معركة الوعي (258) هذا هو حليفكم من الأمس فكيف حالكم غدًا؟!
غزة: القصة لم تنته بعد؛ وشيء عن أوهام القطيع
حامد اغبارية
1)
(أنا الآن بالقرب من بلدة عومر- وجِّهي الكاميرا إلى البلدة- وخلفي هنا البلدة البدوية – تل السبع، وهناك أم بطين. إن دولة إسرائيل تُقيم هنا، عن سابق معرفة، دولة فلسطينية في النقب، بجوار بئر السبع، بجوار عومر، بجوار ميتار، بجوار لهافيم. هذا أمر لا يُصدق. لقد استسلموا. يوجد هنا تعدد زوجات بلا حدود – البدو يتزوجون ثلاث فلسطينيات من الخليل، والأطفال فلسطينيون، والفكر فلسطيني. ترون هنا المزيد والمزيد من الأسلمة من الجهة المقابلة.
في الماضي كان البدو علمانيين، وكانوا يخدمون في الجيش الإسرائيلي بأعداد كبيرة، واليوم فقط 4%. وكأن الدولة استسلمت، لا توجد سيادة. حوادث طرق، قيادة مجنونة، ابتزاز (خاوة).
يجب علينا وضع حدّ لهذا. يجب أن نعيد السيادة إلى النقب. دولة إسرائيل تحتاج إلى إدارة، ونحن سنفعل ذلك).
هذه القاذورات وردت يوم الاثنين على لسان نفطالي بنط، رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، وهي موجّهة- بطبيعة الحال- إلى الجمهور الإسرائيلي، لكنها تعنينا- نحن فلسطينيي الداخل- أكثر!
ننقل هذه “اللوحة” العنصرية “الجميلة” بـألوانها الفاشية شديدة الوضوح إلى أهلنا في النقب بشكل خاصّ. ننقلها إليهم فلربما يستوعبون الحقيقة ويحذرون من الوقوع في فخ الصناديق أو بتعبير أدق: في عش الأفاعي، وهم الذين يعرفون أن عشرات آلاف الأصوات قد جرفها بنط جرفًا من النقب المحروم من كل شيء. وظنّي أن أهلنا في النقب يملكون من الفطنة ما يجعلهم يعاقبون هذا العنصري وأمثاله بما يستحقون وكما يجب، من خلال مقاطعة الانتخابات التي ما جرّت عليهم وعلينا سوى الويلات.
كما نرسلها “معطرة” بكل “روائح الكراهية والاستعلاء والعجرفة والاستكبار” إلى الذي دخلوا المستنقع بإرادتهم يوم ائتلفوا معه قبل بضع سنين، على اعتبار أنّه “ميلخ مشيّح” الذي سيجلب لنا البركة في الزرع والضرع والنسل والدخل، ويحقق لنا الرفاهية التي ستجعلنا نستغني عن المطالبة بتصحيح الاعوجاج ورفع الظلم الواقع علينا، سواء كان ظلما تاريخيا أو ظلما يوميا يقع علينا كنتيجة لذلك الظلم التاريخي. نرسلها إليهم لعلّهم يفيقون، ولا نظنهم يفعلون، ولعلهم يستوعبون، ولا نظنهم يملكون القدرة على الاستيعاب، ولعلهم يتفكرون، ولا نظنهم يستطيعون، ولعلهم يرجعون، ولا نظنهم يملكون الإرادة كي يفعلوا. فقد ائتلفوا معه رغم أنه صرّح متفاخرا (عام 2015) بأنه قتل الكثيرين من العرب، وأنه نادم لأنه لم يقتل أكثر.
وقد ائتلفوا معه رغم أنه سبق وقال قبل ذلك: “من الجنون والخطورة الائتلاف مع القائمة الموحدة، فهذا يمنح شرعية لحركة الإخوان المسلمين، وأنا لن أتعاون مع الإخوان- فرع إسرائيل. القضية قضية مخصصات. يعني تحويل أموال للذين لا نريد أن نعطيهم أموالا- الحركة الإسلامية”.
وقد ائتلفوا معه رغم قوله: “المشكلة ليست في التقاط رئيس الحكومة صورة بالخطأ مع قاتل، وإنما في أنه تحالف- عن سبق عمد- مع منصور عباس وحزب الموحدة الذي يدعم المخربين والقتلة”.
2)
قد يقول قائل: هذه تصريحات تقف خلفها أهداف انتخابية. وهذا قد يكون صحيحا. فقد سبق له وصرح بأشياء وعمل عكسها تماما. ولكن.. لماذا نحن- فلسطينيي الداخل- نشكل دائما “الملطشة” التي يحصدون بها أصوات الناخبين؟!! إنها العنصرية والكراهية التي أُشرب بها الشارع الإسرائيلي طوال عقود. فكراهية الفلسطيني والعربي والمسلم وصْفةٌ مؤكدة وناجحة للحصول على المزيد من أصوات القطيع.
والسؤال الأكبر والأهم: هل هي مجرد مسألة حصد أصوات أم هي الإيديولوجيا التي تحرّكهم؟
إن الحديث عن أسلمة النقب، وعن تعدد الزوجات، وعن الزواج من فلسطينيات من الخليل تقف خلفه عقيدة متأصلة في عقول الإسرائيليين.
