تصاعد الدعوات في تل أبيب لاستعادة المحتجزين فورًا

يزداد عدد الأوساط الرسمية وغير الرسمية في إسرائيل الداعية لإتمام صفقة مع حركة “حماس” تتيح استعادة ما أمكن من المحتجزين في قطاع غزة، ومعها تتزايد الشكوك بنوايا وحسابات رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، وباحتمالات نجاحها في تحقيق الهدف المعلن للحرب على غزة.
ومنذ عدة أيام، بات الاختلاف في الموقف بين أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي المصغر واضحًا، فما زال وزير الأمن يوآف غالانت ومندوبو الجيش يؤكدون أن تدمير “حماس” هو الهدف الأول للحرب، ولذا يؤيدون مواصلة تصعيد الحملة البرية وزيادة الضغط على حماس طمعًا بتليين موقفها في مفاوضات “الصفقة المفقودة”. وفي المقابل، يقول الوزيران عضوا الكابينيت المصغر بيني غانتس وغادي ايزنكوت علانية إن استعادة المحتجزين هدفٌ مركزي للحرب، بل هو الهدف الأول.
وعن هذا التباين الواضح يشير المحلل البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع، اليوم الاثنين، إلى أنه، طيلة أسبوع، شهد كابينيت الحرب نقاشًا حول الصفقة: غانتس وايزنكوت وضعا استعادة المخطوفين في الصدارة، مقابل غالانت والجيش الذين اعتبروا “ضرب حماس” هدفًا رئيسًا.
وتزامنًا مع اليوم الخامس والأربعين للحرب على غزة، وفي مقال بعنوان “اختبار المخطوفين”، يمضي بارنياع في توجيه انتقادات لاذعة لحكومة نتنياهو والتشكيك (تارة بالتلميح وتارة بالتصريح) بنواياه تجاه الصفقة المفقودة، وتجاه الجدوى الحقيقية من مواصلة الحملة البرية، بقوله إن الثلاثي نتنياهو، غالانت وغانتس يظهرون في مؤتمرات صحفية و”يروون قصصًا عن تصفية “حماس”، وإتمام صفقة أيضًا، وعن كابينيت منشغل بالكامل في إدارة الحرب فقط، وليس في السياسة، وكأن الأمر ممكن. لكن من الممنوع أن تكون عملية صنع القرار ملوثة بحسابات مصلحة شخصية أو سياسية، فالحديث يدور عن مصير حياة البشر”.
ويذهب المحلل السياسي في القناة 13 رافيف دروكر إلى ما هو أبعد وأوضح، بنقله عن “وزير كبير” قوله، أمس الأول، إن “نتنياهو يحاول مدّ أمد الحرب قدر استطاعته، فهذا مصلحة له، ولذلك تخرج إحاطات صحفية تنفي وجود مقترح لصفقة مخطوفين”.
ضريبة شفوية
في مقال بعنوان “ضريبة شفوية”، يقول دروكر إن نتنياهو الحالي مختلف عن نتنياهو في الماضي، الذي كان حذرًا متحفظًا من العمليات العسكرية، وإنه اليوم مجبور على حسم حماس عسكريًا، دون اكتراث كم من الوقت يستغرق ذلك.
ويضيف: “سيواصل نتنياهو الحرب، ولن يتوقف حتى لو طلب منه جو بايدن التوقف، ويكفي أن نصغي لجوقة الأبواق من حوله، التي تقول إن نتنياهو هو الوحيد القادر على مجابهة الضغوط الدولية. هم يقولون”. ويعلل دروكر تقديراته لنوايا نتنياهو بالقول إنه يدرك أنه يوشك على الخروج من التاريخ مع وصمة عار لم تكن لرئيس حكومة سابق، والخلاص الجزئي بالنسبة له عودته بـ “رأس حماس”. وتتجانس مصلحته مع مصلحة الجيش، الذي لا يستطيع أن يكتفي بأقل من “ضربة قاضية” بعد فشله الذريع في السابع من أكتوبر”.
وعن غالانت، الذي يقف على رأس هذا الجيش، يقول دروكر ما تتجاهله القيادة الإسرائيلية علانية: “يعتاد غالانت على القول إنه لا يعرف ساعات دبلوماسية، بل يرى أهداف الحرب فقط، وهو بذلك يبغي القول إن اقتصاد إسرائيل لا تعنيه ولا تهمه العلاقات مع مصر والأردن، ولا اتفاقات أبراهام والولايات المتحدة، فأنا لا أستطيع وقف الحدث دون حسم حماس”.
ويرجّح دروكر أن تستمر هذه الحرب لعدة شهور بسبب لقاء المصالح المذكورة، وسكان المستوطنات الحدودية في الجنوب والشمال لن يعودوا لبيوتهم، والسائحون لن يأتوا للبلاد، والاقتصاد يتورط بعجز كبير، علمًا أن المبدأ الأساس الذي قامت عليه إسرائيل هو حسم سريع، فنحن غير مبنيين لحرب استنزاف، وبالتأكيد على طول وعرض كل الدولة”. ويعلل دروكر دعوته لإفراج فوري عن المحتجزين بالقول إنه إذا كان نتنياهو وغالانت وهليفي حقًا يخططون لمعركة طويلة، فلا سبب لعدم وقفها قليلًا، ومحاولة استعادة أكبر عدد ممكن من المخطوفين والاستمرار”.
