أخبار وتقاريرمحلياتمقالاتومضات

“المدينة” كصاحبة رسالة ومسؤولية

توفيق محمد

أنا أؤمن أنّ من حق الجمهور أن يعرف، وهذه قاعدة معروفة في الإعلام يلجأ إليها الصحافيون دائما عندما يرغبون بالكشف عن قضية معينة ربما تعتبر إشكالية لدى البعض، فيبرر هؤلاء الإعلاميون نشرهم بأن من حق الجمهور أن يعرف.

وأنا اؤمن أيضا، أن من حق الجمهور أن يُحترم في دينه، وفي خلقه، وفي سمعه، وفي بصره، وفي عاداته وتقاليده، وما دام الأمر كذلك فمن حقه أن لا يعرف أيضا، لأن النشر عن كل ما نعرف سيضر بالضرورة بمن لا يريد أن يعرف، ويسيء إليه.

على هذا النهج سارت صحيفة المدينة منذ عرفتها، لأنه ليس كل ما يُعرف يقال ويُكتب عنه، فهناك أعراض، وهيئات، وشخصيات، وعائلات، ومؤسسات، ومجتمع يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لدى الكتابة والنشر، ويجب أن يتحلى الصحفي والإعلامي بالمسؤولية ليس فقط عن صحة المعلومة التي ينشرها -فهذا معلوم ضمنيا- إنما يجب أن يتحلى بالمسؤولية عن الكلمة التي يكتبها، تضر أم تنفع حتى ولو كانت صحيحة، وحتى تكون كذلك في وسط إعلامي يسعى الى السبق الصحفي ويسيل لعابه إلى نشر “المعلومة” أولًا، فإن الأمر ليس سهلا، وهو بحاجة إلى إعلاميين ذوي حس أدبي ووطني وديني راقٍ وعالٍ يقدم مصلحة الجمهور والمجتمع على أي مصلحة أخرى، حتى وإن كانت تلك المصلحة هي أن تكون أولًا، وهو ما يسعى إليه كل صحفي وصحيفة ووسيلة إعلام أيا كانت.

يوم عملت محررا في صحيفة المدينة كانت القاعدة أعلاه شعارا ونهجا، ولذلك كم من القضايا التي غضضنا الطرف عنها، لأن النشر عنها كان يسيء الى آخرين، وما تزال هذه القاعدة وفق حدسي شعارا تقتفي المدينة ومحرروها أثرها إلى الآن، غير أن الظرف الذي يعملون به الآن غير الظرف الذي عملنا به في سابق عهد، فيوم أن كنا، لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد وُلدت بعد، فكان محرر الصحيفة والمحررون فيها هم حراس البوابة -حراس المعلومة- وبإمكانهم أن يحترموا القارئ، سمعه وبصره وعقله، فلا ينشرون ما قد يسيء إليه، ويحسنون انتقاء أطايب ما يُنشر وكيف يُنشر، ولست أقصد أنهم كانوا يتغاضون عمّا يجب ان يُكتب عنه من باب النقد والتحذير، بل كانوا يفعلون، أما اليوم فللأسف لا باب هناك ولا بواب، فقد أصبحت المعلومة متاحة وتصل مكتوبة ومسموعة ومُشاهدة ساعة وقوع الحدث، ودون التوثق والتأكد والتأكيد وتقاطع المعلومات، إنما أصبح توفر المعلومة الخام ونشرها متاحا بشكل لم يسبق له مثيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولذلك فإن المبدئيين من العاملين في الحقل الإعلامي -وأحسب الزملاء في صحيفة المدينة منهم- أصبحوا يواجهون واقعا مأزوما ومتعبا فمن ناحية هم ملتزمون بآداب المهنة والآداب العامة التي يفرضها عليهم حسهم الديني والوطني، ومن ناحية أخرى أصبح كل واحد ممن يمسكون بهاتف خلوي صحافيا وله صفحة أو صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ينشر فيها ما يشاء ومتى يشاء وكيفما يشاء دون حسيب أو رقيب من آداب المهنة المعلومة، فهو ليس من أبناء المهنة -الصحافة- أصلا ولذلك هو متحرر من آدابها، وهو يرى نفسه المصلح الأعلم الذي يجب أن يصلح هذا الكون بعدسة هاتفه الجوال.

ومن هنا تأتي أهمية صحيفة المدينة كغيرها من الصحافة الورقية التي تحرص على المعلومة الموثوقة الصادقة الصحيحة أولا، ومن ثم المعلومة المسؤولة تجاه المجتمع، هذا أولا، أما ثانيا فإن الصحافة الورقية لا شك أنها طورت نفسها سيرا مع الواقع الإعلامي الجديد فأصبحت تهتم بتوسيع مساحة المقالات التحليلية والتوجيهية على حساب المساحة الإخبارية التي أصبحت مناليتها متاحة عبر الكثير من الوسائل الاعلامية المتوفرة، ولذلك بتنا نرى في صحيفة المدينة أسبوعيا العديد من المقالات الاسبوعية الغنية والثرية في التوجيهات السياسية والدينية والوطنية والأدبية التي تعمل على بناء الوعي الديني والوطني والسياسي والاجتماعي، والمحافظة على الهوية الجماعية لأبناء شبعنا في أبعادها الوطنية والقومية والدينية، وعلى قيمهم وثوابتهم التي تعمل العشرات من العناوين عبر مسميات مختلفة لتوهينها ومن ثم القضاء عليها وهدمها، ولا شك أن مهمة المدينة في العمل على تمتين أواصر المجتمع وبناء جدار واق يحميه من ضياع الهوية والثوابت والمسلمات الدينية والوطنية عمل شاق وصعب في ظرف صعب وواقع مركب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى