معركة الوعي (260) “السلام” الذي يريدونه!
حامد اغبارية
1)
أي “سلام” هذا الذي يريده ذلك الأحمر الأحمق؛ دونالد ترامب رئيس الويلات المتحدة الأمريكية في منطقتنا؟
أي سلام يتحدث عنه وطبولُ حربه علينا ما تزال تُقرع وتصمّ الآذان، وأطنان قذائفه تصب الموت فوق رؤوس الأبرياء، وتحولهم إلى أشلاء، وتدمر كل شيء؟!
أهو “سلام” بن غوريون الذي كان يتحدث عنه في الإعلام وعلى الملأ، بعد أن هدم وشرّد ونهب، ثم راح يعدّ للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، استكمالا لأطماع المشروع الصهيوني، مستغلا انشغال الإدارة الأمريكية بانتخابات الرئاسة وانشغال الاتحاد السوفييتي بمواجهة التمرد في هنغاريا؟!
أهو “سلام” جولدا مئير التي قالت في “المؤتمر الصهيوني” في القدس المحتلة عام 1956 إن السلام الذي لا يحظى بموافقتنا لا يمكن أن تقبله دولة إسرائيل. ليس أسهل من تحقيق السلام مع جيراننا العرب. عليهم أن يتوقفوا عن إطلاق النار علينا، فيتحقق السلام. ولكن أي سلام؟ وبأي ثمن؟ وعلى حساب مَن؟ دولة اليهود صغيرة المساحة فأي تنازلات يطلبون منها”؟
أهو “سلام” هنري كيسنجر، الذي لم يترك وسيلة لخداع العرب، ولا وهمًا إلا باعه لهم من أجل التمكين للحلم الصهيوني، من خلال التمهيد لإخراج مصر من دائرة الصراع؟!
أهو “سلام” جيمي كارتر الذي أخرج مصر نهائيا من دائرة الصراع مع المشروع الصهيوني من خلال عقد اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979؟!
أهو “سلام” فيليب حبيب، الذي أخرج منظمة التحرير وياسر عرفات من بيروت نتيجة للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982؟!
أهو “سلام” جورج بوش الأب في مؤتمر مدريد عام 1991، بعد أن شن حربه القذرة على العراق؟!
أهو “سلام” بيل كلينتون والثعلب شمعون بيرس ورفيق دربه جنرال الدم إسحق رابين الذين حاكوا خيوط اتفاقية أوسلو عام 1993، وابتزوا اعترافا رسميا مُذلّا من منظمة التحرير بالمؤسسة الإسرائيلية دون مقابل؟!
أهو “سلام” مادلين أولبرايت، وزيرة خارجية كلينتون التي دفعت إدارةُ رئيسها إلى عقد قمة (صانعي السلام)!! في “شرم الشيخ” عام 1996 برعاية أمريكية- مصرية، عقب اغتيال يحيى عياش وبدء العمليات التفجيرية ضد الأهداف الإسرائيلية في الداخل؟
أهو “سلام” كلينتون- نتنياهو الذي دفع إلى اتفاقية “واي ريفر” عام 1997، والتي ابتز فيها نتنياهو ياسر عرفات ليوافق على مبدأ “الأمن مقابل السلام”، بدلا من مبدأ “الأرض مقابل السلام”، ثم تعهد عرفات بمحاربة “الإرهاب الفلسطيني” من خلال التنسيق الأمني مع الاحتلال؟!!!
أهو “سلام” شارون- عباس الذي عقد في “شرم الشيخ” عام 2005، بهدف وقف انتفاضة الأقصى، والتي نصت على وقف العمليات ضد أهداف إسرائيلية مقابل وقف الاحتلال استهدافه للفلسطينيين؟ أليست هي تلك الاتفاقية (الهدنة) التي التزمت فيها الفصائل ولم يلتزم بها الاحتلال؟!! أليست هي الاتفاقية التي أكدت التزام سلطة رام الله برئاسة محمود عباس بالتنسيق الأمني المستمر حتى هذه اللحظة؟
أهو سلام “إيهود براك” عام 2001، الذي واصل اللعب مع كلينتون على ياسر عرفات، حين استغل جنرال الدم ما يسمى “حرب أمريكا على الإرهاب” عقب أحداث أيلول 2001، ليقوّض كل الاتفاقيات التي عقدت مع قيادة سلطة دايتون؟!
