دولة الـــــشريعة..
صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
صدر مؤخرًا، كتاب مهم يتناول الصيرورة السياسية للتيار الديني الصهيوني وأهدافه المخفية الساعية لتأسيس دولة الشريعة من خلال سياسات التغلغل البطيء إلى مفاصل الحكم والجيش وأجهزة الأمن. وكشف الكتاب عن وجود تصورات مكتوبة عبر صيرورة زمنية راكم فيها هذا التيار الأحدث ليصل إلى مرحلة المباشرة في السيطرة على مقاليد الحكم.
“الثورة الثالثة: أصول النظرية المسيانية الساعية لتحويل إسرائيل إلى دولة يهودية تحكمها الشريعة وسبل تذويت قيمها”. عنوان كتاب صدر مؤخرًا للمحامي يائير نهورئي، فكك فيه التيار الصهيوني الديني، وحتى لا يقع تحت ضغوط دور النشر، نشر كتابه على نفقته الشخصية، حتى لا تُحذف فقرة واحدة مما أورده في كتابه خاصة وانه اعتمد في كتابه على المواد الشفوية (محاضرات) الصادرة عن قيادة التيار خاصة ما صدر عن المدرسة الدينية التابعة لجمعية “بني عيلي” الواقعة في مستوطنة “عيلي” وتتمول المدرسة من الجيش الإسرائيلي، ولها موقعها على الشبكة العنكبوتية، وهي مدرسة دينية تقوم بتهيئة طلابها لمرحلة الخدمة العسكرية. أمَّا الإضافة الثانية للكتاب، فهي تقديمه العشرات من الوثائق والبيانات التي تؤكد نظريته التي يزعم فيها أنَّ التيار الصهيوني الديني يسعى للسيطرة على الحكم وتأسيس دولة تحكم بالشريعة، ومن أجل تحقيق هذه الغاية عملت الصهيونية الدينية على التغلغل في مفاصل الدولة وعلى التغلغل في حزب الليكود ليكون حصان طروادة الذي سيوصلها إلى تلكم الغاية.
وفقا للكتاب، فقد اعتمد التيار “الصهيوني الديني” مخططًا استراتيجيًا منذ نهاية السبعينيات، يرمي إلى التأثير على الوعي والمزاج العام الإسرائيلي، وصولًا إلى لحظة اختراق الوعي الإسرائيلي وراكم مخططاته حتى هذه اللحظات.
في حقيقة الأمر فإنَّ التيار الديني الصهيوني تغلغل عميقًا في شرايين الدولة، وأضحى رقمًا صعبًا ليس في المعادلات السياسية كما يتضح من خلال المفاوضات الجارية مع الليكود لتشكيل الحكومة، بل وفي كافة شؤون الحياة، بل بات الكثير من الإعلاميين والصحافيين الإسرائيليين يميلون إلى فكر الصهيونية الدينية دون انتساب إليها ويعتقدون بصحة طروحاتها، ومعلوم تماثل معظم الشباب الإسرائيلي مع أفكارهم، بل، ونجح هذا التيار في خلق حالة من التماهي بين معظم أفراد المجتمع الإسرائيلي وطروحاته دون أن يشترط وجودهم داخل مؤسساته التنظيمية والاستيطانية. ومع تراجع العلمانية داخل المجتمع الإسرائيلي لصالح تيارات محافظة، فإنَّ مستقبل هذا التيار في تحقيق سياساته باتت طريقه مفتوحة بعدئذ نجحت في الوصول إلى حكومة يمينية قيد التشكل فيها، ستؤسس سلطة مهمتها الحفاظ على القيم والأخلاق والهوية اليهودية ومحاربة ومواجهة الشذوذ الجنسي.
دولة الشريعة لم تكن وليدة اللحظة الانتخابية الأخيرة، بل هي عملية فكرية راكمها الحاخامات في مدارسهم ومواعظهم وتغلغلت ببطء شديد إلى كافة مكونات المجتمع الإسرائيلي، وبات الالتزام الديني مسألة مقبولة في الحياة العامة وتعود جذورها إلى الأصول التأسيسية للصهيونية الدينية وإلى الأصول التأسيسية للحاريدية الصهيونية التي تشكلت راهنًا في انتخابات الكنيست الأخيرة، حيث جمعت حركات وأحزابًا تنتمي إلى هذا التيار مع اختلاف طفيف في التصورات لا يُذكر.
إذا كان الراب كوك قد قدَّم نظريته الشهيرة في عشرينيات القرن الماضي، القائلة إنَّ الأحزاب والتيارات العلمانية الساعية لإقامة إسرائيل هي أدوات لتحقيق الأهداف الدينية، أي أنها جزء من منظومة الأقدار التي سخرَّها الله لعودة اليهود إلى “وطنهم”، فإنَّ احتلال عام 1967 أمدَّ تلكم النظرية الكوكية بالقوة والمصداقية من جهة، وفتح الأبواب مُشرَّعة لاستمرار الاستيطان الصهيوني في الأرض “المحررة”، من جهة أخرى. ولقد كان للحكومات العمالية الفضل الكبير في تعزيز وتعظيم مكانة هذا التيار الذي مضى وفقًا لمخططات رسمها قادته منذ سبعينيات القرن الفائت، وشكَّلت حركة “غوش امونيم” رأس الحربة الاستيطانية في الضفة الغربية لنصل إلى هذه اللحظات التي يعربد فيها المستوطنون مع مليشيات عسكرية تقتل يوميًا من الفلسطينيين تحت حماية عسكرية، ويؤمنون بأن قتل العربي مسألة شرعية يثابون عليها باعتباره مُغايرًا ومحتلًا، ومن ثم فالقتل اليومي للفلسطينيين في الضفة الغربية تحت لافتة مواجهة الإرهاب مُبارك ليس فقط من التيار الديني الصهيوني كأيديولوجية وممارسة سياسية، بل ومن المنظومة الأمنية والعسكرية المتماهية مع هذا التيار.
ومن قبل نشر موقع “واي نت” الاخباري تقريرًا عن الجنود الذين يخدمون في المناطق المحتلة عام 1967 وشغفهم في التنكيل بالفلسطينيين وقتلهم، موضحًا أنَّ الغالبية الساحقة منهم تنتمي إلى تيار الدينية الصهيونية المُشَبع بكراهية العرب والمسلمين والفلسطينيين.
التيار الديني الصهيوني ماضٍ للوصول إلى لحظة الدولة اليهودية التي تحكم بالشريعة ومعهم الغالبية الساحقة من اليمين الإسرائيلي المحافظ والمتدين، ولذلك يسعى هذا التيار لاختراق المدن والبلدات اليهودية عبر إنشاء بؤر توراتية تمولها المؤسسة الحاكمة عاملة على تحقيق تغيير ثقافي وتربوي بطيء، ولكنه سيؤدي إلى تحقيق هدفهم المنشود.