أخبار عاجلةأدب ولغةومضات

العربيّة لغتنا

د. رضا اغبارية- رئيس مبادرة “العربية لغتنا”

(9)

الْمَسْأَلَة فِيهَا إِنَّ

كناية عن إظهار الشّكّ والرّيبة في هٰذا الأمر المطروح، فعليك أن تأخذ حذرك، وتستعدّ لما خفي عنك من أمور خطيرة وراءه. يُقال إنّ أصل العبارة يرجع إلى رواية طريفة مصدرها مدينة حلب؛ فلقد هرب رجل اسمه عليّ بن منقذ من المدينة، خشية أن يبطش به حاكمها محمود بن مرداس، لخلاف جرى بينهما. فأوعز حاكم حلب إلى كاتبه، أن يكتب إلى ابن منقذ رسالة يطمئنه فيها، ويستدعيه للرّجوع إلى حلب.

ولكنّ الكاتب شعر بأنّ حاكم حلب ينوي الشّرّ بعليّ بن منقذ، وكان صديقًا له، فكتب له رسالة عاديّة جدًّا، ولكنّه أورد في نهايتها “إنَّ شاء الله تعالى” (بتشديد النّون وفتحها)، فأدرك ابن منقذ أنّ الكاتب يحذّره، حينما شدّد حرف النّون، ويذكّره بقول الله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون يخاطب موسى، عليه السّلام، بعد أن قتل القبطيّ: ﴿إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ، فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ.﴾ (القصص: 20)

فردّ ابن منقذ على رسالة الحاكم، برسالة عاديّة يشكره أفضاله، ويطمئنه على ثقته الشّديدة به، وختمها بعبارة: “إنّا الخادم المقرّ بالإنعام” (بكسر الهمزة وتشديد النّون).

ففطن الكاتب إلى أنّ ابن منقذ يطلب منه التّنبّه إلى قوله تعالى على لسان بني إسرائيل مخاطبين موسى عليه السّلام: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا﴾ (المائدة: 24)، وعلم أن ابن منقذ لن يعود إلى حلب في ظلّ وجود حاكمها محمود بن مرداس. (ثمرات الأوراق، ص99.

وفيات الأعيان، 410/3، رقم483) ومن هنا، صار استعمال عبارة (المسالة فيها إنَّ) دلالة على الشّكّ والرّيبة ووجود سوء نيّة. قال الشّاعر (الآداب الشّرعيّة، 545/3):
إِنَّ الْجَلِيسَ يَقُولُ الْقَـوْلَ تَحْسَبُهُ خَيْرًا وَهَيْهَاتَ فَانْظُرْ مَا لَهُ الْتَمَسَا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى