حرب حزيران 67.. استسلام العرب في 6 أيام وصمود غزّة منذ أكثر من 600 يوم

الإعلامي أحمد حازم
حرب الخامس من حزيران التي شنَّتها إسرائيل عام 1967 على ثلاث دول عربية (مصر، الأردن وسوريا) والتي انتصرت فيها على جيوش تلك الدول. تفنّن العرب واجتهدوا في إيجاد أوصاف لهذه الحرب، التي كانت ولا تزال وصمة عار على جبينهم.
فمنهم من قال عنها (نكسة) ومنهم من وصفها بـ (نكبة). أمّا إسرائيل فقالت عنها (حرب الأيام الستة). ومهما تنوعت الأوصاف، فهذه الحرب هي في حقيقة الأمر هزيمة مخزية للعرب وليس فقط للدول الثلاث التي هزمتها إسرائيل واستولت على أراض منها في تلك الفترة الزمنية التي مضى عليها 58 عامًا.
الخاسر الرئيس في تلك الحرب كان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي اقتربت الشعوب العربية من جعله “أسطورة؟!” للثقة التي منحوها له، بسبب قدرته (الكلامية فقط) على كسب قلوب الملايين في الوطن العربي، لدرجة وصلت بهم المبالغة الى الحديث عن وجود صورته في القمر عند اكتماله.
لكن هذه الصورة تلاشت عقب هزيمة عبد الناصر مطأطئ الرأس في حرب حزيران بعد أن خيّب آمال العرب من المحيط الى الخليج.
في تلك الفترة، كان الصحفي محمد حسنين هيكل يُعتبر “البوق الإعلامي” لعبد الناصر. فبعد الهزيمة المُرّة لجيوش الدول العربية الثلاث أمام إسرائيل في حرب حزيران عام 1967، اختار هيكل، وصف ما جرى بـ “النكسة”، معتبرًا أن ما حدث، هو مجرد “كبوة؟!” للأُمّة العربية، لا هزيمة ساحقة ستبقى تدفع ثمنها منذ 58 عامًا وإلى اليوم. اختيار هيكل لكلمة نكسة جاء هربًا من استخدام كلمة (هزيمة) وأيضًا من باب “التقليل من أهمية الحدث لفظًا” رغم أنه عمليًا مصيبة حلّت بالعرب.
ويبدو أن هيكل نسي (أو تناسى خدمة لعبد الناصر) أنَّ الفرق كبير بين النكسة والهزيمة. وعندما. تستولي إسرائيل خلال ستة أيام فقط على قطاع غزة والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان، مما تسبب بنزوح أكثر من 500 ألف عربي، وتكبد الجيوش العربية خسائر بشرية وعسكرية فهذه ليست نكسة، بل هزيمة نكراء لحقت بالدول العربية.
المحلل السياسي طه اغبارية له موقف مغاير تمامًا لهيكل. ففي مقال له في هذا المنبر في الحادي عشر من يونيو/حزيران عام 2022 يقول اغبارية: “النكسة هي لتمويه الهزيمة كمًا ونوعًا، لتبدو عثرة سرعان ما يتم تجاوزها بأقل قدر من النقد والمراجعة وأن تلك الحرب نقطة تحول مفصلية في الصراع العربي الإسرائيلي، غيرت موازين القوى والمعادلات الجيوسياسية”. يقولون أيضًا (وهذا كذب طبعًا) إنَّ حرب حزيران هي (نكبة).
والنكبة يا سادة هي التهجير القسري الجماعي والطرد بقوة السلاح كما حصل عام 1948 حيث طُرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من ديارهم وتحولوا للاجئين، بينما الهزيمة هي خسارة أمام الآخر.
التبعات السياسية والجغرافية لهزيمة حزيران 67 التي تمر ذكراها الـ 58 هذه الأيام، لم تنته بعد، حيث تواصل إسرائيل احتلال الضفة الغربية، وتشنّ حربا على قطاع غزة، إلى جانب ضم القدس والجولان، والمضي في المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية ولا سيما حول القدس.
الفلسطينيّون هم الأكثر ضررًا من حرب حزيران. فقد تهجّر منهم نحو 300 ألف مواطن من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة؛ معظمهم نزح إلى الأردن. وكما يقول المثل الشعبي “ربَّ ضارة نافعة”.
هذه الهزيمة العربية التي أصرَّ هيكل طوال حياته الصحفية تسميتها نكسة. إلا أن الشعب الفلسطيني ورغم المصيبة استطاع تحدي الهزيمة وإطلاق الثورة الفلسطينية جهرًا بعد أن كانت محظورة من الأنظمة العربية واستعاد من خلالها الهوية الفلسطينية وحقق اعترافات بمنظمة التحرير.
الفلسطيني في عام 1967 ليس الفلسطيني حاليا. فقد برهن للعالم انه لن يتراجع ولن يتخلى عن حقوقه رغم نكران اسرائيل حتى لوجوده. ففي مقابلةٍ مع صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية في الخامس عشر من يونيو/حزيران 1969، ذكرت رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك غولدا مائير، ردًا على سؤال للصحفي البريطاني فرانك غيليس، حول ظاهرة الفدائيين الفلسطينيين، أنّه: “لا وجود لشيء اسمه الشعب الفلسطيني”.
لكن السنين التي مرّت بعد ذلك أظهرت إرادة هذا الشعب في البقاء، وإجبار إسرائيل على التفاوض معه. تستطيع إسرائيل التعامي عن وجود الشعب الفلسطيني ونكران حقوقه، لكنها لا تستطيع نفي وجود هذا الشعب بوصفه “لا شيء”، أو بوصفه مجرّد “حيوانات بشرية”، كما صرّح وزير الأمن الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، قبل فترة.
“نكسة هيكل” صنع منها الفلسطيني ثورة وصمودا من أجل الحرية والحقوق لا تزال حديث العالم، وقطاع غزة خير مثال على ذلك. فبالرغم من الحرب الإسرائيلية عليه وبدعم أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول والمستمرة منذ أكثر من ستمائة يوم، لم يستسلم القطاع ولم يرفع الراية البيضاء. بينما جيوش ثلاث دول عربية لم تصمد أمام إسرائيل وحدها سوى ستة أيام.