أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

آلاف الأسر في منازل مهددة بالسقوط.. الزلزال يضاعف القلق والمخاوف شمالي لبنان

يبدو أن آثار الزالزال المدمر لن تتوقف عند جنوب تركيا أو شمال سوريا، حيث باتت الأبنية القديمة شمال لبنان مهددة بالانهيار في أي لحظة.

في طرابلس شمال لبنان وعند مدخل مبنى أثري ممهور بعبارة “انتبه خطر انهيار”، يقف أبو محمد مشغول البال على أطفاله، بعدما ارتجت المنازل القديمة وتصدع معظمها بفعل الزلزال المدمر، وهو ما ذكّر آلاف الأسر أنهم يعيشون تحت سقوف غير آمنة تقاوم السقوط في أي لحظة.

على غرار آلاف الأسر اللبنانية، يقر الرجل -العاطل عن العمل- بعجزه عن الانتقال لمنزل آمن، ويقول بعينيه الدامعتين للجزيرة نت “أشعر أن مصيرنا لن يكون أقل قسوة من ضحايا زلزال تركيا وسوريا، نخاف من العواصف والهزات والزلازل، ومنذ سنوات نناشد لإغاثتنا وترميم منازلنا، لكن بلا جدوى”.

مشاهدات الخطر

هنا تنجلي مخاطر العيش بالوحدات السكنية في الأحياء القديمة الواقعة بنطاق ما يعرف بـ”طرابلس النهرية”، حيث إطلالتها على نهر “أبو علي” الذي شهد أعنف فيضان أغرق المدينة سنة 1955.

يكفي أن نأخذ مسافة للتأمل، من الأسفل على ضفة النهر الشحيح ومن علو قلعة طرابلس، حتى نشاهد على مدّ النظر آلاف المباني المرصوصة قرب بعضها، تترامى عند انحناءات عشرات الأدراج وعلى أراض متعرجة غير مسطحة، وتضم مئات المباني ذات التصنيف الأثري.

حكايات تاريخ من الكوارث والحروب وزلزال ضرب لبنان سنة 1956، تضمرها تلك المباني بتشققاتها وانهياراتها الجزئية وآثار الرصاص والقذائف على جدرانها.

ومنذ سنوات، يرفع السكان الفقراء في هذه الأبنية الهشة -على غرار أبنية كثيرة في بيروت وضواحيها والبقاع والجنوب- صرخات الاستغاثة للمطالبة بترميم منازلهم أو نقلهم لمساكن أكثر أمانا، خاصة أن حوادث انهيارات الأبنية تتوالى، وأشهرها العام الماضي، حين تسبب سقوط سقف قديم في مقتل طالبة داخل صفها، وتهدم مبنى سكني على رأس طفلة في طرابلس، وغيرهما الكثير من الحوادث المماثلة.

لكن الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، تسببت ارتداداته القوية بلبنان بحالة من الصدمة والهلع، فأخلت مئات الأسر منازلها تحسبا من ارتفاع مخاطر انهيار المباني المتصدعة أصلا.

منذ سنوات يستغيث سكان المباني الهشة شمالي لبنان دون استجابة حكومية

أدراج الشعراني

صعودا على أدراج منطقة الشعراني المطلة على نهر “أبو علي”، يختبئ السكان الضعفاء بمنازلهم العتيقة، ويخشون من هزات قد تدمرها.

هذا ما يقلق الحاجة صباح النابلسي، التي تعيش على أدراج الشعراني بمنزل أرضي تغزوه التصدعات، ومن فوقه مبنى مؤلف من 3 طبقات، وجميع شرفاتها مثبتة بأعمدة حديدية بسبب انهيارها الجزئي.

في حيرة بالغة، تقول النابلسي، “حين ضربت الهزة الارتدادية لبنان فجر الاثنين، كان المنزل الذي نسكن فيه -منذ 40 عاما- يهتز يمينا وشمالا، سمعنا أصداء التفسخ داخل الجدران، وسقطت أكوام الحجران من شرفات جيراننا، لذلك كل ليلة نخاف أن نصحو تحت الركام مع أطفالنا، لكننا لا نملك أي بديل”.

على بُعد أمتار منها، يرافقنا محمد -طفل يبلغ 13 عاما- ليدلنا مع آخرين على سقوط أجزاء من جدران منازل كثيرة على وشك السقوط.

كراشد خبير بأحوال منطقته البائسة، يروي محمد، “سمعنا نبح كلاب الحي قبل اهتزاز الأرض، ثم هربنا للاختباء داخل مسجد قريب، لأن والدي خاف من هبوط سقف المنزل”.

في جانب آخر، تلهث سيدة على أدراج الشعراني، فتعبر عن غضبها الشديد بالقول: “انظروا للانهيارات الخارجية، هي عينة عن المخاطر داخل منزلنا، نعيش برحمة السماء، لأننا متروكون بلا دولة، وأي هزة قوية أو زلزال سيقضي علينا”.

