أخبار وتقاريرمقالاتومضات

معركة الوعي (243) لماذا يصابون بالرعب والجنون كلما سمعوا لفظ “الخلافة”؟!!

نموذج للفاشية والسادية ونموذج للذين أصيبوا بالصرع

حامد اغبارية

عُقدة “الخلافة”

لو أنك استعرضت أيديولوجية التيارات السياسية ذات الطابع العلماني، وبحثت في ثناياها عن نوع نظام الحكم الذي يريدون أن يعيشوا في ظله لوجدتها كلها تتشدق بنظام حكم علماني أو ديمقراطي أو ليبرالي أو اشتراكي أو شيوعي، ويصرّون على ذلك ويطالبون به جهارا نهارا، وأحيانا بوقاحة منقطعة النظير، رافضين أن يناقشهم أحد بخياراتهم وأفكارهم. يحدث هذا، على سبيل المثال، في شكل الحكم الذي تتحدث عنه تلك التيارات بخصوص الدولة الفلسطينيّة العتيدة، التي لم تقم بعدُ، والتي يبدو أنها “ترفض أن تقوم أو تقام”! فيقولون لك: لا بد أن تكون دولة علمانية لا دينية، ولا يمكن أن نقبل بغير هذا.

والمقصود بـ “غير هذا”- بطبيعة الحال- هو الحكم الإسلامي. يقولون ذلك دون أن يجيبوا على سؤال بسيط: ماذا مع إرادة الشعب وخياراته، بينما تزعمون أنكم تمثلون إرادته وخياراته؟ أليس من حق الشعوب أن تختار نظام الحكم الذي يناسبها ويحقق لها غاياتها؟ ستفاجأ بالجواب الخفي: نعم، من حق الشعوب أن تختار نظام الحكم الذي تريده ولكن بشرط ألا يكون إسلاميا. ورغم فجاجة هذا التوجه إلا أنك تقول: هذا من حقهم.

فليفكروا كيف يشاؤون وليطالبوا بنظام الحكم الذي يريدون، فإن كان هذا خيار الشعب فليكن. ولكنهم يصابون بالهوس والرعب والجنون عندما تمارس أنت حقك وتطالب بنظام الحكم الذي تؤمن به. وتصيبهم الحمّى الهستيرية عندما يسمعونك تتحدث عما تؤمن به: حكم إسلامي وخلافة إسلامية!

لذلك تجد هؤلاء، وهم من بني جلدتنا، يلتقون على ذلك الهدف مع أطراف صدّعوا رؤوسنا وهم يتهمونها بالعداوة للشعب الفلسطيني وللعرب. إنهم يلتقون مع أوروبا الاستعمارية التي تبذل كل وسيلة لمنع وصول الإسلام إلى السلطة في أي بلد من بلاد المسلمين، بينما تجد هذه الأطراف نفسها لا تجد حرجا في السماح لأحزاب وأفكار وأيديولوجيات دينية عندها في بث أفكارها، وتمنحها الفرصة للوصول إلى الحكم عن طريق صندوق الانتخابات، وتدافع عن حقها هذا طالما أنها وصلت إليه بإرادة شعبية، كما في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والنرويج والمجر وغيرها. بل تجد لديها مكانا لأحزاب فاشية يمكنها الوصول إلى الحكم بـ “إرادة شعبية”.

وتجد هؤلاء يلتقون مع الولايات المتحدة الأمريكية التي شنت وتشن حروب طاحنة، وتمارس سياسة حماية الأنظمة الوظيفية في بلاد العرب والمسلمين، تلك الأنظمة التي تمارس أسوأ أنواع الدكتاتورية، وتصادر إرادة شعوبها، كي تمنع وصول الإسلام (وليس الإسلاميين!!) إلى سدة الحكم.

وتجدهم يلتقون مع نتنياهو، نعم مع نتنياهو، الذي أعلنها أكثر من مرة، خاصة في السنة الأخيرة، على خلفية الحرب التي يشنها على غزة والضفة ولبنان وإيران واليمن وسوريا، من أنّه “لن نسمح بوجود خلافة إسلامية في محيطنا، سواء في الجنوب أو في الشمال أو في الضفة الغربية. لن نسمح بخلافة إسلامية على شاطئ البحر المتوسط. لقد قلت مرارا. إننا سنغير وجه الشرق الأوسط وهذا ما نفعله حاليا، لذلك فإن الحرب القائمة هي حرب النهضة وهي حرب تاريخية”.

