“لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه”

د. عبد الله إدريس- عضو حركة الدعوة والإصلاح
كلّما عصفت فتنة ومصيبة في بلاد المسلمين، يردد الناس وبعض الشيوخ الحديث النبوي الصحيح الذي رواه البخاري عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: “أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ. سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.
فترى الإحباط واليأس يتسلل إلى أذهان بعض الإخوة نتيجة لسوء فهم الحديث، إذ حملوه على ظاهره؛ بل منهم من يتساءل: إذا كان هذا الحديث صحيحًا فكيف توهمون الناس بالنصر والتفاؤل والمستقبل للإسلام؟! ولكي نجيب على هذا السؤال لا بد أن نفهم معنى الحديث الشريف أولًا في نقاط:
أولًا: كأن هذا الأخ الكريم الذي يسأل في هذا العصر الذي ضعفت فيه الأمة، نسي أن الله جل جلاله بشرنا بمبعث سيدنا المهدي المنتظر ونبي الله عيسى عليه السلام اللذين يقضيان على الظلم وينشران الإسلام. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَما فِيهَا”، بل جاء في حديث آخر أنه يحكم بشريعة القرآن الكريم.
وربما نسي السائل مبعث سيدنا المهدي الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: “لو لم يبقَ منَ الدُّنيا إلَّا يومٌ لطوَّلَ اللَّهُ ذلِكَ اليومَ حتَّى يَبعثَ فيهِ رجلًا منِّي – أو من أَهْلِ بيتي – يواطئُ اسمُهُ اسمي ، واسمُ أبيهِ اسمُ أبي يملأُ الأرضَ قِسطًا وعدلًا، كما ملئت ظُلمًا وجَورًا. وفي لفظٍ لا تذهبُ -أو لا تَنقضي- الدُّنيا حتَّى يملِكَ العربَ رجلٌ من أَهْلِ بيتي، يواطئُ اسمُهُ اسمي”، ترى، أليس زمان هؤلاء أفضل مما قبله، فكيف سيكون كل زمان أشرَّ من الذي قبله؟!
ومن هنا، نحذّر من نشر آية قرآنية أو حديث نبوي دون بيان معناه الصحيح، وإلا هُدم الإسلام في أفئدة الأنام نتيجة سوء الأفهام.
ثانيًا: لم يفهم العلماء رحمهم الله تعالى الحديث على الإطلاق لكل زمان، فهذا الحجاج بن يوسف كان زمانه زمان شر على الأمة، فقتل الصحابة والعلماء، وفي آثار وردت أنه قصف الكعبة، فقد جاء بعده زمان عمر بن عبد العزيز الذي لقب بخامس الخلفاء الراشدين فكان زمان خير.
ولذلك، فقد بين الإمام ابن حبان، ونقل الإمام ابن حجر عن بعض المفسرين بأن المراد هو أزمنة الصحابة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطبهم فقال: “اصبروا فلا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه”، أي ما من زمن يمر عليكم يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، إلا ويكون شرًا من الذي قبله حتى تلقوا ربكم، أي حتى يموت آخركم.
وإن التاريخ ليشهد بأزمنة الخير بعد شر كبير، وحسبك في ذلك بعد سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد، فقد جاء القرن الثامن الهجري حافلًا بالعلماء والمجددين كأمثال ابن تيمية وابن القيم في بلاد الشام، والشاطبي في الأندلس، وابن خلدون في المغرب، وجمعهم الإمام ابن حجر في كتاب قيم، وهو (الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة).
وهذا شعبنا الفلسطيني الذي عاش زمن الشر عام 1948 بالاحتلال، وازداد الشر بعد ذلك بالحكم العسكري الظالم حتى عام 1967، ثم عاش أزمنة الشر بالانتفاضة الأولى عام 1987، وعاش مجزرة الأقصى يوم 8/10/1990 وعاش الانتفاضة الثانية يوم 1/10/2000. وبعد أزمنة الألم والقتل هذه، فلن يكون إلا زمان خير وعزة آت بإذن الله، وذلك بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بشر بنزول الخلافة الإسلامية في بيت المقدس، ونحن على موعد مع زمن الخير الذي يفتح فيه المسجد الأقصى من جديد وزوال الظلم عن بلادنا بإذن الله.
ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبًا إن شاء الله. فأبشروا.


