الآن جاء دور لجنة الأرض والمسكن

الشيخ رائد صلاح
(لجنة الأرض والمسكن) هي واحدة من لجان لجنة المتابعة العليا، التي تزيد على عشرة لجان، وقد كانت مطالبة بتأدية دورها هذا منذ أن تم إقرار إقامتها وإقرار توكيل حركة أبناء البلد إدارة عمل هذه اللجنة، ولكن دورها الآن بات ملحًّا أكثر، لأن مجتمعنا الآن ما بين الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية، يعاني الآن من سياسة استفحال مصادرة أرضه وهدم بيوته وقلع بلدات صغيرة له في النقب من جذورها وتركها للمجهول.
فإذا لم تتحرك الآن، لجنة الأرض والمسكن، فمتى تتحرك؟ فها نحن تابعنا خلال الأيام القريبة أن المؤسسة الرسمية الإسرائيلية فرضت على ٢٧ أسرة في قرية السر، مسلوبة الاعتراف في النقب، سياسة الهدم الذاتي لها، وهذا يعني أن هذه الأسر هي التي قامت بهدم بيوتها بيديها بعد أن بنتها بيديها، كإجراء أقل ضررًا مما لو قامت المؤسسة الإسرائيلية بهدمها بآلياتها العملاقة، حيث إن المؤسسة الرسمية كانت قد أصدرت أوامر هدم في حق هذه البيوت التي تعود لعائلتي ابن مرعي وأبو رمشة.
وهذا يعني أن إجراءات هذا الهدم الذاتي قد تسببت بهدم بلدة صغيرة في النقب، كان من الممكن أن تنمو مع الأيام، حاضنة للآباء الذين بنوا هذه البلدة الصغيرة ولأولادهم وأحفادهم، ولكن ضاع كل شيء في لحظة عين وانتباهتها، وحلّ الخراب محل تلك الحاضنة، وتحولت تلك الحاضنة من مسكن للبشر إلى مسكن للبوم والقوارض.
ومشهد هذا الهدم الذاتي ليس هو المشهد الأول والأخير في النقب، بل ما بين كل برهة وبرهة من الزمن، بتنا نُصدم بهدم بلدة العراقيب، المرة تلو الأخرى بخاصة أو بهدم بلدة من بلدات الأهل الصغيرة في النقب بعامة، إما هدمًا ذاتيًّا يقوم به الأهل مضطرين حتى يدفعوا ضررًا أعظم بضرر أقل، وإما هدمًا رسميًّا تقوم به المؤسسة الإسرائيلية بواسطة آلياتها العملاقة، مصحوبة بزحف من قواتها.
وهكذا بات مشهد هذا الهدم يطغى على مشهد حياة الأهل في النقب، وكأن حياتهم باتت غارقة في مشهد الهدم، ولعل ذلك ما دفع أكثر من ٢٠ ألفًا من أهلنا في النقب أن يشاركوا في آخر مظاهرة أقيمت في مدينة بئر السبع رفضًا لسياسة الهدم.
ويبقى السؤال: ثم ماذا؟
وأظن أن الذي يجب أن يقدم الجواب الميداني عن هذا السؤال، هو لجنة المتابعة العليا من خلال ذراعها في النقب، وهو لجنة التوجيه المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، ومن خلال (لجنة الأرض والمسكن) إحدى اللجان الأساس في لجنة المتابعة العليا.
وإلى جانب ذلك، قامت جرافات المؤسسة الإسرائيلية يوم الأربعاء الأخير بهدم منزل في منطقة الشعب في كفر قاسم، يعود لعائلة أبو صعلوك التي كانت تستعد للانتقال إليه، بذريعة أن هذا المنزل قام بدون ترخيص على أرض تابعة لدوائر المؤسسة الإسرائيلية، علمًا أن ما أعلمه أن عدد المنازل غير المرخصة في المجتمع الإسرائيلي يفوق بكثير عدد المنازل التي لم تنجح بالحصول على ترخيص بناء في حاضر مجتمعنا، ولكننا لم نسمع عن سياسة هدم ممنهج رسمي بدأت تطارد هذه البيوت الإسرائيلية غير المرخصة.
