أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةالضفة وغزةشؤون إسرائيلية

إسرائيل وغزة: تأمين الردع دون المواجهة الشاملة

صالح النعامي
تعد عملية تفجير العبوة الناسفة التي أسفرت، مساء أمس السبت، عن إصابة أربعة ضباط وجنود للاحتلال على الحدود الفاصلة بين قطاع غزة وإسرائيل، أكثر العمليات جدية التي تبادر المقاومة الفلسطينية لتنفيذها منذ انتهاء الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع في صيف 2014.
فحتى مساء أمس، نشطت بعض المجموعات الصغيرة في إطلاق قذائف صاروخية باتجاه المستوطنات التي تنتظم في منطقة “غلاف غزة”، حيث عادة ما تسقط هذه المقذوفات في مناطق خالية، ولا تسفر عن أضرار مادية أو بشرية، إلى جانب إقدام فصائل المقاومة بعيد الحرب على استهداف آليات للاحتلال توغلت في عمق قطاع غزة.
وحتى الآن لم تخرج ردة الفعل العسكرية الإسرائيلية على تفجير العبوة عما عكف جيش الاحتلال على القيام به من ردود على أي عمل عسكري تقوم به الفصائل والمجموعات الصغيرة في القطاع، حيث يستغل كل عملية في تبرير شن غارات تستهدف، بشكل خاص، المقدرات العسكرية لـ”كتائب عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة”حماس”، على الرغم من أن الحركة ليست مسؤولة عن العمل.

ترى تل أبيب أنه ليس من مصلحتها الدفع نحو تصعيد يفضي إلى مواجهة شاملة مع “حماس” على الجبهة الجنوبية