أهو “سلام” مؤتمر طابا عام 2001، الذي فشل بسبب الأطماع الإسرائيلية في المزيد من التنازلات الفلسطينية التي وصلت “قاع الدست”؟! ذلك المؤتمر الذي أعقبه هجوم إسرائيلي بالمروحيات الأمريكية على الضفة والقطاع وسفكت دماء الأبرياء بمن فيهم الأطفال؟!!
أهو “سلام” حملة السور الواقي التي شنها شارون على مخيم جنين عام 2002، والذي ارتكب فيه الاحتلال تلك المجزرة الشهيرة في المخيم؟!!
أهو “سلام” حصار كنيسة المهد الذي أعقب إعادة احتلال مدينة بيت لحم عام 2002؟!
أهو “سلام” جدار الفصل العنصري الذي بدأه شارون واستكمله من جاءوا بعده؟!
أهو “سلام” تدمير مساحات واسعة من مدينة رفح وحي السلطان تحديدا، وقتل عشرات الفلسطينيين بينهم النساء والأطفال عام 2004، في العملية التي حملت اسم “قوس قزح”؟!!
أهو “سلام” إيهود أولمرط الذي شن حرب “الرصاص المصبوب” على قطاع غزة عام 2008-2009؟!!
أهو “سلام” نتنياهو – براك اللذين شنا حرب “عمود السحاب” على قطاع غزة عام 2012؟!
أهو “سلام” حرب “الجرف الصامد” التي شنها نتنياهو على قطاع غزة عام 2014؟!
أهو “سلام” اتفاق الستين يوما بين تل أبيب وبيروت برعاية أمريكية عام 2024، ذلك الاتفاق الذي ما يزال لبنان (مع حزب الله) يلتزم به، بينما ما يزال الاحتلال يتمدد في الأرض اللبنانية ويسفك دماء اللبنانيين دون أن ينبس “المجتمع الدولي” المنافق ببنت شفة؟
ما هو السلام الذي يريده ترامب ويتغنى به على الشاشات صباح مساء؟!
إنهم لا يريدون سلاما، بل يريدون استسلاما وخنوعا دون مقابل، ويريدون تطبيعا تركع فيه الأمة على ركبتيها أمام الاحتلال.
إنهم يتحدثون عن “السلام” منذ أول طلقة أطلقتها العصابات الصهيونية عام 1948، فهل تحقق السلام؟ أم أن الذي تحقق هو تمدد الاستيطان في كل بقعة من بقاع هذه الأرض المباركة وما يزال؟
حقيقة الأمر أنهم لا يريدون سلاما، بل يريدون التأسيس لوضع تكون يد المشروع الصهيوني هي العليا، يفعل ما يشاء، ويتمدد كيف يشاء، ويسعى إلى تحقيق “مملكة إسرائيل الكبرى” كما يشاء، وبالطريقة التي يشاء، وحيث يشاء. يضرب من يشاء متى يشاء، دون أن يُسمح لأيٍّ كان أن يرفع رأسه ويقول: “لا”.
يريدون وضعا يسمع فيه العرب والمسلمون ويطيعون، لا يملكون حتى حق الاحتجاج والغضب، ناهيك عن استخدام حقهم في الدفاع عن حقهم.
يريدون منطقة مجردة من السلاح، إلا السلاح الذي تملكه تل أبيب، والسلاح الذي تبيعه أمريكا للأنظمة العربية كي تقمع به شعوبها وتحمي كراسيها وعروشها.
يريدون وضعا يكون فيه التنسيق الأمني (على أعلى المستويات) مع الاحتلال بقرة مقدسة، وتكون فيه الأنظمة العربية المطبِّعة مجموعة من الجواسيس تعمل لصالح حماية المشروع الصهيوني وأطماعه ومخططاته وأحلامه وأوهامه!
يريدون منطقة ليس فقط منزوعة السلاح، بل منزوعة الكرامة والشرف، بلا هوية وبلا انتماء. مجرد أفراد يأكلون ويشربون ويتكاثرون ويستمتعون….
فأي أحمق هذا الذي يظن أن “سلامه” الذي يتحدث عنه ويسعى إليه يمكن أن يتحقق بهذه الشروط الغبية؟
2)
إنما الحروب وسيلة (اضطرارية في أغلب الأوقات)، لتحقيق أهداف سياسية وغير سياسية. فهي ليست هدفا بحد ذاتها. وما يمكن تحقيقه بالسياسة والحيلة لا ضرورة فيه إلى استخدام القوة وشن الحروب. هذه هي القاعدة التي تعارفت عليها البشرية منذ كانت. فحتى في صيد الفرائس كان الصياد إذا وجد وسيلة للإمساك بفريسته بيديه لا يستخدم السلاح. فهو يريد الفريسة ليأكل لحمها ويطعم منه صغاره وأهل بيته.
أقول هذا بخصوص النقاش وتضارب المواقف إزاء سياسة الحكام الجدد في سوريا، والنهج الذين اختاروا السير فيه.
ولا بدّ من التأكيد والتذكير بأن الارتباط بالفكرة والمبدأ هو الأصل، وهو مقدّم على الارتباط بالأشخاص أيًّا كانوا، وأيا كان سلوكهم. فالفكرة تبقى حية والمبادئ لا تموت، بينما قد يتغير الأشخاص ويغيّرون، وقد يتمسكون بالفكرة والمبدأ وقد يسقطون. والأفكار والمبادئ قد تُحقق أهدافها بالسياسة تارة وباستخدام القوة تارة أخرى إذا اقتضت الضرورة وتوفرت الشروط والظروف والأسباب.
من أجل ذلك أنصح بعدم الاستعجال وعدم التسرع في إصدار الأحكام على نهج السياسة السورية الحالية. والحقيقة أن إصدار الحكم المتسرع لا يفيد بشيء لأنه لا يغير من الواقع شيئا، بينما الطريق الأصوب للتعامل مع المشهد الحالي هو الصبر والأناة وإحسان الظن، وعدم الوقوع في فخ التضليل الإعلامي الذي تقوده واشنطن وتل- أبيب، من خلال بث المعلومات المضللة على مدار الساعة.
لقد جاء الحكم الجديد في سوريا إلى بلد دمره النظام البائد، ويحتاج إلى سنوات وربما عقود لإصلاح ما أفسده نظام آل الأسد طوال ستة عقود. ولعلنا نعرف وندرك أن سوريا اليوم بينما تعاني من أزمات داخلية لا تخفى على مبصر، لا تملك من أسباب القوة العسكرية ما يؤهلها لما يطالبها به من يتعطشون -بصدق- إلى نهوض الأمة وخلاصها مما هي فيه. ولعلها- لهذا السبب- اتجهت إلى السياسة لتحقيق ما لا يمكن تحقيقه بالقوة. وهذا له نماذج وأمثلة كثيرة في التاريخ الإسلامي. ولعل ما قاله الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يكون قاعدة تُفهم منها الحالة: “لن أحارب الروم بدولة ممزقة الأوصال تثور فيها الفتن… أريد دولة قوية واحدة أواجه بها الروم، وعندما أجمع هذه الدولة في قبضتي أوجّه قبضتي للروم وأردهم إلى جحورهم في بيزنطة..”.
إن سوريا الشام كان لها في التاريخ شأن، وهي اليوم ذات شأن. وسيكون لها شأن. ولو لم يكن هذا حقيقيا لما سعت كل الدنيا إليها، كما سعت إلى غزة. نؤمن بهذا ونصدّقه. سواء تحقق هذا بأحمد الشرع وسياسته أو بغيرهما.