وهكذا هُدمت أحلام عائلة أبو صعلوك في كفر قاسم، بعد أن باتت تنظر إلى بيتها وقد تحوّل إلى رجم حجارة، وما عاد يصلح للعيش فيه للبشر، وما عاد يصلح للعيش من حوله للشجر، وما عاد إلا ملاذًا للبوم والقوارض، كحال البلدات الصغيرة المهدّمة في النقب.
ثم ماذا؟
أظن لجنة المتابعة العليا مطالبة أن تعطي جوابًا ميدانيًّا على هذا السؤال من خلال (لجنة الأرض والمسكن) إحدى لجانها الأساس، بالتعاون مع بلدية كفر قاسم، واللجنة الشعبية في كفر قاسم.
وإلى جانب ذلك، وعلى سبيل المثال لا على سبيل الحصر، قامت المؤسسة الإسرائيلية بهدم بيت قبل برهة من الزمن في حي العرايش في أم الفحم، وها هو شبح الهدم يتهدد بيت المهندس سليمان فحماوي، الذي يقع في حي سويسة في أم الفحم، بذريعة البناء بدون ترخيص، علمًا أن هذا البيت يقع في وسط حي مكتظ بالبيوت، حيث يحيط به عشرات البيوت كإحاطة السوار للمعصم، وهي بيوت شاهقة البناء، كثيرة الطبقات، ومأهولة بالأسر الفحماوية، وقد باتت طوابقها الأرضية محلات تجارية، ونابضة بالحياة الاقتصادية، وقد أُقيمت كل هذه البيوت على أرض مملوكة أصلًا لأهلها الفحماويين، وتقع ضمن خرائط مفصلة مطروحة للموافقة عليها.
ومع ذلك، ها هي المؤسسة الإسرائيلية تقفز عن كل هذه المعطيات، وتصدر أمر هدم لبيت المهندس سليمان فحماوي، بعد أن دفع أموالًا طائلة مضطرًا كغرامات، حتى ينقذ بيته.
والخطر، كل الخطر أن يتبع أمر هدم بيته أوامر هدم بيوت أخرى، وفي ذلك خطر على هدم خاصرة أم الفحم، وها هي اللجنة الشعبية في أم الفحم قد بدأت بسلسلة اعتصامات، ثم أقامت خيمة اعتصام عند هذا البيت المهدد بالهدم، وصلاة جمعة في هذه الخيمة، وها هي بلدية أم الفحم تبذل قصارى جهدها لإنقاذ هذا البيت الذي يعني إنقاذ مجموعة بيوت من حوله.
ثم ماذا بعد؟
تبقى لجنة المتابعة العليا مطالبة أن تعطي جوابًا ميدانيًّا على هذا السؤال من خلال لجنة الأرض والمسكن، إحدى لجانها الأساس، بالتعاون مع بلدية أم الفحم واللجنة الشعبية في أم الفحم، سيّما وأن هناك محاولات رسمية لفرض تعديل على وضعية بعض حدود مساحة النفوذ في أم الفحم، مما يعني مضاعفة شبح خطر الهدم على بيوت أخرى، وعلى مصالح اقتصادية في أم الفحم.
وهذا الحال المقلق الذي بتنا نعيش فيه ما بين هدم البيوت واقتلاع بلدات صغيرة، وتعديلات كارثية على حدود مساحات النفوذ، يذكرنا بأجواء المصادرات التي سبقت يوم الأرض الأول، ويذكرنا بأجواء التهديد بالمصادرة التي سبقت هبة الروحة، ويذكرنا بخطة كينغ، وخطة برافر، وقوانين الحاضر -غائب، وقوانين البور سيئة الصيت.
ولذلك فنحن في مرحلة مفصلية في مسيرة مجتمعنا ما بين الجليل والمثلث، والنقب والمدن الساحلية.
فما هو المطلوب؟
وجوابًا على ذلك، أسجل هذه الملاحظات كاقتراح أقدمه إلى لجنة الأرض والمسكن:
١- المطلوب أولًا: أن تواظب لجنة الأرض والمسكن على جلسة ثابتة ومستديمة، ولتكن كل أسبوع أو كل شهر كحد أقصى.
٢- المطلوب أن تتواصل (لجنة الأرض والمسكن) مع الأهل الغارقين في الخطر المحدق الذي يهدد بيوتهم أو بلداتهم، أو مضاربهم، والإحاطة بكل قضاياهم، ثم توثيقها، ثم جدولتها وفق مقياس الخطير والأخطر، ووفق مقياس، الخطر الفوري، والخطر القادم، ووفق وضعيات كل هذه القضايا قانونيًّا وهندسيًّا وتخطيطيًّا، ثم تحديد سلم أولويات لكيفية التعامل مع كل هذا الكم الهائل من هذه القضايا، وقد يحتاج الأمر إلى يوم دراسي مستعجل، وليكن ذلك، وقد يحتاج الأمر إلى عقد مؤتمر حول الأرض والمسكن، وليكن ذلك.
٣- المطلوب أن تتواصل (لجنة الأرض والمسكن) مع المجالس المحلية العربية والبلديات العربية التي باتت تحت تهديد فرض تعديل على مساحات نفوذها، أو على خرائطها الهيكلية، أو على خرائطها المفصلة، وأن تحيط بكل هذه الأوضاع، وأن تجدولها جدولة هندسية مهنية، تظهر للقاصي والداني أننا في خطر وجودي.
٤- المطلوب أن تتواصل (لجنة الأرض والمسكن) مع مؤسسة عدالة، ومؤسسة الميزان، ومع سائر مؤسساتنا الحقوقية، لصياغة وثيقة موضوعية بلغة حقوقية متينة تُبرز ما نعانيه من خطر يتهدد أرضنا وبيوتنا ووجودنا، بشرط أن تصلح هذه الوثيقة أن تكون وثيقة عالمية ومحلية، ورسمية وشعبية، ولكل من يهمه الأمر.
٥- المطلوب أن تتواصل لجنة (الأرض والمسكن) مع لجنة التوجيه، ومع مجلس القرى غير المعترف بها في النقب، ومع كل لجنة شعبية نهضت لإنقاذ بيوتنا وأرضنا، سواء كانت في كفر قاسم، أو في أم الفحم، أو في العراقيب، أو غيرها، وأن تتفق مع هذه اللجان على برنامج عمل جماهيري قد يكون قطريًّا ومحليًّا، ما بين اعتصامات ومظاهرات وخيام اعتصام ومؤتمرات صحفية تجعل من همّ الواحد همًّا عامًا، وتجعل من همّ أي بلدة عربية همًّا عامًا، وتجعل من قضية الأرض والمسكن قضية عامة يلتف كل مجتمعنا من حولها.
٦- ما سجلته في الملاحظات السابقة هو مجرد أمثلة، ولذلك المطلوب من (لجنة الأرض والمسكن) أن تبني لنفسها برنامج عمل شعبيًا، يقوم على خطوات حقوقية مشروعة وعقلانية توفر لنا النفس الطويل لمتابعة تنفيذ هذا البرنامج محليًّا وعالميًّا، وما بين أروقة القضاء والإعلام والجماهير والمؤتمرات والأيام الدراسية والزيارات الميدانية، والالتفاف القطري من قبل لجنة المتابعة العليا، واللجنة القطرية.
٧- ثم أؤكد بنبرة حب أخوية، وأقول لسائر لجان لجنة المتابعة العليا: إنني، وفي الوقت الذي أتمنى فيه على (لجنة الأرض والمسكن) أن تبادر بهذا الدور، فإنني أتمنى على سائر لجان لجنة المتابعة العليا أن تخرج من حالة الركود التي تعيش فيها، وأن تحمل أمانة ما حُمّلت كلجنة، وفق المهمة التي أوكلت إليها.