لذلك نريد أن نرى ونسمع ما سيقوله حلفاء الأمس. ما هو موقفهم من هذه التصريحات الخطيرة التي تحمل تهديدا مبطنا؟ هل سيتجاوزون عنها ويقفزون إلى المستنقع مرة أخرى، أم أنهم….؟!
3)
بدأت الطنطنة المزعجة تتصدر المشهد حول الانتخابات القادمة. والحديث عن “استطلاعات رأي” تقول إن الأحزاب العربية ستحصل على 15 مقعدا في سنهدرين المشروع الصهيوني إذا ما توحدت وخاضت الانتخابات في قائمة واحدة، وبذلك تتحول إلى القوة الثالثة!!!
وكأننا نعود إلى أجواء 2015، دون أن نتعلم الدرس. وكأن القطيع لم ير الذئب ينهش لحمه.
فقد حققت المشتركة يومها 13 مقعدا، فماذا حققت على أرض الواقع؟!! وفي انتخابات شباط 2020 حققت 15 عضوا، فماذا أنجزت على أرض الواقع؟!
إن الذين يعبرون عن فرحهم من نتائج هذه الاستطلاعات، ويستعدون للاحتفال والرقص أشبه ما يكونون بمشجعي كرة القدم. يدخل فريقهم أرض الملعب (يحدوه الأمل بالفوز…!!)، ثم تمضي الدقائق الأولى فيحرز فريقهم هدفا، فتضج المدرجات بالزعيق وصرخات الفرح والرقص والتزمير وخلع القمصان… ثم بعد ذلك يفاجأ الجمهور بأنه رقص مبكرا، وفرح دون فائدة. ففي نهاية اللعبة خسر فريقه المباراة وعاد يجرجر أذيال الخيبة.
إنها حياة القطيع!!
4)
لم تنته القصة ولن تنتهي. إنها جولة واحدة من جولات كثيرة، كلما توقفت واحدة أطلت أخرى برأسها، لأنّ الحمقى لا يتوقفون عن الحفر والنبش في كل مكان، يستفزّون الأرض ومَن عليها على أسوأ ما يكون الاستفزاز منذ خلق الله الأرض ومن عليها.
إنها قصّة صراع متواصل، لن ينتهي حتى يُحسم نهائيا، فإما إلى هنا وإما إلى هنا…
سيواصل الحمقى الضرب والرّكل يمنة ويسرة، تارة في غزة وتارة في الضفة الغربية، وأخرى في لبنان، ورابعة في سوريا، وخامسة في اليمن، وسادسة وسابعة وثامنة، وسيطمئن هؤلاء إلى أن الأمور في دانت لهم، ولن يستطيع أحد أن يحول بينهم وبين ما يسعون إليه. لكنهم لا يعلمون أنه “رُبّ امرئ حتفه فيما تمناه”. فلا أحد يعرف كيف يجري القدر، وإلى أين، وماذا يخبئ!
5)
منذ بدء تنفيذ ما يسمونه “خطة ترامب” في غزة بدأنا نسمع من حولنا همسات قلقة عما آلت إليه الأمور. همسات تحمل خوفا وتعبر عن الشعور بأزمة وغضب وتساؤلات ومستقبل يبدو غامضا.
وهذا طبيعي في الحسابات المادية وفي ظاهر الأمر.
تسمع من يقول: غزة لن تعود كما كانت، وستدخلها كل متردية ونطيحة.
بالتأكيد.. غزة لم تعد كما كانت، ولن تعود كما كانت، لكن أحدنا لا يدري ما يخبئه القدر، ولماذا حدث ما حدث بالشكل الذي نرى ونعاين، وكيف حدث، ونتائج ما حدث مما تراه العين وتسمعه الأذن؟
ومن قال إن غزة يجب أن تعود كما كانت حتى تطمئن القلوب؟!
إن ما تعرضت له غزة وما تتعرض له إنما هو مرحلة ما قبل المرحلة.
وما بعد ذلك فيه بشرى وخير.
نعم، سيكون هناك ألم ووجع، في غزة وفي الضفة وفي لبنان وفي سوريا وفي أماكن أخرى كذلك، لكنه وجع له نهاية وخاتمته شفاء تامّ.
إن ما تراه العين اليوم إنما هو تمهيد لما هو قادم. وغزة حكاية لا تنتهي، وأرض الشام قصة مليئة بالمفاجآت.
6)
سيواصل الاحتلال الضغط من أجل ضم الضفة الغربية والسيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزة، وسيجد من أجل ذلك ظهيرا وحبلا من الناس غربا وشرقا، حتى تأتي لحظة ينهار فيها كلُّ ما مضى كأنه لم يكُن، وسيعود الأمر كما بدأ أول مرة…
ربما يفاجأ العالم المنافق بأن الشعب الفلسطيني، الذي قبلت حفنة مأزومة من قياداته بدولة وهميّة، نفض عن نفسه كل هذا وحوّله إلى مجرد ذكرى مؤلمة، وعاد بالقصّة إلى أصلها. عندها سيكون للصراع شكل آخر.



