من المنتصر في اتفاق وقف إطلاق النار.. إسرائيل أم حزب الله؟
الإعلامي أحمد حازم
علَّمنا التاريخ، أنه في كل حرب تقع يوجد منتصر ومنهزم ولا مكان لمعادلة (لا غالب ولا مغلوب). ولكن، هل ينطبق هذا على ما أسفرت عنه الحرب بين إسرائيل وحزب الله؟
منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، كثرت التساؤلات عن المنتصر وعن المهزوم في هذه الاتفاقية. فهناك من رأى في لبنان انتصارًا لحزب الله، وهناك من وجد شروط الاتفاق انتصارا للجانب الإسرائيلي. والأمر لا يختلف في اسرائيل على صعيد الساسة، أمّا على الصعيد الشعبي فإن الغالبية ترى أن إسرائيل لم تنتصر.
نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، قال في التاسع والعشرين من الشهر الماضي -بعد يومين من سريان مفعول الاتفاق- في كلمة: “إن حزب الله حقق انتصارا في الحرب مع إسرائيل”، وذلك في أول تصريحات تلفزيونية له بعد وقف إطلاق النار بين الحزب والجيش الإسرائيلي. حتى أن نعيم قاسم ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير في قوله: “نحن أمام انتصار كبير يفوق الانتصار الذي حصل في يوليو/تموز 2006، هذا النصر لكل من أحبه وتمناه”. وماذا يقول الإسرائيليون عن هذا الاتفاق؟ استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، نشرته القناة 13 الإسرائيلية حول الاتفاق، أظهر أن أكثر من 60% من الإسرائيليين يعتقدون بأن إسرائيل لم تنتصر على حزب الله، وفي المقابل يعتقد 25.8% أن إسرائيل حققت نصرا على حزب الله. وماذا يقول الاعلام الإسرائيلي؟ تعالوا نسمع ما قالته صحيفة هآرتس في التاسع والعشرين من الشهر الماضي في تعليق لها بعنوان: “إيران وحزب الله خسرتا، ولكن إسرائيل لم تنتصر”.
تقول الصحيفة “إن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله يعني، أن الحرب في لبنان قد انتهت على الأرجح، وأنه من المؤكد أن حزب الله ورعاته الإيرانيين هم الخاسرون”. وذكرت الصحيفة بكل وضوح: “هذا لا يعني أن إسرائيل انتصرت بأي معنى ذي أهمية”.
لنبحث ما فعلته إسرائيل خلال 66 يوما من الحرب القاسية على جنوب لبنان والضاحة الجنوبية لبيروت والتي يشبه دمارها إلى حد كبير الدمار الذي تعرضت له غزة، مع العلم أن الجيش الإسرائيلي دمّر حوالي أربعين بلدة في جنوب لبنان.
حزب الله يطبق في أدبياته أقوال الخميني وأفكاره التي تشكّل مرجعية للحزب، فكيف يرى الخميني مفهوم الهزيمة وهل طبقها الحزب من خلال التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار؟ الخميني يعرّف الهزيمة “انها الاستسلام للأهداف التي يسعى إليها العدوّ حينما يقوم بأعماله العسكرية”. حتى أن الزعيم الشيعي الراحل الإمام موسى الصدر، كان يردد هذا التعريف في الخطب التي كان يلقيها يوم الجمعة ولا سيما في مدينة صور الجنوبية، وكرّرها أيضًا حسن نصر الله كثيرًا. لننظر إلى ما فعلته إسرائيل في لبنان ومقارنته بنصوص الاتفاقية: إسرائيل قالتها صراحة إنها وضعت لنفسها أهدافا منها: الفصل بين ساحتي غزة وجنوب لبنان، تصفية قيادات رئيسية لحزب الله، تسليم الجيش اللبناني وقوّات اليونيفيل مواقع لحزب الله في الجنوب بعد إخلائها، تطبيق القرار 1701 وغيرها من أهداف أخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة: هل استطاعت إسرائيل تحقيق هذه الأهداف من خلال عملياتها العسكرية؟ الجواب هو نعم. لأنَّ الاتفاقية مع لبنان تنص على تطبيق ما أرادته إسرائيل، وقد وقّع عليها حزب الله. بعد ذلك نسأل: ألا يعني ذلك استسلامًا لإسرائيل استنادًا لتعريف الخميني للهزيمة؟ بالتأكيد نعم هو استسلام.
أمر آخر في غاية الخطورة: يوجد تفاهم وبالأحرى اتفاق آخر بين إسرائيل من جهة وفرنسا وأمريكا من جهة ثانية يحق لإسرائيل بموجبه التدخّل العسكري جوًّا وبحرًا وبرًّا إذا شعرت بوجود خرق للاتّفاق. لكن الاتفاق لا يتضمن أي بند يتعلق بخرق إسرائيل للاتفاق. وما دام الشيء بالشيء يذكر، فإن إسرائيل قامت عشرات المرات بتجاهل الاتفاق منذ التوقيع عليه.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” كانت قد كشفت الأحد الماضي، أنّ فرنسا حذّرت إسرائيل من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بسبب خروقاتها المستمرة للاتفاق أكثر من خمسين مرة (حتى كتابة هذه السطور).
هناك من يعتبر أن الاتفاق بمعزل عن جبهة غزة، هو فرض لإرادة إسرائيل على حزب الله وبالتالي يعتبر نصرا لها، بينما يرى آخرون أن استنزاف إسرائيل في الحرب أجبرها على عقد اتفاق مع لبنان. المستوطنون لم يعودوا
للشمال من خلال الحرب، وبالتالي هذا فشل لإسرائيل. فريق ثالث يرى أن حزب الله لم ينتصر في الميدان بسبب الخسائر الفادحة في القيادات والعناصر والعتاد وأصبح مجبرًا على سحب عناصره إلى ما وراء الليطاني والامتناع عن التسلح من جديد. لكن هناك فريق رابع يقول إن استمرار حزب الله في إطلاق الصواريخ والمسيّرات بكثافة على إسرائيل حتى آخر لحظة قبل اتفاق الهدنة، يعني أن الحزب لم ينهزم.
على كل حال واستنادًا لما ورد في التحليل، يستطيع القارئ تكوين صورة عن المنتصر والمنهزم، والحقيقة مثل عين الشمس لا يمكن تغطيتها بغربال.