التعليم الفلسطيني في القدس ومرحلة “صهر الوعي”
راسم عبيدات
من الواضح أن الحرب التي يشنها وزير التربية والتعليم الإسرائيلي المتطرف نفتالي بينت، ومعه كل جوقة حكومته على التعليم الفلسطيني في القدس، تسير وفق خطة ممنهجة، هدفها النهائي شطب المنهاج الفلسطيني في مدينة القدس، من أجل خلق جيل فلسطيني جديد من الطلاب “يتأسرل” وعيُه، وتشوّه هويته وثقافته وانتماؤه، وتهتز قناعاته بمشروعية نضاله ومشروعه الوطني. إنها حرب على الوجود والهوية والثقافة والكينونة والوعي والذاكرة، تستخدم فيها كل وسائل الترهيب والضغط، بما فيها تهديد المعلمين والمدراء في لقمة عيشهم. من يطبق المنهاج الإسرائيلي ويلغي المنهاج الفلسطيني حسب خطة “بينت”، يثاب ومن لا يستجيب يعاقب.
وضمن هذه الخطة والإستراتيجية تقوم وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية بالتعاون مع بلدية الاحتلال بحملة تعيينات لمدراء وموجهين تربويين ”مفتشين” بلغة الحكم العسكري، للمدارس الحكومية الفلسطينية في مدينة القدس، والتي تخضع بالكامل لسيطرة بلدية الإحتلال ووزارة معارفها من الألف إلى الياء أبنيةً وجهازًا وظيفيًّا مدراء ومعلمين وحتى أذنة وحراسا، وتشترط في عملية التعيينات أن تكون الطواقم وخاصة المدراء والموجهين التربويين”المفتشين”، ممن يتبنون سياستها ووجهة نظرها، فيما يتعلق بـ”أسرلة” العملية التربوية والتعليمية في القدس، من خلال الترويج للمنهاج الإسرائيلي عبر إغراءات مادية كبيرة وحوافز ومكافآت.. وهذه الخطة عقد لها وزير التربية والتعليم الإسرائيلي اجتماعات في الكنيست بحضور ممثلين عن التربية والتعليم الإسرائيلية وبلدية الاحتلال والشرطة و”الشاباك”، والعنوان هو كيفية السيطرة على العملية التعليمية في القدس بشكل كامل، والعودة إلى تدريس المنهاج الإسرائيلي في المدارس الفلسطينية بالقدس، كما كان عليه الوضع بعد عام 1967.
خطة “بينت” بعد عملية تهويد المدينة، وجعلها عاصمة “موحدة” غير قابلة للتقسيم مجدداً، وبعد إغراقها في ”تسونامي” يهودي، وإخراج أكبر عدد من العرب منها ضمن سياسة التطهير العرقي، تقوم على جعل من يتبقى منهم ضمن جزر متناثرة في محيط إسرائيلي واسع، يعيشون أنماطهم الحياتية وثقافتهم وتعليمهم وفق الرؤية والمنظور الإسرائيلي، وهذا يتطلب السيطرة الكاملة على العملية التعليمية في مدينة القدس، بحيث لا تشمل المدارس الحكومية والمدارس شبه الرسمية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، من حيث الإدارة والإشراف والتمويل والأبنية، بل تمتد لتطال المدارس الأهلية والخاصة، في حين يجب العمل على إغلاق المدارس التابعة للأوقاف الإسلامية المعروفة بمدارس المرحوم حسني الأشهب التي تتبع وزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
يبدو أن خطة بينت المتدرجة للسيطرة على التعليم في القدس، باعتباره جزءًا من السيادة، قد دخلت مرحلة الحسم النهائي؛ فالمخطط لهذا العام الدراسي، ليس التقدم لامتحان الثانوية العامة في المدارس الحكومية الفلسطينية المقدسية وفق “البجروت” الإسرائيلي، بل الخطة انتقلت إلى عملية أبعد من “كي” و“تقزيم” الوعي الفلسطيني، إلى مرحلة نطلق عليها “صهر الوعي” الجمعي، بحيث يفرض على طلبة المدارس الحكومية، تلقي المنهاج الإسرائيلي من الصف الأول الابتدائي، ولهذه الغاية مع بداية العام الدراسي ستفتتح صفوفاً للصف الأول الابتدائي للتعليم وفق المنهاج الإسرائيلي، ستفتح هذه الصفوف في مدارس صور باهر الابتدائية للبنين والابتدائية للبنات، وكذلك في قرية أم طوبا المجاورة، وستفتح هذه الصفوف في المدرستين الابتدائية بنين والابتدائية بنات، وطبعاً بيت صفافا طبق عليها النظام سابقاً.
التعليم وفق المنهاج الإسرائيلي في مدينة القدس يتقدم، والتعليم وفق المنهاج الفلسطيني يتراجع، ونحن يسجل علينا اختراقات وخسارات كثيرة وكبيرة على جبهة الوعي، فالسلطة ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية، بالقدر الذي يجب عليها أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الجانب، فهي ليست بالطرف القادر على خوض هذه المعركة مع الاحتلال، حيث إنها حتى اللحظة، لم تستطع أن تؤمن أقل من 30 مليون دولار حاجة المدارس الخاصة والأهلية السنوية التي تتلقاها من بلدية الاحتلال، لكي تستطيع إدارة أمورها وتغطية نفقاتها، وهذا التمويل المشروط سيف مسلط على رقبة تلك المدارس، سيشكل لاحقاً مدخلاً مهماً لتطبيق التعليم الإسرائيلي على تلك المدارس. ولذلك من يقود هذه المواجهة والتصدي لهذا المشروع الخطير، هم اتحاد لجان أولياء الأمور واللجان التابعة له في كل المدارس، وكذلك القوى والمؤسسات، يجب أن تلعب دوراً إلى جانبهم في المواجهة، وفي توعية الأهالي بالمخاطر المترتبة على تلقي أبنائهم مثل هذا النوع من التعليم، الذي يسهم في اغترابهم عن بلدهم وتشويه وعيهم ومفاهيمهم وتغيير توجهاتهم وقناعتهم.
بينت لن يكتفي بتطبيق المنهاج الإسرائيلي على مدارس صور باهر وأم طوبا وبيت صفافا، بل هي “بروفات” إذا ما جرى تمريرها ستنتقل إلى بقية المدارس الحكومية أولاً، يستخدم فيها سلاح المال والإغراءات وتساوق مدراء و”مفتشين”، وكذلك لجان محلية “منتفعين” وأولياء أمور طلبة، لتمرير هذا المشروع للوصول إلى الهدف بالشكل النهائي، ونكون كمن لف الحبل حول عنقه، والخسارة ستكون في هذه المعركة أخطر من أي خسارة في المعارك الأخرى، الخسارة هنا تعني بأننا لن ننجو، بل سنذهب نحو حتفنا بأيدينا.
ما رفضناه وأسقطناه من مشاريع لأسرلة التعليم في عام 1967، يجب أن لا نسمح بعودته الآن. الحالة المقدسية ليست ضعيفة كما يتوهم بينت بأنها فرصته من أجل فرض المنهاج الإسرائيلي على طلبتنا في القدس، ومن حقنا كشعب محتل، أن نستخدم تعليمنا ومنهاجنا ولغتنا وثقافتنا في التعليم.
نحن بحاجة إلى استراتيجية شمولية، تحمي التعليم في المدينة، لا تقوم على الشعارات والبيانات و”الهوبرات” الإعلامية والوعود بدون رصيد، فهذه الوعود هي تسهم في المزيد من الإحباط، وفقدان الثقة، وهي تدفع بالمزيد من المدارس المقدسية، نحو التوجه لبلدية الاحتلال لتلقي مخصصات مالية منها، ولذلك هذه الخطة أو الإستراتيجية، جوهرها يجب أن يكون إقامة أبنية مدرسة فلسطينية، وكذلك توفير ما يلزم من احتياجات مالية.