وينتمي هذا السلوك إلى استراتيجية “المواجهة بين الحروب”، والتي اعتمدتها إسرائيل منذ سنين طويلة، وتهدف إلى المس بالمقدرات العسكرية لقوى المقاومة الكبيرة، وتحديدا “حماس” وقضمها من أجل تحسين مكانة جيش الاحتلال في أية حرب مستقبلية ضدها.
ويبقى التحول الجديد الذي يجعل جولة التصعيد الحالية مختلفة عما سبقها من جولات حقيقة أنها المرة الأولى التي تعلن “كتائب عز الدين القسام” أنها استخدمت المضادات الأرضية في التصدي للطائرات الحربية الإسرائيلية التي أغارت الليلة على أهداف لها في أمكان متفرقة من قطاع غزة.
ومما لا شك فيه أن مستقبل المواجهة بين “حماس” وإسرائيل يتوقف على طابع تقدير جيش الاحتلال لجدية ما قامت به المضادات الأرضية للحركة.
ففي حال ارتأى جيش الاحتلال أن فاعلية هذه المضادات كبيرة لدرجة التأثير سلبا على هامش المناورة المطلق الذي ظل سلاح جوه يتمتع به في سماء قطاع غزة، فإنه سيتعامل مع هذه المضادات كسلاح كاسر للتوازن، مما يزيد من دوافع إسرائيل للقيام بكل ما يضمن تحييد أثر هذه المضادات، وهو ما يستدعي الإقدام على تصعيد كبير على القطاع.
وإدراك حركة “حماس” لحساسية إسرائيل إزاء جميع أنماط السلاح الكاسر للتوازن يجعلها لا تبادر إلى الكشف عما تمتلكه من هذا السلاح في الوقت الحالي، الذي ترى الحركة أنه غير مناسب لخوض غمار مواجهة شاملة مع إسرائيل، فهناك ما يدفع للاعتقاد أنه يحدث، حتى الآن، تحول كبير على منظومة الاعتبارات التي تؤثر على توجهات حركة “حماس”، حيث إنها تولي أهمية للجهود الهادفة إلى توفير بيئة تسمح بتطبيق اتفاق المصالحة، رغم تراكم الشواهد على تعثره.
ويمكن الافتراض أنه لا يمكن لحركة “حماس” أن تقدم على إجراءات تسهم في توفير بيئة للتصعيد في ظل وجود قيادتها السياسية في القاهرة للتباحث حول مستقبل المصالحة والترتيبات الأمنية مع الجانب المصري، وغيرها من قضايا.
ومن ناحية إسرائيل، فإن التصعيد الأخير مثل تحديا لها، حيث ترى تل أبيب أنه ليس من مصلحتها الدفع نحو تصعيد يفضي إلى مواجهة شاملة مع “حماس” على الجبهة الجنوبية، فالملاحظات التي سجلها تقرير مراقب الدولة في إسرائيل حول أوجه القصور التي اتسم بها أداء جيش الاحتلال في حرب 2014، ولا سيما السماح بإطالة أمدها لتتجاوز الخمسين يوما، سيدفع إسرائيل لاحتلال القطاع، بما يضمن إسقاط حكم حركة “حماس” هناك.
وتعي إسرائيل أنه لا يوجد حاليا طرف ثالث يمكن أن يتولى زمام الأمور في قطاع غزة بعد جولة القتال المقبلة في حال تم إسقاط حكم “حماس”، مما يعني أن مثل هذه الجولة ستفضي إلى توريط إسرائيل في القطاع إلى أمد طويل، مما يجعل ما تخسره منها أكبر مما تجنيه من عوائد.
لكن في المقابل، فإن إسرائيل تخشى أن يمس زرع العبوة، وما أسفر عنه من إصابات في صفوف جنودها، بقوة ردعها، ولا سيما بعد التصعيد الذي شهدته الجبهة الإسرائيلية السورية مؤخرا.
من هنا، فإن هناك ما يدلل على أن إسرائيل تحاول تطويق التصعيد من ناحية، وفي الوقت ذاته ضمان المحافظة على قوة الردع من خلال المسارعة إلى تسمية الجهة، التي تدعي أنها المسؤولة عن زرع العبوة الناسفة، وهي “لجان المقاومة الشعبية”، وذلك لتبرير عمليات تستهدف هذه الحركة الصغيرة نسبيا بشكل خاص، بما يحقق الردع المطلوب.
فحصر المواجهة مع تنظيم صغير يضمن عدم الانجرار إلى مواجهة شاملة، وهذا ما يفسر إعلان وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بأن التصعيد الأخير لن ينتهى ما لم تتمكن إسرائيل من تصفية منفذي عملية زرع العبوة.
وعلى الرغم من أنه لم يحدث، حتى الآن، أن ترافق التصعيد على الجبهة الجنوبية مع التصعيد على الجبهة الشمالية، فإن إسرائيل تخشى أن يسهم أي تفجير للأوضاع على الجبهة الجنوبية إلى زيادة فرص انفجار الأوضاع في الجبهة الشمالية، ولا سيما في ظل خشية تل أبيب أن يمثل اختراق الطائرة بدون طيار الإيرانية وإسقاط طائرة “إف16″ بنيران أطلقت من سورية تحولا يؤذن بتغيير قواعد الاشتباك في سورية. ومما لا شك فيه أن التحسن الكبير الذي طرأ على العلاقة بين إيران و”حماس”، وتعاظم مستوى التنسيق بين الأخيرة و”حزب الله” يثير المخاوف في تل أبيب من إمكانية انفجار مواجهة على الجبهات الثلاث: اللبنانية والسورية والغزية، في حال انفجرت المواجهة على أحدها.
على صعيد آخر، فإنه يبدو أن إسرائيل باتت معنية باستغلال التصعيد الأخير في نزع الشرعية عن المظاهرات التي تنظمها بعض الأطر الشبابية والشعبية الفلسطينية بالقرب من الحدود بين القطاع وإسرائيل للاحتجاج على الحصار، فقد ادعت إسرائيل أن من قام بزرع العبوة الناسفة استغل هذه المظاهرات واقترب من الخط الحدودي الفاصل ووضعها في علم تم تثبيته على الجدار من أجل استدراج الجنود للاقتراب منه وتفجيرها.
وستحاول إسرائيل استغلال هذه الرواية من أجل تبرير قيامها باستهداف المتظاهرين، حيث إنها تخشى أن تتطور هذه المظاهرات إلى حد قيام الجماهير باقتحام الحدود، وهو ما سيمثل تحديا كبيرا لتل أبيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى