أخبار وتقاريردين ودنيامقالاتومضات

الإعلامُ الرصينُ والفتحُ المُبين.. تأملاتٌ في سورة الفتح

مارية محاجنة

في الأحداثِ التي نحياها في هذه الأيام المصيريّة، من واقع أُمتنا عامةً، وشَعبنا خاصةً، أصبح دورُ الإعلاميّ النبيل، والواجب الملقى على عاتقه مهمة تنوءُ بحملها الجبال، فقد أُحيلت إليه أمانةَ رصدِ المشهد، والحدث، وحيثُما وُجد قول ربنا عز وجل: “إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مبينا”، أسقطناها على الدور الإعلامي: في التعبئة الإيمانية، والمعنوية والفكرية، ودوره في رصد الأحداث المُتلاحقة على الصعيد المحليّ والدوليّ.

فنقول أحيانا: “فتح الله لك “، ونُريد بها فتح الله لك من واسع فضله، وَعظيم منّه، ونقصدُ في كثيرٍ منها الجانبَ العلميّ أو الايمانيّ أو المعرفيّ، فمن خلالِ الطّرح الاعلاميّ الرصين يفتح الله لعباده من خيريّ الدنيا والآخرة كالمعرفةِ، والتعبئةِ الايمانيةِ، والمعنوية، والفكريّة، لحمل لواء العزة والمنهج الحق.

وأمَّا عن قولِ ربنا عز وجل: “هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوٓاْ إِيمَٰنًا مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ”ـ

وأريد بالسَكينَةِ: خطابُ التثبيت في بث الطمأنينة، وتنميّة الذوق الوجدانيّ في قلوب المؤمنين، ممّا يُشكّل الإعلام عبر منصاته وسيلة من وسائل التثبيت لا التخذيل.

وأمَّا عن وعيد ربنا عز وجل للمنافقين والمنافقات أصحاب الأخبار الكاذبة، وبث الاشاعات فقد توعدهم ربنا بقوله: “وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا”.

اذا، إنّ أصحاب الإشاعات والأخبار المثّبطة، الذين يبثون أجواء من الفلتانِ الأمنيّ وحالاتٍ من الرُعبِ والذُعرِ بين الناس هم المنافقون، والمرجفون، الظانين بالله عز وجل ظنَّ السوء.

غير أنَّ دليل الإعلاميّ الأقوى، وقائده الأسمى، وضّحه قول الله تعالى للإعلامي الأول محمد عليه السلام بقوله: “إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا”.

وفي هذه الآية خطاب لأتباع النبيّ “الشاهد المُبشر النَذير”، صلى الله عليه وسلم، وهم يَتلقون عنه سَمته علموا أنّ الجهد الاعلاميّ بين شاهدٍ ومُبشر ونذير.

اذن لدينا أركان أساسية ثلاثة وضعتها هذه الآية، بحيث إذا أسقطتها على خطاب أو طرحٍ أسَّست لجعله خطابا تامَّا نافعًا، موضوعيّا ومتوازنًا، حَيث الشهادة، والانذار، والتبشير، ويمكن أن نجعلها تحت عنوان المنظومة القيمية في الاعلام وفق منهج الاسلام.

فالشهادةُ، وهي المصادرُ الموثوقة، التحقّق، والتثبّت، واقتران المُبشر والنذير معًا، في سياقٍ واحد يُدلّل على أهميةِ التوازنِ في الطرح، التوازن في نقلِ الصورةِ، التوازن في استحضارِ المشهد، التوازن في استعراض الحدث بحجمه الفعليّ الحقيقيّ.

والمصداقيةُ في الإعلامِ تعتمد على منظومةٍ قيميّة منها: الوفاءُ بالعهدِ، واحتساب الأجر والثواب من الله أولا، إذ أنّ الإعلامي النبيل وفيّ صاحب رسالة ومصداقيّة فلا ينهج اساليب الاستعراض، والمبالغات والتهويل، او الاجتزاء في السياقات المتعددة ،وفق ايديولوجيته أو فكرته المُسبقة.

ثمّ تُختتم السورةُ بِتذكيرك بعالميّةِ رسالتكَ، وعظمةِ مهمتك فقد أنيطت بكَ مهمةُ المُرسلين: “هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُون”.

ختاما: مهمةُ رجلُ الإعلامِ تجاه دينه، مجتمعه، شعبه، وأمته أن يعملَ ليُظهر الحقَ والحقيقةَ المُتمثلةَ في قوله تعالى: “لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ”. والله غالبٌ على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى