أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

القدس عاصمتها الخلافة القادمة على منهاج النبوّة (1-2)

حامد اغبارية

من عجائب زماننا أنّ تيارات يسارية علمانية، تزعم مناصرتها لقضايا الشعوب وحريتها وخياراتها؛ ومنها تيارات تعيش بين ظهرانينا، هنا في الداخل الفلسطيني، تلتقي مع أنظمة عربية فاشية قمعية استولت على الحكم بالانقلابات العسكرية، مستعينة بدول الاستكبار العالمي، وبالبطش والقمع وقوة السلاح، في قهرها لشعوبها وحرمانها من حقها الطبيعي في اختيار حكامها، ونظام حكمها. والأعجب والأغرب أن تلتقي هذه التيارات من شعبنا، مع هذه الأنظمة؛ مثل نظام السيسي أو نظام آل الأسد، على سبيل المثال لا الحصر، وهي التي يُفترض أنها تنتمي إلى شعب يعاني من القمع والظلم والاحتلال وهضم الحقوق والملاحقة السياسية. فما الذي جمع هؤلاء مع أولئك؟؟!

إن التيارات اليسارية، على اختلاف توجهاتها لا تدين بدين، ولا ترتكز إلى عقيدة إيمانية راسخة، ولذلك تراها متذبذبة، تميل حيث تميل مصلحتها. وغالبا ما تكون هذه المصلحة مرتبطة (سياسيا أو فكريا أو اقتصاديا) بدولة أو بدول كبرى، هي التي تحدد أجندة تلك التيارات وسياساتها ونهجها وسلوكها. ومثال ذلك الأحزاب الشيوعية في الدول العربية، وشقيقها الحزب الشيوعي الإسرائيلي، والتي كانت تنتظر ما يصدر من موسكو أيام الاتحاد السوفييتي، كي تحدد موقفها من القضايا المختلفة، حتى لو كان ذاك الموقف يتناقض مع مصلحة الشعوب التي تنتمي إليها تلك الأحزاب. ومثال ذلك أيضا الأحزاب القومية أو الليبرالية التي تدير شؤونها الاقتصادية جمعيات بمسميات مختلفة، تتلقى دعما ماليا مشروطا من الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.

فما الذي جمع تلك التيارات – يا ترى-مع الأنظمة القمعية التي تمارس الاضطهاد والقمع الدموي ضد شعوبها؟

إنه العداء المستحكم للإسلام. هكذا باختصار. لكن المسألة تحتاج إلى تفصيل.

إن عداء هذه التيارات للإسلام كدين وكعقيدة وكمنهج هو بند غير مكتوب في برنامجها السياسي، لكنك تستطيع أن تقرأه بوضوح في ثنايا البرنامج المعلن، خاصة لدى الحديث عن حرية المرأة ومساواتها، وحرية الإنسان أن يفعل بجسده ما يريد، ودعم المثليين والمثليات، ومهاجمة ما تسميه تلك التيارات بـ “الطائفية”، و”التعصب” و”الداعشية” وغيرها من المصطلحات التي تخفي في ثناياها عداء واضحا للإسلام، لكنها لا تستطيع أن تصرّح بهذا علنا، لأنها تعلم جيدا أنها لو صرحت به لدفعت ثمنا باهظا من وجودها الفعلي على الساحة. ولذلك تراها دائما تتستر وراء مصطلحات خداعة، تسحر بها أعين الناس، وتغسل بها أدمغتهم.

من هنا تستطيع أن تفهم لماذا تعادي تلك التيارات، سوية مع الأنظمة القمعية (ومع دول الكنيستين الغربية والشرقية)، تنظيم الإخوان المسلمين، وكل التيارات الإسلامية التي تؤمن بالمنهج الوسطي لهذا التنظيم (ومنها الحركة الإسلامية في الداخل قبل انشقاق 1996، ثم الحركة الإسلامية التي حظرتها الحكومة الإسرائيلية). إنه ليس مجرد عداء للتنظيم ولا للحركات الإسلامية الوسطية، لكنه عداءٌ للمشروع الذي يحمله هذا التنظيم وهذه الحركات، ولا يستطيع أن ينكر أحدٌ من هؤلاء – إلا مكابرة وزورا-أن التنظيم يحمل رسالة الإسلام للعالمين، كما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد وُلد تنظيم الإخوان المسلمين في فراغ قاتل، عقب المؤامرة الكونية على الخلافة الإسلامية، والتي انتهت بنجاح قوى الظلام (التابعة للكنيستين الغربية والشرقية[1]) في إسقاط الخلافة الإسلامية (العثمانية)، ومعها عربٌ مسلمون وغير مسلمين، ومسلمون من غير العرب باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، وتحولوا إلى عملاء لدول الاستكبار التي تمثلت في ذلك الوقت ببريطانيا وفرنسا (الكنيسة الغربية) وروسيا القيصرية (الكنيسة الشرقية).

وُلد تنظيم الإخوان في أجواء شديدة الخطورة، سيطرت فيها العمالة والخيانات والمؤامرات، التي سعت إلى تفكيك المجتمعات الإسلامية، بعد أن باع أصحابُها للعرب خاصةً وهْمَ الحرية والاستقلال والتخلص من (استبداد العثمانيين غير العرب واستئثارهم بالخلافة التي هي من حق العرب وحدهم!!). وقد جاء التنظيم ليسد الفراغ الذي تركه سقوط الخلافة، وسعى إلى العمل على بقاء الإسلام حيا في المجتمعات الإسلامية، التي وقعت ضحية للمؤامرة الغربية – الشرقية. فقد باعت بريطانيا للعرب (في جزيرة العرب) كذبة استعادة الخلافة الإسلامية، التي سرقها العثمانيون منهم (دون وجه حق شرعي!! راجع مراسلات مكماهون -حسين)، في وقت كانت بريطانيا وفرنسا وروسيا تضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية سايكس – بيكو الاستعمارية.

ولقد أدرك تنظيم الإخوان منذ البداية حجم المؤامرة، ووعى تفصيلاتها. وقد رأى مؤسسو التنظيم في مصر ممارسات الاستعمار الانجليزي تجاه المصريين (ومن ثم ممارساته في كل من العراق وفلسطين) وممارسات الاستعمار الفرنسي في سوريا وفي المغرب العربي، والتي كانت تتناقض تناقضا مفضوحا مع ما تعلنه حكومتا لندن وباريس. وعى التنظيم أن المؤامرة لإسقاط الخلافة كان الهدف منه تمكين اليهود من فلسطين، من خلال دعم دول الاستعمار للمشروع الصهيوني الذي أسسه ثيودور هرتسل في بازل. فكانت قراءة التنظيم للخارطة الجديدة التي يجري تشكيلها قراءة صائبة وثاقبة، ولذلك مارس التنظيم نشاطه على أرض الواقع لمواجهة المخطط، مع إدراكه التام أن ما يجري هو سنّة من سنن التدافع، وأن قدر الله الذي لا يُردّ جرى به القلم أن تعيش الأمة الإسلامية تلك العقود العصيبة المؤلمة الدامية المظلمة، ليميز الله الخبيث من الطيب، ولتُصهر المجتمعات صهرا، كما يصهر التراب لاستخراج الذهب الخالص الذي لا تشوبه شائبة، ولتعود الدنيا كما كانت، ولتدور الأيام كما بدأت في بدايات الإسلام: عقيدة وإخلاص (بلا نفاق) وصناعة رجال وتهيئة للمهمات الصعبة، ومن ثم دولة فحضارة، فعدل وقسط وسلام عالمي.

وكان مما أدركه تنظيم الإخوان المسلمين في أدبيّاته، الفهم الصحيح لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أحداث آخر الزمان، ومن ذلك أن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ستعود في آخر الزمان، وأن عاصمتها ستكون في بيت المقدس. ولم يستكن التنظيم ولم يجلس في انتظار الفرج، بل عمل على الإعداد لمثل تلك اللحظة، وخاض لأجل هذا معارك سياسية وفكرية طاحنة مع الأنظمة القمعية، ودفع من أبنائه وقياداته ما لا يخفى على أحد، عبر تسعين عاما مضت، ولكن فكرته بقيت هي هي؛ فكرة إعادة المجتمعات الإسلامية إلى الإسلام، وإعادة الإسلام إلى تلك المجتمعات، ذلك أن دول الاستكبار لما فشلت في إبعاد الناس عن الإسلام، رغم ما تملكه من عناصر القوة المادية، عملت على إبعاد الإسلام عن الناس (من خلال التجربة الأتاتوركية، وتجربة الاتحاد السوفييتي على سبيل المثال). ودليل هذا أنه لما سقط الاتحاد السوفييتي اكتشفنا -نحن المخدوعين-أن الإسلام لا يزال حيا في قلوب مسلمي دول الاتحاد، كما نراه حيا أمامنا في تركيا اليوم، بعد سقوط العلمانية الأتاتوركية التي كان يحميها العسكر.

من هنا هذه الحرب المجنونة التي يكاد العالم كله (بعربه وعجمه ورومه) يشارك فيها ضد تنظيم الإخوان المسلمين، الذي ربّى أجيالا على فكرة عودة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، والتي ستكون عاصمتها القدس الإسلامية. وهي في الحقيقة حرب على الإسلام لا على الإخوان، ذلك أن تنظيم الإخوان لم يبتدع هذه الفكرة، وهي ليست بندا سياسيا في برنامجه، بل هي عقيدة راسخة تؤكدها آيات القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن معسكر الباطل الذي لا يجرؤ – في هذه المرحلة الحساسة على الأقل[2]– على التصريح بعدائه الصريح للإسلام، جعلها حربا على تنظيم الإخوان وعلى الحركات الإسلامية، مستغلا بطش الأنظمة التي تحكم بالحديد والنار، ومستغلا جهل الناس في العموم لحقيقة المسألة، ولخلفيات هذه الحرب.

ولذلك تجد التيارات اليسارية العربية تتصدى لفكرة الخلافة الإسلامية، وترفض صراحة مجرد الحديث عنها، ومن هذه التيارات تيارات فلسطينية تصاب بالجنون كلما تحدث الإسلاميون عن القدس في هذا السياق، وكلما قال قائلهم: “القدس ستكون عاصمة الخلافة الإسلامية”، ويصرون على أن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية (ذلك الوهم الذي يعيشون فيه من عقود). أما حقيقة الأمر فهو أن رفضهم يعبر عن رفضهم المبدئي للإسلام كنظام حياة، بما في ذلك النظام السياسي، وكأنهم برفضهم هذا سيغيرون قدر الله تعالى، وسيحولون دون تحقّق وعد الله ومبشرات رسوله صلى الله عليه وسلم.

فهل عودة الخلافة وعاصمتها القدس فكرة تنظيمية حزبية سياسية، كما يزعمون، وفي التالي هي خاضعة للنقاش والرفض والأخذ والرد، كأي موضوع آخر تختلف حوله التيارات السياسية والفكرية، أم هي عقيدة راسخة من مشكاة النبوة؟ هذا ما سنوضحه إن شاء الله في القسم الثاني من المقال.

___________________________

[1] . المقصود هنا الدول الغربية التابعة للكنيسة الكاثوليكية ، متمثلة ببريطانيا وفرنسا في ذلك الوقت، وروسيا التابعة للكنيسة الأرثوذكسية، وكلا الطرفين كانت له أهداف دينية واضحة في سلوكه السياسي والعسكري والاستعماري، وهي أهداف ما تزال حاضرة في ممارسات تلك القوى إلى هذه اللحظة، وستبقى حاضرة في السياسة وفي السلوك إلى أن يحكم الله بيننا وبينهم.

[2] . في مرحلة ما، أراها قريبة جدا، ستنكشف الحجب وستسقط الأقنعة، وستظهر الحقيقة، وسيعلن معسكر الباطل عداءه للإسلام صراحة، وعندها لن يكون أمام التيارات اليسارية العربية إلا أن تختار طريقها النهائي؛ فإما أن تكون مع معسكر الباطل، وإما تصدع بالحق وتعود إلى أحضان الأمة. ولن يكون هناك خبار ثالث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى