النسويات، والمؤهلات، المتابعة، والانتخابات

توفيق محمد
لماذا تصر الجمعيات النسوية على ترسيخ وهم دونية المرأة، وقصورها، وتبعيتها، وتأخرها عن الرجل في المفاهيم والنشاط والهمة والعلم والعمل؟ هل لذلك علاقة بصناديق التمويل والدعم الني تسعى إلى تسليع المرأة الشرقية عبر بث الأوهام بدونيتها وتحريضها على افتعال الصراع مع الرجل للحصول على المساواة المطلقة، وبالتالي فتح مسألة الأخلاق والقيم ضمن منظومة هذا الصراع المختلق الذي يسعى لجعل الرجل والمرأة متنافسين أو متصارعين دائمين بدل أن يكونا متكاملين في كل شؤون الحياة .
قرأت مقالة للكاتبة المصرية رابعة الختام في موقع العرب البريطاني تحت عنوان “أكذوبة المجتمع الذكوري” جاء فيه: “… تغيير جذري في كافة مناحي الحياة وتحويل دفة الأحداث الخطيرة والمهمة، تلك النظرة التي تصور المرأة على أنها كائن مستضعف ومستباح.
أراها من وجهة نظري أكذوبة كبيرة أشبه بفقاعة صابون خلقتها المرأة نفسها وعاشت بداخلها تنعى حظها العاثر وتلعب دور الضحية ببراعة تستحق الأوسكار، وتبكي وضعها الذي تصفه بالمزري أحيانًا، ربت الرجل على أنه الأقوى وأنها مكسورة الجناح”.
في الواقع أتيت بالمقدمة أعلاه على خلفية ما شهدته الساحة الإعلامية مؤخرا في أعقاب البيان الذي أصدرته لجنة المتابعة العليا بشأن انتخاب رئيس لجنة المتابعة العليا، والذي ذكرت فيه أسماء أعضاء لجنة الانتخابات، ونشرته عبر وسائل الإعلام جميعها، وفجأة أطلت علينا بعض الناشطات النسويات، وبعض وسائل الإعلام، تتحدث وكأنها كشفت مخططا سريا للجنة المتابعة مخفيا عن الجمهور بتعيين سبعة رجال كأعضاء لجنة الانتخابات، وكأن الأمر لم يُنشر على الملأ العام، وتبدأ جوقة النسويات اجترار مصطلحات “الذكورية” و “العدالة الجندرية” و”الذهنية الأبوية” وغير ذلك من اقحام المفاهيم والقيم المعادية أصلا لقيم شعبنا وأصالته لقضية لا تعدو أن تكون قضية تقنية لا غير، وهي تعيين لجنة لإدارة عملية انتخاب رئيس لجنة المتابعة العليا، وعلى فكرة فإن عدد الناخبين فيها هو 71 شخصا، أي أن كل القضية لا تستحق مثل هذه الضجة المُفتعلة والمدفوعة بمفاهيم وقيم غربية وغريبة عن أصالة ونقاوة ونظافة شعبنا، تفرضها قيم الداعمين على القابضين.
وعلى هذه الخلفية أصدرت “جمعية نساء ضد العنف” بيانا جاء فيه: “منذ عام 2006، خضنا في جمعية نساء ضد العنف، بالتعاون مع ائتلاف الجمعيات النسوية، مسارًا شاقًا استمر خمس سنوات لإدخال تعديل على دستور لجنة المتابعة، نصّ على رفع تمثيل الأحزاب والحركات الوطنية من عضو واحد إلى عضوين، على أن تكون إحداهما امرأة.
ورغم أن التعديل أُقرّ رسميًا، إلا أنّ الحركة الإسلامية الشمالية كانت الجهة الوحيدة التي عارضت حينها إدراج بند إلزام تمثيل النساء -وهو موقف يعكس عمق الذهنية الأبوية التي ما زالت تتحكم في مؤسساتنا الوطنية حتى اليوم. لكن الأخطر من الرفض هو التجاهل؛ فحتى بعد إقرار التعديل، لم يُنفَّذ القرار فعليًا”.
وفي الحقيقة هذا الكلام غير صحيح بتاتا، وأنا لا أريد أن أرد عليه بكلام من عندي، بل من دستور لجنة المتابعة نفسها، حيث جاء في دستور لجنة المتابعة بعد إدراج قائمة ممثلي مكونات لجنة المتابعة ما يلي حرفيا: “تحرص الأحزاب والحركات السياسية على التمثيل النسائي في المجلس المركزي للجنة المتابعة العليا، بحيث يتم ذلك في إطار العدد الثابت لكل حزب أو حركة سياسية، بحيث تُمثل المرأة من كل حزب وحركة سياسية وفقا لقرارها”.
هذا الكلام المنقول حرفيا من دستور لجنة المتابعة العليا ينافي تماما ما جاء في بيان “جمعية نساء ضد العنف” فلماذا يتم بث هذا الكلام غير الصحيح من قِبل هذه الجمعية في بيانها، وعلى ألسنة متحدثاتها في وسائل الإعلام في العديد من اللقاءات الإذاعية، ولماذا لم تكلف الإذاعة المعنية نفسها والتي تتباهى “بالكشف”!! عن الموضوع نفسها عناء قراءة دستور المتابعة الذي لا يحتاج إلى أكثر من ربع ساعة لتواجه هذا الترويج غير الصحيح بسؤال: ولكن دستور المتابعة يقول كذا وكذا.
ثم فإن اختيار الممثلين في اللجان المختلفة سواء هذه اللجنة، أو غيرها متروك لمركبات لجنة المتابعة، وكل مركب يختار مندوبيه في كافة اللجان وفق قراره المستقل، وقد أكد ذلك رئيس لجنة المتابعة السيد محمد بركة في بيانه يوم الإثنين الأخير، كما وأكد أن مسألة ضمان تمثيل صارم للنساء في المتابعة (الكوتة) لم تقرها المتابعة، وقد جاء في بيان السيد بركة ما يلي: “لجنة الانتخابات المذكورة أعلاه، تتألف من سبعة أعضاء، يمثل كل منهم أحد مركبات لجنة المتابعة، وسيشارك في عضويتها للمرة الأولى، مندوب عن المنتدى الحقوقي، وهو سيكون من مركز عدالة، وذلك من باب تدعيم الشفافية والنزاهة.
بمعنى أن سبعة من مركبات المتابعة اختارت من يمثلها في اللجنة، المختصة بإدارة عملية الانتخاب تقنيا. بعد نشر قائمة أسماء لجنة الانتخابات جرى انتقاد عدم وجود نساء في هذه اللجنة، وغياب ممثل أو أكثر من النقب. برأيي الشخصي، هذا الانتقاد محقّ وفي محلّه وعلى المركبات التي تقيم وزنا لهذا الانتقاد، أن تعمل على تصحيحه، وهذا بالإمكان. لقد كان موضوع ضمان صارم للتمثيل النسائي موضع نقاش واسع وغير سهل، عندما جرى بناء النظام الداخلي قبل أكثر من 15 عاما، وجرى حينها التوافق على أن الأمر متروك للمركبات التي ترى في الموضوع قضية مبدئية”.
فأين القرار الذي تدعيه “جمعية نساء ضد العنف” والذي قالت فيه: “ورغم أن التعديل أُقرّ رسميًا، إلا أنّ الحركة الإسلامية الشمالية كانت الجهة الوحيدة التي عارضت حينها إدراج بند إلزام تمثيل النساء -وهو موقف يعكس عمق الذهنية الأبوية التي ما زالت تتحكم في مؤسساتنا الوطنية حتى اليوم”. أليس تحميل لجنة المتابعة ما لم تُقرّ، والترويج له في اللقاءات الإذاعية هو العنف بعينه من قِبل لجنة تصف نفسها أنها ضد العنف.
وأجدني مضطرا أن أذكر “بيان” السيد أمجد شبيطة سكرتير الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة الذي عمَّمه على وسائل الإعلام والذي جاء فيه: “نقترح على الإخوة في المركبات إعادة النظر بشأن تركيبة لجنة الانتخابات وتوسيعها من 7 الى 11 عضوا لضمان تمثيل لائق للنساء ولكافة مركبات مجتمعنا بما فيها النقب الذي يواجه أبشع المخططات الإقتلاعية. النساء كنَّ وما زلن وسيبقين رافدا أساسيا بنضالنا السياسي الاجتماعي والقومي نحو المساواة والعدالة”.