 

تاريخ مهدد

تتميز طرابلس اللبنانية بمفرداتها العمرانية، وتبدو خليطا هندسيا من حقبات مرت عليها، كالفينيقية والرومانية واليونانية والبيزنطية والأموية والعباسية والفاطمية والصليبية، لكن معظم أبنيتها القديمة جرى إنشاؤها بالحقبتين المملوكية والعثمانية، فيما شيدت آلاف من أبنيتها بداية السبعينيات، قبل الحرب الأهلية.

لكن بفعل الفوضى، نشأت مئات الطبقات المخالفة فوق الأبنية الفريدة وقربها، ومرت عقود عليها بلا ترميم، وتشكو فئات كثيرة من أبناء هذه المساكن الخطيرة، من رفض مالكيها تكبد تكاليف الترميم الباهظة، كما أن ترميم الأبنية التراثية، يحتاج مسارا معقدا بإذن وإشراف مديرية الآثار.

ويعتبر المهندس المعماري ورئيس لجنة التراث والآثار ببلدية طرابلس خالد تدمري، أن نتيجة وقوع هزة ارتدادية في لبنان مرافقة لزلزال تركيا وسوريا، ارتفعت المخاطر الإنشائية بعشرات الأبنية من الدرجة الرابعة والثالثة إلى الأولى، وأخلي بعضها لأن الاهتزاز القوي تسبب بمزيد من التفسخ.

في أحياء طرابلس القديمة وحدها، تبلغ الكثافة السكنية نحو 100 ألف نسمة، معظمهم يعيشون بأبنية سكنية هشة أو مهددة بالسقوط، والأزمة -بحسب تدمري- هي عدم وجود بيانات رسمية حول الأبنية المهددة بالسقوط بلبنان عموما، نتيجة غياب المسوحات، وهذه مسؤولية الدولة والوزارات المعنية كالداخلية والأشغال، لأن البلديات وحدها غير قادرة على إنجاز المسح الكبير.

بعد الحرب الأهلية -وفق تدمري- نشأ بضواحي المدن المركزية كبيروت وطرابلس، عدد كبير من الأبنية غير السليمة لكنها توافق ميزانية الأسر النازحة، مؤكدا أن أي هزة أرضية بقوة تقارب 5 أو 6 درجات بقياس ريختر، كفيلة بإحداث كارثة كبيرة بهذه الأبنية.

وأوضح أن لدى بلدية طرابلس رقمًا لعينة صغيرة وغير نهائية، عن وجود نحو 400 مبنى متصدع، بينها أكثر من 63 مبنى سكنيا مأهولا يجب إخلاؤها فورا.

أرقام مقلقة

تاريخيا، يُحمّل خبراء الدولة مسؤولية عدم صوغ سياسات سكنية تضمن حماية حياة السكان، وتتولى فرض الرقابة الصرامة على عمليات البناء، وتمنع بقاء آلاف الأسر بمساكن مهددة بالسقوط، مقابل إقامة مشاريع سكنية بأسعار استثمار مدعومة للأسر الفقيرة.

ويشير مهندس التخطيط المدني يوسف عزام إلى “رقم افتراضي” غير نهائي بشأن 16 ألفًا و200 مبنى آيلة للسقوط بلبنان، يتمركز حوالي 10 آلاف و460 منها في بيروت وضواحيها، وتليها محافظة الشمال التي رصدوا فيها نحو 4 آلاف مبنى، وباقي الأبنية بالبقاع وجبل لبنان والجنوب.

عزام الذي يشغل رئاسة جمعية “شبكة سلامة المباني” غير الحكومية، يوضح أن هذا الرقم عينة فقط، لأن هناك آلاف المباني غير المشمولة بالضواحي وأحزمة المدن والمخيمات، لافتا إلى أن لبنان يعد متوسط الخطورة من ناحية تأثره بالزلازل.

قوانين منظمة

في سنة 2013، صدر مرسوم السلامة العامة، وجرى تعديله لاحقا لفرض مزيد من الشروط على عمليات البناء، لكن معظم الوحدات السكنية في لبنان، وبمعدل 95% تم بناؤها قبل 2013، وتشهد نسبة كبيرة منها تصدعات لأن مواد البناء فيها غير مطابقة لمواصفات السلامة العامة، أو بسبب الحروب التي مرت عليها.

لذلك يدعو تدمري السلطات اللبنانية إلى أن تتعامل مع زلزال تركيا كصفارات إنذار، بشأن خطر داهم يهدد حياة عشرات الآلاف من سكان لبنان في الأبنية الهشة، وهذا يتطلب خطة وطنية شاملة ودراسة كاملة لواقع الأبنية، وتوفير البديل للأسر التي تنام تحت سقوف غير آمنة.

المصدر: الجزيرة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى