بعدما دمر الاحتلال البيوت بغزة.. خيام النزوح في مهب الريح
تجلس الفلسطينية سها فايز إلى جانب أطفالها الثلاثة محاولة توفير بعضا من أجواء الدفء والأمان، بينما ترقب خيمتها المكونة من القماش والنايلون تتطاير يمنة ويسرة من جراء الريح التي تهب مع حلول المساء وتشتد فيه أيضا الغارات الإسرائيلية.
قبل أيام ثبتت السيدة التي فقدت زوجها بقصف إسرائيلي استهدف منزلهم بمدينة غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، خيمتها بعد أن انتزعتها رياح شديدة مهددة المسكن المؤقت لعائلتها الصغيرة.
كما عاد كابوس تسرب مياه الأمطار إلى داخل الخيمة وغرق المستلزمات والمفروشات القليلة التي حصلت عليها “فايز” خلال أكثر من عام على الإبادة الجماعية ونجحت بالحفاظ عليها، مع اقتراب موسم الأمطار.
تقول إنها رتقت مؤخرا بعضا الأجزاء الممزقة من الخيمة استعدادا لموسم الأمطار، لكن مخاوفها ما زالت قائمة بسبب اهتراء الخيمة الملحوظ ما يعزز من عدم قدرتها على تحمل الأمطار الغزيرة المتوقعة والرياح القوية.
فايز (38 عاما) واحدة من مئات آلاف النازحين الذين يتخوفون من أن يلحق موسم الأمطار أضرارا بخيامهم التي تشكل ملجأ ومسكنا مؤقتا لهم بعد أن فقدوا منازلهم جراء التدمير الإسرائيلي.
هذه المخاوف تضاف إلى حالة القلق التي تراود النازحين من غرق الخيام بسبب تسرب المياه إلى الداخل في ظل عدم وجود بنى تحتية في مخيمات النزوح ما يعدم إمكانية تصريف مياه الأمطار هناك.
ويواجه النازحون داخل مخيمات النزوح أوضاعا إنسانية ومعيشية قاسية في ظل نقص إمدادات المياه والطعام وعوامل النظافة ما يتسبب بتفشي أمراض جلدية وتنفسية في صفوفهم.
هذه المعاناة تأتي في ظل استهداف إسرائيلي متعمد لمراكز وخيام النزوح والإيواء في مناطق مختلفة من قطاع غزة، في إطار حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها تل أبيب بدعم أمريكي ضد الفلسطينيين.
ولأكثر من مرة ارتكب الجيش الإسرائيلي مجازر بحق النازحين في مراكز الإيواء ما أسفر عن مقتل مئات وإصابة آلاف الأطفال والنساء.
موسم المعاناة
تصف فايز التي تقيم خيمتها بمنطقة المواصي غرب محافظة خان يونس جنوب القطاع، موسم الأمطار بـ”موسم المعاناة” وذلك بعد تجربتهم المريرة التي مروا بها داخل خيام النزوح العام الماضي.
تقول: “فصل الشتاء كان بالنسبة لنا العام الماضي قاس جدا، حيث تبلل فراشنا ومستلزماتنا وملابسنا وغرقت أنا وأطفالي بالطين والوحل”.
وتشير إلى مخاوفها من تجدد هذا السيناريو، لافتة إلى أنها قامت باستصلاح ما يمكن إصلاحه تجنبا لعيش ذات المأساة.
ولا تخفي السيدة مخاوفها الكبيرة من الاستهداف الإسرائيلي المتعمد لمخيمات النزوح، قائلة: “هذه مخاوف لا يمكن أن تغيب عنا فهي تراودنا في كل لحظة ودائما نشعر بالخوف على أطفالنا وأهلنا”.
وتشير إلى أن إسرائيل ترتكب مذابح بحق النازحين ولا تتردد في قصف خيام ومراكز النزوح التي تضم آلاف النازحين بحثا عن الانتقام.
توافقها الموقف السيدة تهاني عفانة (56 عاما)، في منطقة المواصى، التي تعرب هي الأخرى عن قلقها من غرق ملابسها ومستلزماتها داخل الخيمة كما حصل الشتاء الماضي.
وتطالب عفانة، المنظمات الدولية بتوفير “خيام ومساكن مؤقتة للنازحين تحميهم من حر الصيف وبرد ومطر الشتاء”.
وتلفت إلى أن معاناتهم خلال فصل الصيف كانت كبيرة حيث تختزن هذه الخيام الحرارة وتتسبب بتلف المواد الغذائية القليلة التي تتواجد لديهم، فضلا عن أنها تسمح بتسلل الحشرات والقوارض والزواحف إليهم.
خيام مهترئة
من جانبه، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة إسماعيل الثوابتة، إن النازحين يعيشون حياة قاسية في خيام هشة وضعيفة مصنوعة من القماش والنايلون.
ويتابع: “مع مرور أكثر من عام كامل على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، الخيام اهترأت بشكل كبير”.
ويوضح أن 100 ألف خيمة نزوح من أصل 135 ألف خيمة اهترأت وباتت غير صالحة لاستقبال النازحين مع اقتراب موسم الأمطار.
ويحذر الثوابتة من أزمة وكارثة إنسانية حقيقية قد تصيب النازحين في فصل الشتاء جراء اهتراء خيامهم.
ويردف قائلا: “إن لم يفتح الاحتلال المعابر ويدخل الخيام للنازحين، حياتهم ستكون قاسية وصعبة”.
ويضيف الثوابتة بأن النازحين في مراكز الإيواء ومخيمات النزوح يتعرضون لاستهداف إسرائيلي متعمد.
ويتابع: “منذ بدء حرب الإبادة الجماعية استهدف الجيش الإسرائيلي وقصف 195 مركزا ومخيم نزوح، منها 175 مدرسة”.
وفي وقت سابق، حذر المكتب الحكومي بغزة من أن نحو 74 بالمئة من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام.
وأفاد بأن تلك الخيام باتت بحاجة لاستبدال فوري، خاصة إذ أنها خرجت عن الخدمة بشكل كامل بعد عام من الإبادة الجماعية والنزوح وسط ظروف غير إنسانية.
وأشار إلى أن هذه الخيام مصنوعة من “الخشب والنايلون والقماش”، ما يعني أنها غير قابلة للصمود وسط تغيرات المناخ من حرارة وأمطار.
وحذر من “كارثة إنسانية حقيقية مع دخول فصل الشتاء ما ينذر بأن يصبح 2 مليون إنسان بلا مأوى”.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة يواجه الفلسطينيون معاناة النزوح المتكرر، حيث يأمر الجيش الإسرائيلي أهالي مناطق وأحياء سكنية بإخلائها استعدادا لقصفها وتدميرها والتوغل فيها.
ويضطر 2 مليون نازح من أصل 2.3 مليون نسمة، خلال نزوحهم إلى اللجوء لمدارس أو لمنازل أقربائهم أو معارفهم، أو إقامة خيام في الشوارع والمدارس أو أماكن أخرى مثل السجون، في ظل ظروف إنسانية صعبة حيث لا تتوفر مياه ولا أطعمة، وتنتشر الأمراض.
وبدعم أمريكي تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية على غزة خلفت أكثر من 143 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
المصدر: الأناضول