وعندما يقول نتنياهو (وغيره) مثل هذا الكلام فإنه يعرف لماذا! بينما تجد الكثيرين من المضبوعين عندنا لا يدركون ذلك ولا يفهمون مغزاه وأبعاده ومراميه وخلفياته، بل لعل منهم من يفرح في قرارة نفسه بمثل هذا الكلام، لأنه يلتقي مع أجندته السياسية والفكرية، في الوقت الذي يدرك هؤلاء أنه في لحظة الامتحان فإن نتنياهو سيضعهم في نفس “الخُرج” الذي يضع فيه من يتحدثون عن الخلافة الإسلامية القادمة.

يعرف نتنياهو لماذا لأنه- فيما يبدو لي- يقرأ بوعي وعمق تقارير الدراسات الاستراتيجية التي تخبره بما لا يدع مجالا للشك أن بوادر التغيير في المنطقة تحمل الدليل تلو الدليل على أن الإسلام آت، وأن الخلافة الإسلامية آتية لا محالة. ومخطئ من يظن أن هذه المواقف وهذه السياسات وهذه الحروب والحملات العسكرية إنما هي ردة فعل على حدثٍ وقع قبل سنتين، أو فكرة طارئة خطرت في البال، أو مسألة هامشية في خضمّ الأحداث الجارية. إنها استراتيجية مبنية على معطيات من واقع الحال اليوم، ومن التاريخ الإسلامي تحديدا.

فمعطيات اليوم- كلّها- تشير إلى أن تغييرا مفصليا في تاريخ البشرية بدأ مع أحداث السابع من تشرين الأول 2023، تبعه ما حدث في سوريا الشام خلال أقل من أسبوعين في كانون الأول من العام الماضي، ومعطيات التاريخ الإسلامي يجد هؤلاء فيها ما يؤكد أن ما جاء في الخطاب الإسلامي فيما يتعلق بأحداث قادمة ستحدث تغييرا، إنما هي معطيات حقيقية تؤكدها الأحداث الجارية الآن، ولذلك لا بد من خطاب مقابل يعمل على التصدي بكل الوسائل (العسكرية والسياسية والإعلامية) لأي احتمال وقوع ما يخشون وقوعه.

ولقد سمعنا جميعا، في أوج الأحداث الأخيرة في سوريا (في السويداء وقبلها في منطقة الساحل السوري)، تلك الهجمة المجنونة على كل ما هو إسلامي، والتحذير من حكم الإسلام (الطائفي!!!)، واللطم وشق الجيوب والولولة والعويل والزعيق والنعيق على المصير المجهول للأقليات (المسكينة) التي “لا بأس ولا غضاضة في أن تستدعي المدد والسند والعون من تل أبيب ومن أوروبا وأمريكا لتحميها وتدافع عنها”!!

وخلاصة القول في هذه المسألة من شقين: الأول إنهم مرعوبون مما هو آت، ولذلك أصيبوا بالجنون ويتصرفون كالمجانين في حرب يروْنها وجودية-تاريخية حاسمة فاصلة على كل الجبهات. والثاني: إن الإسلام قادم والخلافة قادمة، وهم يعلمون هذا علم اليقين.

نعم، سيكون “شرق أوسط جديد” لكنه شرق مختلف لا يشبههم ولا يشبه أوهامهم.

صورة حيّة للفاشيّة والساديّة

في جزء من مقابلة أجراها الصحافي البريطاني، بيرس مورغان، مع دانييلا فايس؛ إحدى رؤوس الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية، وهي من مؤسسي مستوطنة “كدوميم” (ألون موريه سابقا) غربي نابلس، ومن مؤسسي “غوش إيمونيم”، سألها مورغان: ما هو شعورك تجاه مقتل 20 ألف طفل في غزة؟ ألا تحزنين؟ ألا تشعرين بالأسى، بالأسف؟!