وهذا “البيان” لم يكن سوى رسالة داخلية في مجموعات المتابعة، وكان ينبغي أن يبقى كذلك، ولأنه كذلك فسأحتفظ بردي على السيد أمجد – وكان على الخاص، وليس في مجموعة المتابعة حتى لا أحرجه في تلك المجموعة، ومن باب أولى لن أفعل ذلك في الإعلام أيضا، لا نشرا لردي عليه ولا لرده عليَّ، فالاحترام الشخصي بيننا موفور، ولكنني أعي جيدا لماذا أقدم السيد أمجد شبيطة على ذلك، فقد أراد ان يسترضي جمهور الجمعيات النسائية وخاصة أن كثيرا منها يدور في فلك الجبهة، بل وتشكل كثير منها قاعدة انتخابية لها -على الأقل- بل وإدارية في مناشط أخرى لها.
أما المسألة الثانية والتي ذكرها بيان الجمعية أعلاه فقوله “إن الحركة الإسلامية الشمالية كانت الوحيدة التي عارضت حينها إدراج بند الزام تمثيل النساء وهو موقف يعكس عمق الذهنية الأبوية التي ما زالت تتحكم في مؤسساتنا الوطنية حتى اليوم”.
في الواقع فإن الحركة الإسلامية التي يعنيها بيان “جمعية نساء ضد العنف” هي محظورة الآن، ولا يوجد من يرد على الاتهام أعلاه، ولكن أستطيع أن أوكد أنها لم تكن الوحيدة التي عارضت مبدأ “الكوتة” الذي ينادي به بيان الجمعية أعلاه، وأنا أعتقد أن مبدا “الكوتة” يستهين بالمرأة وقدراتها العقلية والذهنية والسياسية، ولذلك يسعى لفرض هذا التمثيل عنوة، لا لقدرات ومواهب إنما لأنوثة المرأة فحسب، وفي هذا تناقض واضح وكبير حتى مع ما تنادي به النسويات من مفاهيم “الجندرية” الممجوجة، والمستقبحة، والهجينة على شعبنا بكل انتماءاته الدينية، فوفق ذاك المفهوم فإن النوع الاجتماعي الذي وُلد عليه المولود- ذكرا كان أو أنثى وفق مفهومهم- هو من يفرض ذاته، فلماذا يردن هنا فرض مفاهيمهن، أو مفاهيم الدافعين على مجتمعنا.
بودي في هذه العجالة أن أنقل بعضا من بحث تحت عنوان: “المقاصد الأخلاقية في الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة” للباحثة المبدعة منة الله خالد علي -قسم أصول الفقه- كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات -جامعة الازهر- القاهرة والذي جاء فيه: “… وفي هذا ما يجعلنا نرى كيف حرص الإسلام على المرأة حرصه على الرجل، في الخطاب والتكليف، في عالمي الغيب والشهادة، دون أن يكون لأي منهما ميزة على الآخر، وهذا يدعو المرأة لتكون عضوا فاعلا، وخليفة معمرا في هذا الكون، لا تركن الى الكسل والجهل، والراحة مع ترك أعباء وواجبات الدنيا والدين بحجة الأنوثة، مما يضمن إنشاء نساء فاعلات في مجتمعاتهن، جهودهن مصروفة للخير والبناء، بدل تبديدها في الدعة والكسل، والفراغ”.
وأنا أضيف بدل تبديدها في المطالبة بضمان أماكنهن في اللجان والمواقع، بل عليهن كما على الرجل شغل أي موقع وفق الكفاءة والقدرة وهي موجودة حقيقة، يعترف بها الجميع ما عدا الجمعيات المعنية والنسويات اللاتي يردن انتزاع الكفاءة والقدرات والمؤهلات من النساء عبر فرضهن لأنهن نساء فقط وليس لأنهن ذوات قدرة وكفاءة.
أما مسائل: “المشهد الذكوري” و ” الذهنية الأبوية” التي ما دمر مجتمعنا سوى غيابها عنه مؤخرا و “العدالة الجندرية” و… فستكون لنا معها وقفات لاحقا.



