ما معنى هذه التعبيرات: الجندرية، والنسوية، والجنسوية، والفكر النسوي، والكويريّة

توفيق محمد
لست بصدد الرد على بيان “الفكر النسوي حركة تحرر، وليس وهما، مقاومة، وليس انحرافا، وعدالة مستحقة، ليس فضلا من أحد، ردا على ما ورد في مقالات الشيخ رائد صلاح” المنشور في الأسبوع الماضي، فهو في تصوري لا يستحق الرد، ليس من باب الاستهانة والاهمال، بقدر ما أنه لا يحمل أي معنى يستحق الوقوف عنده، من جانب، ومن جانب آخر، لكون عدد من الجمعيات الموقعة عليه (على الأقل خمس جمعيات) تدعو بصورة مباشرة أو غير مباشرة للشذوذ الجنسي، إما بصورة مباشرة، أو عبر مسميات مبهمة، لكنها تقود إلى “الديار الغبراء” أي إلى الشذوذ الجنسي.
وإن كنت استغرب، فإني أستغرب أن تقبل جمعيات ومؤسسات دراسية بحثية تدعي البحث العلمي، ومؤسسات إعلامية تدعي تمثيلها للإعلاميين الفلسطينيين في الداخل، أن توقع على هذا البيان، وأن تستطف بصف من يدعو الى قيم وأخلاقيات تتناقض مع أدنى المسلمات الفلسطينية العروبية الإسلامية.
وبعيدا عن الكلام الفضفاض والشعارات الفضفاضة ما أزال أنتظر أن تخبرنا الجمعيات النسائية ماذا تقصد بالجندرية، والنسوية، والجنسوية، والفكر النسوي، والكويريّة، وغيرها من التعبيرات التي صدعت رؤوسنا بها دون إيراد أي محتوى أو معنى يوضح ماذا تعني كلمة جندرية غير تعريفها بتعبير النوع الاجتماعي، فما هو هذا النوع الاجتماعي (وقد فصلت عن هذا في مقال سابق في هذا المنبر)، وماذا تقصد به، وما هي رؤيتها، وما هو رأيها بخلق الله للإنسان على هذه الهيئة، ووفق الصفات التي وضعها الله سبحانه في كل من الذكر والأنثى، ولم توضح لنا ماذا تعني كلمة الجنسوية، هل هي مشتقة من الجنس أم من النوع؟ وهل المقصود بها الميل الجنسي، وبالتالي الدفاع عن ميول الذكر للذكر جنسيا، او ميول الأنثى للأنثى جنسيا؟ وماذا تعني النسوية؟ وماذا يراد بتعبير الفكر النسوي، بل ما هو الفكر النسوي، وما هي الكويريّة؟ هل هي تعبير يشير إلى الأفراد الذين لا تتفق هويتهم الجنسية أو الجندرية (النوع) مع المعايير التقليدية (كما توصف في كتابات بعض المفسرين لها، مع تحفظي على هذه العبارات)؟ أم ماذا؟ ولماذا كل هذه التسميات الكثيرة والمتنوعة مع أنها جميعها تشير الى أمر واحد هو الشذوذ الجنسي، فلماذا لا يطلقون على أنفسهم المُسمى الحقيقي لما هم عليه، أم أنهم يخجلون منه؟ أم أن هذا المُسمى الحقيقي لهذه المسميات المُستوردة منفر ولا يستوي مع الذوق الرفيع والفطرة السليمة التي هي سمة مجتمعنا كله على مختلف أطيافه وانتماءاته الدينية.
وفي الحقيقة هناك الكثير من الأسئلة التي قد تنشأ عن هذا الفعل المقزز، ولكني سوف أكتفي بسؤال واحد وهو كيف سيضمن أصحاب هذا الفكر استمرار المجتمع البشري، وهم يشذون عن الوسيلة السوية التي خلق الله الناس عليها لضمان هذه الاستمرارية؟
وأنا أبحث في أسماء الشخصيات الموقعة على البيان أعلاه وجدت أن السواد الأعظم منهن إما موظفات أو إداريات أو إداريات سابقات في الجمعيات ذاتها الموقعة عليه، ولدى البحث في مواقع الجمعيات الموقعة على البيان المذكور أعلاه وجدت هذا التعريف لجمعية تسمي نفسها “القوس” وهي من الجمعيات الموقعة على البيان أعلاه حيث كتبت في تعريف رؤيتها، وهنا أنقل النص كما ورد في موقعها الإلكتروني وهو ما يلي:” رؤيتنا: القوس للتعدّديّة الجنسيّة والجندريّة في المجتمع الفلسطينيّ (ج. م.) هو مجموعة من النشطاء المِثْليّات، والمِثْليّين، وثنائيّي الميول الجنسيّة، والعابرات/ين جندرياً، والمتسائلات/ين وأشخاص كويريات/ين يعيشون توجّهات جنسيّة وجندريّة مختلفة، وأصدقائهم. القوس هو حيّز مفتوح وذو قاعدة شعبيّة واسعة يستوعب ويتلقّى ويحتوي ويتفاعل ويُشْرِك في الجهود والطاقات التي تهدف إلى خلخلة أنظمة القمع الجنسيّ والجندريّ، وأدوات السيطرة على الجسد والجنسانيّة، من النظام الأبويّ والرأسماليّ إلى الاستعماريّ، وإعادة تشكيل علاقات القوّة الناتجة عنها للمساهمة في خلق مجتمع يحوي توجُّهات جنسيّة وجندريّة متنوّعة”.
من يقرأ مصطلح خلخلة النظام الرأسمالي الاستعماري يعتقد أنه سيجد نفسه أمام حركة سياسية فاعلة، تسعى لإعادة الحق الفلسطيني المستلب، ولنصرة المظلومين، ومقاومة الاستعمار، (هذه الشماعة اللعينة التي يعلق الجميع عليها أمتعتهم، فتجدها تحمل كل المتناقضات) أما الحقيقة فإنه سيجد نفسه أمام حالة تسعى إلى خلخلة أركان الأسرة، وخلخلة أركان المجتمع، وتدميره وإهلاكه، عبر ما يطلقون عليه خلخلة النظام الأبوي، وإطلاق العنان لكافة أفراد الأسرة يتصرفون وفق أهوائهم تحت ما يسمى بـ “أنا حرة بجسدي”.
بعيدا عن كل “الهبل” أعلاه أنا أؤمن أن الأدوار بين الرجل والمرأة هي أدوار تكاملية، وأن العلاقة بينهما هي علاقة الرحمة والحب والتكامل والسَكَن، وليست علاقة التنافس والتحارب والشجار، ولا علاقة المساواة في كل شيء، فكيف يمكن للرجل أن يتساوى مع المرأة في الأمور التي تتفوق هي عليه بها، بحكم الفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها، وكيف لها أن تتساوى وإياه في الأمور التي يتفوق هو عليها بها.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي عليه لأول مرة، وقد خاف لم يذهب إلى عمه أبي طالب الذي يُتوقع منه المَنَعَة والقوة والحماية، ولم يذهب الى صديقة أبي بكر الرجل، إنما ذهب إلى أمنا خديجة بنت خويلد، رضي الله عنها، وقال زملوني زملوني، فوجد عندها ما لا يمكن أن يجده عند الرجال، لأن هذه هي الفطرة، وهذه هي الطبيعة التي خلق الله الناس عليها، وجد عندها العاطفة الجياشة التي استوعبته عندما قال لها :”خشيت على نفسي”، فقالت: “كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتُقرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق”.
“إنها تتحدث إلى زوجها كطبيبة نفوس، وكفيلسوفة فكر، وكعالمة في سنن الله ونواميسه في الخليقة”..(محمد مسعد ياقوت المشرف العام على موقع نبي الر حمة)
إنها الأدوار والمهمات المتكاملة لكل من المرأة والرجل التي تجعل الحياة جميلة هانئة، وليس الصراع المفترض أنه دائم الاحتدام، كما تريده النسويات والجمعيات النسوية على شتى مسمياتها.
لماذا تفترض النسويات وجمعياتهن الممولة عبر البحار حالة الصراع الدائم مع الرجل ووجوب انتزاع الحقوق منه، علما أن الحقوق لكليهما مصانة ومحفوظة في الإسلام.
على كل الأحوال ما نزال نطالب الجمعيات النسوية بمختلف أسمائها تعريفا واضحا، وليس فضفاضا للجندرية، والنسوية، والجنسوية، والفكر النسوي، والكويريّة، بعيدا عن التغني بالوطن والوطنية والقومية والاستعمار و…..لأن إقحام الوطن والوطنية الى هذه الساحات ليس إلا من باب ضريبة الشفاه التي يُراد من خلالها استعطاف مشاعر الناس، نريد تفسيرا واضحا إلى أين تسعى هذه الجمعيات؟ وإلى أين تريد أن تذهب بشعبنا ومجتمعنا؟ أو بالأحرى إلى أين يسعى ويريد المانحون جرَّ شعبنا ومجتمعنا “فوق الذي هو فيه” يبدو أن “اللي فينا مش مكفينا” حتى يُسعى لإغراق مجتمعنا بكل أنواع الشذوذ والرذيلة….. وللحديث بقية