لم يكن جوابها صادما، لأنه يعكس قاع أعماق النفسية الاستيطانية الممتلئة بأسوأ أنواع الفاشية والسادية، المتجردة من أي بُعد إنساني. قالت: على الذين تسميهم فلسطينيين وعلى العرب أن يتوقفوا عن مهاجمة إسرائيل. على الآباء أن يكونوا حذرين جدا في الطريقة التي يربّون بها أبناءهم لتعليمهم كراهية اليهود وقتلهم! أُحذّر جميع العرب ومن كل الجهات والحدود وأقول لهم: توقفوا عن تربية الأطفال على الكراهية والعداء لليهود. قالت ذلك وهي تبتسم ابتسامة استيطانية تقطر ساديّة وكراهية.

كرر مورغان نفس السؤال نحو سبع مرات، وكان جوابها واحدا في كل مرة. هي لم تقل بصراحة إنها ليست حزينة على مقتل 20 ألف طفل فلسطيني في غزة، ولم تقل إنها لا تشعر بالأسى والأسف، لكنها في الحقيقة قالت ذلك بكل وضوح بطريقة غير مباشرة، أكدتها ابتسامتها تلك، التي تحمل كل معاني التشفّي وإشباع الغرائز التي تخجل منها المخلوقات غير البشرية التي تعيش في الأدغال.

لقد قالت أكثر من ذلك. قالت بلسان حالها وبلسان ابتسامتها الدموية: طالما أن الآباء الفلسطينيين والعرب من كل الجهات والحدود لا يربّون أطفالهم على عدم العداء لليهود فإن هؤلاء الأطفال يستحقون الموت. هكذا بكل بساطة ووضوح وسادية.

قالت فايس ما قالته وما لم تصرّح به دون أن تقدم دليلا واحدا على أن الفلسطينيين والعرب يربّون أبناءهم على كراهية اليهود، فهي لا تملك دليلا ولا قرينة. ذلك أن الفلسطينيين والعرب والمسلمين لا يربّون أبناءهم على الكراهية بشكل عام، ولا على كراهية أيٍّ كان من أية ديانة كان ومن أية عقيدة هو.

وهناك فرق بين هذا وبين كراهية الاحتلال كونه احتلالا، سواء كان من الفرنجة أو الأمريكان أو اليهود أو الهندوس أو الروس أو الصينيين أو التتار. لأنه من الطبيعي أنّ الواقع تحت الاحتلال يكره المحتل ويسعى إلى زواله بغضّ النظر عن هويته. هذه فطرة، وهذا حق طبيعي لكل إنسان. لكن الشعور بالاستعلاء على سائر البشر، والاعتقاد بأن هذه المخلوقات يحق لها ولأمثالها ما لا يحق لغيرها من خلق الله، هو فيروس فتاك يحتاج إلى علاج في غرفة الإنعاش…..

إن من يريد أن يعثر على التربية على الكراهية فليبحث في محركات البحث الإلكترونية (غوغل وغيرها) عن فيديوهات تحت عنوان “التربية على الكراهية”، وسيجد الجواب هناك، وسيعرف من أين تنبع وأين تصبّ.
الذين أصيبوا بالصرّع

كان آخرهم هذا الأسبوع عفو اغبارية، عضو الكنيست الصهيوني السابق عن الجبهة والحزب الشيوعي، الذي انفجرت لديه فوهة الصرف الصحي فجأة في تعليق رخيص يخجل منه زعران الشوارع ليقول للناس: هذه هي حقيقتي وهذه هي مكنونات صدري وهذا هو مستواي، وإن ظهرتُ أمامكم بمظهر السياسي، المثقف، الوطني الخ الخ الخ….

عفوًا! ماذا قال الدَّكْتُور؟

إنه لم يقل شيئا ذا قيمة. وإنما تقيأ كلاما أقرب إلى هذيان المصروع، لا يرتقي إلى مستوى التفكير بمجرد مناقشته.

إنهم يهدرون وقتهم وجهدهم ويُتعبون تلافيف أدمغتهم فيما لا طائل من ورائه. وهذا دائما هو شأن الذين لا يفقهون. وسواء قالوا ما قالوا أو صمتوا، فإن هذا لن يغير من الواقع شيئا، وغاية ما في الأمر أنهم فضحوا أنفسهم. وأما الحقيقة الدامغة المطلقة فهي أنّ ما كان سببًا في إصابتهم بتلك الهستيريا، فهو واقع حتما حتف أنوفهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى