الله أكبر.. في الإسلام عزتنا
ليلى غليون
الإسلام عزيز منيع شامخ بشموخ مبادئه وسمو قيمه، يزرع في أتباعه العزة والأنفة والإباء ولا يرضى لهم الدنية ولا التبعية ولا الذل.
والعزة شعور المسلم بالسمو والعلياء والثقة بالنفس والاعتزاز بالدين والعبودية لله.
والعزة تعني ترفع المسلم عن المغريات والدنايا، وعزة المسلم هي أنفته وإباؤه من أن تنحني نفسه أو يتذبذب قلبه أو يسيل لعابه أمام جاه أو سلطان، فلا يخاف تهديدًا بزوال ملك أو متاع أو تقريب أجل، كما إنه لا يقبل لنفسه المذلة إن ضاقت به أسباب الحياة وأغلقت دونه أبواب الرزق، لأنه يعلم أن الرزق والأجل وكل الدنيا وما حوت من ملكية مالك الملك وليس لأحد سواه جل شأنه، فهو لا يقبل المهانة ولا التلون حسب الظروف وتقلبات الطقس ولو كلفه حياته وكل ما يملك.
وقف أحدهم أمام حاكم ظالم هدده بالقتل، قال له: لأقتلنك، قال: أيها الحاكم، شيئان لا أخشى فيهما سوى الله: أجلي ورزقي، رزقي في السماء وأجلي في الكتاب فافعل ما بدا لك.
إنه الشموخ بالدين، إنه الاستعلاء بالنفس، افعل ما بدا لك… هكذا قالها سحرة فرعون بعد أن طرق الإيمان قلوبهم عندما شاهدوا بأم أعينهم المعجزة الكبرى التي هزمت سحرهم وباطلهم فآمنوا بالله وحده ولم يرهبهم طغيان الطاغية، بل وقفوا بعزة أمامه قائلين كما جاء في القرآن الكريم: (فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) إنها الثقة بالله مدبر الأمور كلها، من بيده ملكوت كل شيء، من تجري المقادير بعلمه وإرادته، من وحده سبحانه القائل للشيء كن فيكون.
وما كانت العزة أبدًا بطرًا ولا كبرًا ولا تفاخرًا، ولا بغيًا، ولا عدوانًا، كما هي ليست سيف ظلم مسلط في وجوه الناس لهضم حقوقهم وبخسهم أشيائهم، إنما عزة المسلم رحمة ونصرة للحق ونصرة للمظلومين، إنها الخوف، ولكن ليس من البشر، بل من رب البشر، إن العزة للمسلم تعني عبوديته لله سبحانه وبقدر درجة عبوديته لله عز وجل يزداد عزًا ورفعة وسموًا ويلبسه الله تعالى ثوب المهابة والوقار.
إنها إعلاء كلمة الله وكلمة الحق وتنكيس راية البغي والباطل، إنها موقف حق أمام سلطان جائر، إنها الثبات على المبدأ بلا تلعثم، تلك هي العزة بالإسلام والاستعلاء بالإيمان.
قال صلى الله عليه وسلم: “من أعطى الذلة من نفسه طائعًا غير مكره فليس منا”.
واسمع أهازيج العزة يرددها الإمام الشافعي رحمه الله لما قال:
أنا إن عشت لست أعدم قوتًا وإذا مت لست أعدم قبرا
همتي همة الملوك ونفسي نفس حر يرى المذلة كفرا
هكذا المسلم عال شامخ بإيمانه يستمد عزته من مصدرها الوحيد الذي ليس له مصدر سواه، من الله العزيز الذي يملك العزة جميعًا سبحانه ولا أحد سواه يملك منها شيئًا، والعزيز اسم من أسماء الله الحسنى وصفاته العظمى، أي: الغالبُ القوي الذي لا يَغلبه شيء وهو سبحانه المُعزُّ الذي يَهَبُ العزة لمن يشاء من عباده.
واسمع ما قاله الحسين بن علي رضي الله عنهما، لقد قال كلمة صارت شعارًا لكل من يقف أمام الطغاة والجبابرة والظالمين لما قال رضي الله عنه: هيهات… هيهات منا الذلة.
إنها أنفة المسلم، بل ثبات قدميه على الحق ثبات الرواسي الشامخات، بل يقينه بالله ولو اجتمعت عليه الأمم قاطبة فلا تنحني هامته لمن (… ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا ولا يملكون موتًا ولا حياة ولا نشورًا) 3، الفرقان.
مرَّ رجل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد بالغ في الخضوع فقال له: ألست مسلمًا؟ قال: بلى. قال: فارفع رأسك فإن الإسلام عزيز منيع.
نعم ارفع رأسك وجاهر كل الدنيا، أنا المسلم ولن أنحني إلا لله، ولن أعطي الدنية في ديني، هذا مبدئي وشعاري لا يقبل مساومة ولا نقاشًا ولا مفاوضة ولا أنصاف الحلول، هكذا أطلقها نبينا الأعز الأكرم صلى الله عليه وسلم صرخة عز وإباء لما عرضت أمامه كل محاولات المساومة والاغراءات للتنازل عن دينه ومبدئه: (والله يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه).
وإن يعتز بالدنيا جهول فكن بالدين والتقوى أعزا
وإن لم تكسك التقوى ستعرى وإن حلوك ديباجا وخزا
بغير الدين يغدو العيش لفظا بلا معنى ويمسي الموت لغزا
دخل رجل على بعض الملوك، وهو يلبس ملابس رثة، فانكمش الملك لأن ملابسه رثة، فقال له الرجل: يا أيها الملك إنّ العباءة لا تكلمك، وإنما يكلمك الذي فيها عزة روحية وعزة نفسية.
علي ثياب لو يباع جميعها بفلس لكان الفلس منهن أكثرا
وفيهن نفس لو تقاس ببعضها نفوس الورى كانت أجل وأكبرا
إننا أمة أعزنا الله بالإسلام ودخلنا التاريخ من أشرف وألمع أبوابه وأصبحت لنا صولة وجولة بهذا الدين وما ذهبت ريحنا ولا غابت عزتنا ولا قلت هيبتنا إلا عندما ابتغينا عزتنا من الشرق ومن الغرب، ولن يكون مكاننا إلا أسفل القائمة وخلف الركبان نمد الأيادي ونحني الرؤوس، ولن تقوم لنا قائمة ولن ترجع رايات العزة ترفرف فوق ربوعنا إلا عندما نخلع ثوب اعتزازنا بزيد وبعمرو وبالمذاهب الأرضية والقوانين الوضعية الشرقية منها والغربية ونلبس ثياب العزة بالإسلام.
يقول الفاروق رضي الله عنه: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله”.
جاء رسول السلطان إلى العز بن عبد السلام رحمه الله وقال: بينك وبين أن تعود لمناصبك وما كنت عليه وزيادة، أن تنكسر للسلطان وتُقبِّل يده لا غير.
قال العز رحمه الله وله من اسمه نصيب: “والله يا مسكين ما أرضاه أن يقبل يدي هذه، فضلًا أن أقبل يده، يا قوم أنتم في وادٍ وأنا في وادٍ والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به”.
وعندما استدعى المندوب السامي الفرنسي ـفي سورياـ الشيخ عبدالحميد الجزائري وقال له: إما أن تقلع عن تلقين تلاميذك هذه الأفكار وإلا أرسلت جنودًا لإغلاق المسجد الذي تنفث فيه هذه السموم ضدنا وإخماد أصواتك المنكرة. فأجاب الشيخ عبد الحميد: أيها الحاكم إنك لا تستطيع ذلك. فاستشاط الحاكم غضبًا، كيف لا أستطيع؟ قال الشيخ: إذا كنتُ في عُرسٍ هنأت وعلمتُ المحتفلين، وإذا كنتُ في مأتمٍ وعظتُ المعزين، وإن جلستُ في قطارٍ علَّمتُ المسافرين، وإن دخلتُ السجن أرشدتُ المسجونين، وإن قتلتموني ألهبت مشاعر المواطنين، وخيرٌ لك أيها الحاكم ألا تتعرض للأمة في دينها ولغتها.
هكذا كانوا هم وإلى هذا يجب أن نعود نحن ونربي ابناءنا وبناتنا على أصول العزة والشخصية الإسلامية القوية المميزة، فلا يتربوا على التقليد الأعمى والذي هو دليل على الهزيمة الداخلية وما بها من تمييع للأخلاق وسحق للرجولة وما يتنافى مع معاني العزة والكرامة، ويزرع في النفس الهوان والذلة للغير والشعور بفوقيتهم وأفضليتهم.
إن صناعة العزة في هذا الجيل واجب الوقت نصنعها بتربيتنا لهم نصنعها بمواقفنا نصنعها بكلماتنا نصنعها بأفعالنا وسلوكنا، نصنع عزة موصولة بعزة الله عز وجل.



