معركة الوعي (262) نزع الشرعية عن….. إخوان.. مش إخوان.. أيًّا كان!
حامد اغبارية
1)
سوف تصل تلك اللحظة. ولسوف يقف رؤوس الطغيان في العالم، بِرومِهم وعجمهم وعربهم، وأبيضهم وأصفرهم وأسودهم وأحمرهم، أمام الشاشات ليعلنوا، بكل وضوح ودون لبس، أن كل ما فعلوه حتى اليوم في تعاملهم مع المسلمين، ومع العالم الإسلامي، والجماعات الإسلامية إنما كان نوعا من التقيّة السياسية التي كانت ضرورية نظرا لظروف العلاقات الدولية، ولمّا أن هذه الظروف قد تغيّرت، وانتفت أسباب التقيّة السياسية، وأصبح لصوص الكوكب على قلب رجل واحد! فإنه لم يعد مفرّ من قول الحقيقة.
إنها اللحظة التي سيقولون فيها على الملأ: إن مشكلتنا ليست فقط مع الحركة الإسلامية، ولا مع الصحوة الإسلامية وحسب، ولا مع الإخوان المسلمين، ولا مع أي تنظيم إسلامي أيًّا كان شكله ومنهجه ومذهبه.
إن مشكلتنا في حقيقتها هي مع الإسلام، مع هذا الدين، ومع كل ما يحمله من عناصر قوة وثبات وعنفوان وتطور وتمدد واتساع، أفقيا وعموديا. إن مشكلتنا مع عقيدة راسخة كالجبال، لا يتنازل عنها أصحابها بأي ثمن، أياًّ كان هذا الثمن! رغم كل ما يلاقونه من عنت وملاحقة وتضييق وقتل ومحاولات اجتثاث، وشيطنة وتشويه وإشاعات وأكاذيب وأضاليل وافتراءات.
سيقولون: لقد حاربنا الجماعات والتنظيمات والأطر والشخصيات الإسلامية كجزء من حربنا على الإسلام. وقد عملنا طوال الوقت على شيطنة تلك الأطر والجماعات والتنظيمات والشخصيات كجزء من خطة شيطنة الإسلام نفسه، فرمينا الجميع بالإرهاب، بينما كنا نقصد نعت الإسلام نفسه بالإرهاب.
ومن أجل ذلك سخّرنا الموارد والأموال والعقول. وكنا قد بنينا إستراتيجيتنا هذه على مبدأ النفس الطويل، وأعددنا من أجلها الخطط، وأسسنا مراكز دراسات متخصصة، وبذلنا كل ما في وسعنا من قدرات وأموال وإعلام وغزو ثقافي، من أجل نشر النظريات الاستشراقية بكل تشعباتها وتخصصاتها حتى نشكك المسلمين بدينهم، ونشوش عقيدتهم، ونغسل أدمغتهم.
وهيأنا من الحكام العرب والمسلمين من يخدم أهدافنا وينفذ أجندتنا، فكانوا أفضل من أدى الوظيفة وأنجز المهمّة، إذ جمعوا حولهم جيوشا من العمائم التي أُعدّت في أقبية المخابرات، والكتائب الإعلامية، والأقلام الفاجرة المأجورة كي يُفسدوا على الناس دينهم، وينشروا الأفكار التي تخرب العقول وتدمر الأسرة وتفكك المجتمع، وتحلّ الحرام وتحرم الحلال، وتنشر الفكر الإلحادي، وتشيع الفاحشة والشذوذ والانحلال، واجتهدنا أن نستبدل الديمقراطية بالإسلام، حتى جعلناها دينا يتعبّد به أشقياء الناس.
سيقولون: لقد تعمدنا، عن سبق تخطيط، ألا نضع تعريفا واضحا لمصطلح “الإرهاب”، لأننا لو فعلتنا لكنا قد أطلقنا الرصاص على أقدامنا. ولشملنا التعريف وحدنا دون غيرنا. لكننا أردنا أن يكون وصف الإرهاب لصيقا بجهة واحدة ومجموعة واحدة من أهل الكوكب، هي المسلمين.
وسيقولون: لقد سخّرنا آلاف، بل عشرات الآلاف، بل مئات آلاف الأقلام “الأكاديمية” من الغرب والشرق، كي يخوضوا في مسائل إسلامية تمس أصل العقيدة وثوابت الإسلام، حتى بات كثير من المسلمين في حيرة من أمرهم: هل هو جهاد أم إرهاب؟!!! هل هو قرآن وسنة أم قرآن فقط؟ هل الخمر حلال أم حرام؟ هل الحجاب للمرأة فريضة أم عادة قديمة؟ وخضنا في قضايا التعدد وحقوق المرأة، والحدود، والولاية، والقوامة وغيرها. وكان هذا غاية المراد حتى هذه الحظة. إذ كان يكفينا أن يبدأ المسلم بطرح الأسئلة حول دينه. فهذا في نظريات علم النفس إنجاز عظيم وخطوة رئيسية في الطريق إلى هدم البناء كله.
ولكن…
رغم ما فعلنا، ورغم كل ما أنفقنا من أموال، ورغم كل الحروب التي خضنا، ورغم كل المؤسسات الدولية التي بنينا برموش العين من أجل ذلك، ورغم نجاحنا في تصوير أنفسنا في عيون الجهلة أننا نسعى لتحقيق حرية الشعوب، ونشر العدالة، ودعم حقوق الإنسان، فإن هذا كله انقلب علينا حسرة، إذ أننا كلما أوغلنا في المخطط خرجت لنا حفنةٌ قدّت قلوبها من صخر، هي أشد صلابة من الصّوان، لا تُخترق ولا تتراجع ولا تطأطئ ولا تستسلم ولا تُخدع. فماذا نفعل؟!
لقد فشلت كل جهودنا، ولم نتمكن من إخراج الإسلام من قلوب الناس، رغم أننا نجحنا في إبعاد الإسلام ومظاهره عنهم لفترات طويلة. شكّكنا في القرآن فتمسكوا به أكثر.
بل إن هذا القرآن قد اخترق مجتمعاتنا واختطف أبناءنا وبناتنا وسوّى بجهودنا الأرض. حرّضنا سفهاءنا ليحرقوا القرآن أمام الشاشات، فخرج ضدنا معاقرو الخمرة ومتعاطو المخدرات من المسلمين قبل المصلين والصائمين. هاجمْنا نبي الإسلام وسخِرنا منه، وسخّرنا أقذر وسائل الإعلام للنيل من مقامه فهاجت الأمة الإسلامية من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، واستيقظ الغافلون، وأخذت العزةُ والأنفةُ أهلَ المعاصي منهم، وثارت ثائرةُ مَن ظننّا أنهم عملاء صامتون لنا، فانهار الهيكل فوق رؤوسنا.
من أجل ذلك نعلنها صراحة: لقد كُشف الغطاء، إذ لم يعد في إمكاننا أن نخدع أحدا، حتى الرضيع في قماطه، لذا فإننا من هذه اللحظة نعلن الحرب على الإسلام لاجتثاثه واقتلاعه من جذوره، لأنه يهدد هيمتنا وسطوتنا وسيطرتنا وعروشنا ووجودنا، ويهدد الكوكب بالنظافة والعدل والقسط ودحر الفساد والإفساد والرذيلة، ويحمل للبشرية التي استعبدناها “خطر” الفضيلة والأخلاق والحرية الحقيقية.
نعلم أن هذا ليس صعبا وحسب، وإنما هو مستحيل استحالة عودة الموتى إلى الحياة الدنيا، لكننا لن نتراجع. فقد فعلناها منذ فجر رسالة الإسلام وفلشنا. وفعلناها ببث الفتنة في عهد الخلافة الراشدة وفشلنا. وفعلناها في الحروب الصليبية وفشلنا، وفعلناها مع الخلافة العثمانية وفشلنا… وها نحن اليوم نفعلها رغم أننا نعلم أننا سنفشل، كما فشل أجدادنا النمرود وفرعون وأبو لهب وأبو جهل وابن أخطب وابن سبأ وأوربان الثاني…
2)
هكذا يتضح الطريق، ويتبين لكل مبصر أن قرار البيت الخَرِب الأمريكي في واشنطن بإدراج جماعة الإخوان المسلمين في قائمة الإرهاب إنّما هو خطوة أخرى نحو الإعلان الكوني بشن الحرب على الإسلام.
كذلك يتضح أيضا، ويتبين لكل مبصر أنه مهما فعلتَ، ومهما تنازلتَ، ومهما قدمتَ وصرّحتَ، ومهما أعلنت، ومهما أصدرت من بيانات، ومهما تبرأت من جلدك، ومهما توسلت، ومهما استجديت، ومهما قلت إنك تريد أن تضرب سياجا حول دعوتك لحمايتها من الاستهداف فإنك لن تنجو من براثن الحظر، طالما أنك تحمل الاسم وترفع الشعار. وقد ذكّرناك بهذا منذ زمن، وقلنا لك: إياك ولحظة الندم القادمة لا محالة!! لهذا فإن كل ما مضى سيكون عليك وليس لك، وقد كان يسعُك أن تعَضَّ على المنهج بالنواجذ مهما كان الطريق شائكا، وأن تتمسك بالثوابت مهما كان عبؤها ثقيلا. ذلك – يا صديقي- أنها حرب على الإسلام وعلى كل ما يؤدي إليه، ويشير إليه، ويذكّر به، ويدعو إليه، ويسير عليه. أفهِمْت؟!!
ولك في قَصص السابقين عبرة، فاعتبر. ذلك أنّ الخليفة العباسي المستعصم، الذي حكم بين 1242 و1258 ظنّ -كما تظن أنت اليوم- أنه بمهادنته لهولاكو سينجو وتنجو بغداد. لكنه، رغم صلاحه واستقامته كان ضعيفا ليّنا، لا يُحسن التدبير، وركن إلى كتيبة “مستشاريه” الذين زيّنوا له فداحة الخطر الذي يحمله هولاكو إن هو تمسك بالموقف وثبت، فأهلكوه بمشورتهم… بل أهلك نفسه يوم أن ظن أنه يمكن أن يكون هولاكو صديقا وفيًّا موفيا بالعهود… رغم علمه أن هولاكو لم يخرج ليعقد الصداقات ويبني التحالفات والشراكات والائتلافات وإنما ليحتل البلاد ويستعبد العباد ويبني مملكته على الجماجم. أفهمت؟!
الآن سينزعون عنك الشرعية ويضيفونك إلى قائمة “إنجازاهم” في طريقهم إلى نزع الشرعية عن الإسلام الذي بذلتَ كل ما في وسعك لإظهاره بما يرضيهم، فما أرضيتهم وما رضُوا ولن يرضَوْا.
سيقولون، وستقول معهم إن هذه محاولة من كبيرهم كي يضمن موقعه القادم في الانتخابات. وسوف تصدّق أنت هذا الكلام لأنك تريد أن تصدقه، رغم علمك أن الحقيقة غير ذلك…