ويستذكر دروكر قول ايزنكوت “المدهش” بأن استعادة المخطوفين تسبق حسم “حماس”: استعادة اليهود أولًا، وقتل المخربين لاحقًا”. ويتابع دروكر: “ينبغي قول الحقيقة: نتنياهو وغالانت يسدّدان ضريبة شفوية لعائلات المخطوفين، ويتحدثون بكل الكلمات الصحيحة، لكنهما بتصرفاتهما يبقيان المخطوفين في غزة، وهذا التصرف يعني أنهما غير معنيين بصفقة، رغم أننا في الماضي، وفي عدة صفقات، كسرنا عدة قواعد مقدسة”.
ويتهم دروكر أوساطًا إعلامية واسعة في إسرائيل بـ “خيانة المهنة” بحجب مواد تصل من غزة عن حالات المخطوفين، كي تمنح القيادة هامش مناورة، ونتنياهو يستغل ذلك للزعم أنه يفعل كل شيء من أجل استعادة المخطوفين”.
ويخلص دروكر للتوقف عند الحقيقة الخفية لدى نتنياهو: “ربما يخشى نتنياهو أن هدنةً ستفتح الباب أمام زيادة الضغط السياسي الداخلي عليه للتوقف نهائيًا أو للاستقالة من منصبه، لكن كل هذه الأسباب ليست جيدة كفاية كي يتم تصليب المواقف إذا كان فعلًا مصممًا على مواصلة الحملة البرية فورًا بعد انتهاء قنال الصفقات”.
جدوى ومستقبل الحرب
ويتوافق بارنياع مع دروكر في هذه الشكوك في حسابات نتنياهو، وفي القدرة على مواصلة الحرب، بقوله، في مقاله المذكور، إن غالانت اعتقدَ أنه بعد عدة أيام من الحملة البرية ستقترب “حماس” من الانهيار، لكن غانتس وايزنكوت شكّكا بذلك، ولذا طرحا استعادة المخطوفين في صدارة الأهداف، بينما يضع غالانت والعسكر “المساس بحماس” أولًا. ويحمل بارنياع على حكومة نتنياهو بشدة، في مقال بعنوان “امتحان المخطوفين”، فيقول عن الفرق بين 1973 وبين 2023: “الفارق الموجع أنه، وقتها، كانت هناك حكومة في إسرائيل فيها وزراء احترموا بعضهم البعض، واستمعوا للمستوى العسكري، واتخذوا قرارات، ورغم الغضب والخوف اعتقد الجنود وذووهم بأن من خلفهم قيادة تعمل، لكن هذا ليس وضعنا اليوم: كل عدة أيام يظهر الثلاثي أمام الكاميرات، ويلعبون أدوارهم في العرض. نتنياهو يبدأ بخطاب حول شجاعة جنودنا ومخطوفينا الأبطال المحبوبين، خطاب فيه كل شيء عدا الصراحة والمعلومات. اللباس موحد (اللون الأسود)، لكن لغة الجسد عندهم تدلل على تباعدهم لا وحدتهم”.
منوهًا إلى أن “اللغة الخطابية لدى القيادة الإسرائيلية عالية “حربجية”، خاصة من قبل نتنياهو وغالانت، وهي “حربجية” تجاه الإدارة الأمريكية أيضًا. القاعدة الشعبية، أو ما تبقى منها، تحب أن ترى القائد يلعب دور “رامبو”.. فالأفعال تقدم على حده، وبالتقسيط، كالوقود أو الإفراج عن المخطوفين على دفعات. الأفعال تنسى، والخطابات البلاغية تبقى”.
يشار إلى أنه مع نهوض عائلات المحتجزين وكل الإسرائيليين من صدمة السابع من أكتوبر، وممارسة الضغوط أضافت إسرائيل “إعادة المخطوفين” كهدف ثان للحرب بعد أن تركزت بـ “انتزاع قدرات حماس العسكرية والسلطوية”. ولاحقًا، ومع اشتداد الضغط في الرأي العام صار بعضهم يعتبر أنهما هدفان مركزيان، بل ذهب غانتس وايزنكوت للقول، قبل أيام، إن استعادة المخطوفين تسبق الهدف الأول بتدمير “حماس”.
ويواصل المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل تأييده للسعي الحثيث، لاستعادة المحتجزين الآن، لافتًا إلى أن الصفقة المطروحة اليوم هي التي طرحت من قبل وتشمل الإفراج عن 50 من الأمهات والنساء، وربما يرتفع عددهم في نهاية المطاف.
كما يلفت أيضًا إلى أن السفير الإسرائيلي في واشنطن مايك هرتسوغ، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي جون فاينر، تحدّثا، أمس، عن تقليص الفجوات في المفاوضات، لكنهما لم يلتزما بتوقيع اتفاق”. موضحًا أن إسرائيل رفضت، أمس، مقترحًا قطريًا، وأعلنت عدم موافقتها على صفقة لا تشمل الإفراج عن كل الأمهات والأطفال، راجية أن تضغط واشنطن على الدوحة كي تقنع “حماس” بتليين موقفها، لكن العلاقات قطعت بين قطر وبين “حماس”.