عندما يبكي الرجال
د. نواعم شبلي
يقال إنّ دموع الرجال نادرة، وإنها لا تنزل إلا حين تتصدّع جدران الصبر في داخلهم. ولكن، هل البكاء ضعف؟ أم هو لحظة صدقٍ إنسانيّ يعلن فيها القلب أنه لم يعد يحتمل أكثر؟
عندما يبكي الرجل، لا يبكي لعجزٍ ولا لانهزام، بل لأنّ الألم تجاوز حدود الصمت. يبكي لأنه خسر ما لا يُعوّض، أو رأى ما لا يُطاق، أو لأنه تاه بين وجعٍ وكبرياء لا يسمح له بالبوح. خلف تلك الدموع تختبئ قصة طويلة من الاحتمال والرجولة، وحين تفيض العيون، تكون الروح قد أنهكتها المعارك الداخلية.
كم من رجلٍ جلس في عتمة الليل يخفي وجهه عن العالم، يحاول أن يستعيد قوّته في صمتٍ شريف! وكم من أبٍ بكى في سره خوفًا على أولاده، أو زوجٍ بكى خيبةً من زمنٍ قاسٍ لا يرحم القلوب!
إنّ بكاء الرجل ليس علامةَ ضعف، بل شهادةُ صدقٍ على إنسانيته، ودليل على أن قلبه ما زال نابضًا بالرحمة والوفاء.
في مجتمعٍ اعتاد أن يُكفّن الرجال بالصبر، أصبح البكاء تهمة، والدمعة فضيحة. لكنّ الحقيقة أن الدموع لا تُفرّق بين رجلٍ وامرأة، فكلنا بشر، وكلنا نُكسر، ونحتاج لحظة انكسار كي نُرمّم أنفسنا بعدها من جديد.
عندما يبكي الرجال، تزهر الأرض بصدقهم، وتتعلم الدنيا أن القوة ليست في الجفاء، بل في القدرة على الاعتراف بالألم دون أن يفقدوا اتزانهم. فدموع الرجال، إن نزلت، لا تُطفئ رجولتهم… بل تغسلها من غبار القسوة.


