداد، وفي الغالب يجري التجمع في بيت العائلة أوائل أيام العيد لتناول وجبة الإفطار، وهناك الكثير من الأسر التي تتوجه إلى زيارة القبور، وتوزَّع الفاكهة وأنواع من المخبوزات على الفقراء والمحتاجين.

وفي الأضحى، يحاول الباعة الاستفادة من أيام العيد ولياليه، فيتوجّهون إلى كورنيش النيل وكذلك إلى عدد من الشوارع والكباري (الجسور) حيث الحركة نشطة، أمّا هدفهم فبيع أكبر قدر من منتجاتهم في المناسبة. من هؤلاء، باعة الأزهار وكذلك باعة المسليات من قبيل الترمس والفول السوداني والفشار وغزل البنات والذرة المشوية بالإضافة إلى العصائر، لا سيّما عرق السوس، والمثلجات بأنواعها المختلفة والمياه الغازية. يُذكر أنّ في تلك الأمان التي يقصدها الباعة وكلّهم أمل في تحقيق بعض الأرباح، لا يفوّت المواطنون، لا سيّما الشباب منهم، التقاط صور “سيلفي” للذكرى.

ولأنّ الأوضاع المعيشية تتحكّم بأهل البلاد، يتوجّه في العيد الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى إلى الحدائق العامة ويستقلون المراكب النيلية رفقة أولادهم كنوع من الترفيه. ومن المناطق التي يفضلها سكان القاهرة في هذه المناسبات حديقة الحيوان. في سياق متصل، يعمد ناشطون في الحدائق والشوارع إلى الرسم على وجوه الأطفال بألوان مائية، الأمر الذي يزيد من بهجة هؤلاء. وتكثر في العيد البالونات بأشكالها المختلفة، فيحملها الأطفال مزهوّين فيما يستفيدون من المناسبة ليركبوا الدراجات الهوائية ويلهوا بالمراجيح في تلك المساحات العامة. تجدر الإشارة إلى أنّ القاهرة الكبرى تخلو تقريباً من سكانها في العيد، خصوصاً العاملين فيها المرتبطين بمحافظات أخرى، سواء من أهالي محافظات الصعيد أو الوجه البحري، الذين يفضّلون قضاء أيام العيد مع ذويهم.

العيد مرتبط بشراء الملابس الجديدة أيضاً، خصوصاً للصغار، لكنّ أولياء الأمور يجدون ذلك مكلفاً، خصوصاً مع بدء الاستعداد لعام دراسي جديد، فيكتفون بتمرير هذه المناسبة بما هو متاح أو يلجؤون للشراء في أضيق الحدود، إذ باتت الملابس المستعملة الخيار الأفضل لدى كثير من الأسر، لا سيما الفقيرة ومحدودة الدخل. يؤكد خالد عبد العزيز، وهو موظف، أنّ الظروف الاقتصادية وحالة الغلاء والأسعار المرتفعة جعلت الكثير من الأسر تستعين بملابس عيد الفطر: “أنا واحد من هؤلاء، فهو عيد لحمة وليس عيد ملابس”. أما حنان محمد وهي ربة منزل، فتقول: “عقب إجازة عيد الأضحى بأسابيع نستعد لعام دراسي جديد بشراء كتب ومستلزمات مدرسية ودروس خصوصية، ما يجعل الأسر تقتصد في مصاريف عيد الأضحى. نحاول أن نشتري لحمة لإسعاد الأطفال خلال إجازة العيد التي تستمر لمدة أسبوع هذا العام”.

الأزمة المعيشية انسحبت على العيدية التي باتت حملاً ثقيلاً على كاهل المصريين، وبسببها قلّت الزيارات بين الأقارب، وباتت تقتصر على الأقارب من الدرجة الأولى. تتفاوت قيمة العيدية من مواطن إلى آخر، لكنّها لا تتجاوز 20 جنيهاً (1.20 دولار أميركي) في معظم الأحيان. بدوره، يقول أبو الحجاج محمد، وهو موظف، إنّ بهجة العيد لم تعد كما كانت في الماضي، سواء للأطفال أو الكبار بسبب ضغوط الحياة والمشاكل، مشيراً إلى أنّ “الجنيه الواحد كانت له فرحة وقيمة كبيرة عند الأطفال قبل سنوات قليلة، أما اليوم فورقة الخمسة جنيهات، عندما تقدمها للطفل في العيد ينظر إليك نظرة احتقار بسبب قلة قيمتها”. أما عماد متولي، وهو موظف، فيقول إنّ “العيدية تعكس فرحة الأطفال بالعيد، لشراء ما لذ وطاب، لكنّها باتت مصدر قلق لكثيرين اليوم”، مشيراً إلى أنّ “العيدية فرضت اقتصار التزاور على الأقارب من الدرجة الأولى”.

والضائقة المعيشية تزيد المشاكل الأسرية أيضاً في العيد، بسبب ضغوط النفقات على الأب، وهو ما يؤكده عصام حسن، مشيراً إلى أنّ الكثير من الخلافات تنشب بين الزوج والزوجة بسبب ملابس العيد ومستلزماته. ومن العادات التي يحرص عليها الجميع في مصر ليلة العيد، التوجه إلى صالونات الحلاقة، سواء النساء والفتيات أو الرجال والفتية. يقول محمد أحمد، وهو صاحب صالون حلاقة، إنّ العيد موسم كبير جداً للصالونات؛ إذ يقبِل الجميع على التسريحات والقصات المختلفة، ولكلّ منها ثمن، كما يهتم البعض ببشرته من خلال الأقنعة (ماسك) والبخار. يوضح أنّ العمل في صالونات الحلاقة يستمر حتى عصر يوم العيد بسبب الازدحام الشديد الذي ينسحب أيضاً على محلات الكوافير النسائي. ويعتبر مصطفى عبد الفتاح أنّ مظاهر العيد اختلفت عن الماضي، كما تغيرت العادات بين الأجيال، ولم يعد كثيرون يحرصون على الزيارات في العيد حتى داخل الأسرة الواحدة، بل اقتصر الأمر على الرسائل أو المكالمات الهاتفية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى