أخبار رئيسية إضافيةمقالاتومضات

حرق المصحف، المستوطنون، والكنيست

توفيق محمد

 

أقدمت مجموعة من المستوطنين في البلدة القديمة من مدينة الخليل صباح يوم الإثنين الفائت، على إحراق وتمزيق نسخ من القرآن الكريم وإلقائها في حاوية نفايات، ما يعتبر خطوة تصعيدية على مستوى عال ومتقدمة جدا في الشعور بالاستعلاء والحماية من قبل المؤسسة الرسمية.

لم تكن هذه القطعان السائبة تجرؤ على هذا الفعل يوم كان شعبنا الفلسطيني غير ملاحق من قبل السلطة الفلسطينية ذاتها في مسعى لتحويل حراكه الى حراك “شمينت”، ولم تكن هذه القطعان تجرؤ على هذا الفعل قبل أن تسمع مسؤولا فلسطينيا كبيرا يصف أمهات الشهداء بالشاذات، ولم تكن هذه القطعان الفالتة تجرؤ على هذا الفعل قبل أن تجد من يتوسل قادتها للاجتماع بهم لإقناعهم بشرعيته السياسية لدعم حكومة يمين كامل (ימין מלא) في دولة لا تقيم لشرعية الانتخاب وزنا ما لم يقر هذا المُنتخَب بيهودية الدولة ويستنكر الإرهاب وفق المفهوم الصهيوني له، بل إن من لم يقر بيهودية الدولة لا يحق له الترشح.

ولم تكن هذه القطعان الداشرة تجرؤ على هذا الفعل، قبل أن تجد الحماية الكاملة والتامَّة من قبل أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، حيث جميعها توفر الحماية لهم إزاء أي شذوذ من شذوذهم القبيح، سواء كان قلع أشجار الزيتون لأبناء شعبنا، أو تخريب ممتلكات، أو الاعتداء عليهم ضربا، أو قتلا، أو الاعتداء على مقدساتنا، وكل ذلك تجد له أجهزة الدولة المختلفة تبريرات ومسوغات قانونية لتبرئة سوائبهم الداشرة من الفعل القبيح، بل وإلحاق التهمة بالضحية، تماما كالذي كان في أعقاب مجزرة الحرم الإبراهيمي التي نفَّذها المجرم باروخ غولدشتاين الملهم الروحي لهذه القطعان الداشرة في ليلة النصف من رمضان، يوم دخل الحرم الإبراهيمي خلال صلاة الفجر وأطلق النار على المصلين الصائمين وهم ساجدون، فكانت النتيجة 29 شهيدا، وكانت نتيجة التحقيق الذي أجرته الحكومة الظالمة في أعقاب هذه المجزرة تقسيم المسجد الإبراهيمي بين المسلمين واليهود.

في العام 1997 رسمت المستوطنة اليهودية تاتيانا سوسكين صورة أساءت فيها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان رد الفعل حينها، لما كانت الحركة الاسلامية ما تزال غير محظورة، مظاهرة جبارة جدا شارك فيها عشرات الآلاف في مدينة الناصرة، حملت العديد من الرسائل وراكمت النضال المستمر ضد سياسات الظلم والاضطهاد والعنجهية، وشكَّلت ردعًا لهؤلاء المتطرفين من التمادي في اعتداءاتهم، ولذلك لما حوكمت تاتيانا حكم عليها بالسجن لمدة ثلاث سنوات واحدة مع وقف التنفيذ واثنتان فعليتان، صحيح أن الجرم يستحق أكثر من ذلك بكثير، لكن من المهم التأكيد انه حصلت إدانة وعقاب، ولا شك أن للنشاط النضالي القدرة في التأثير على متخذي القرار.

قد يقول البعض إن التمادي في الاعتداء على قضايا شعبنا الإنسان والعقيدة والوطن، مرده إلى زيادة قوة المتطرفين في المجتمع اليهودي والتشجيع الرسمي لهم، من قبل الأذرع الرسمية: التشريعية (الكنيست) والتنفيذية (الشرطة والنيابة) والقضائية، ففي الأولى هناك أغلبية من المشجعين والمطبلين والمدافعين عن هؤلاء، وفي الثانية هناك سياسة رسمية بعدم محاكمة المعتدين من اليهود، وما قضية قتل الشهيد موسى حسونة من اللد عنا ببعيد (قتله مستوطن معروف الهوية ما يزال حرا طليقا وترفض الشرطة والنيابة محاكمته رغم مرور قرابة عام ونصف على الحدث)، وفي الثالثة إن حصل وتم تقديم لائحة اتهام، فالنتيجة إما براءة، أو أحكام مخففة وهي رسالة تشجيع للمعتدي القادم وهذا كله صحيح، ولكن هناك صحيح آخر لا يمكن التغاضي عنه، وهو التمادي في التوسل إلى كل هؤلاء بقبول العرب جزءا من المعادلة السياسية وفق هذه التشكيلة بحجة التأثير، قسم يدعي التأثير بكرامة (كرامة دعم حكومة بقيادة غانتس أو لبيد تحت ظلها تم قتل العشرات من أبناء شعبنا والاعتداء على مقدساته والكثير من الموبقات كما لم يكن من قبل)، وآخر يدعي أنه “الأقرب” في إشارة لكونه قريب من أولئك الظلمة (جزء من الائتلاف الحكومي) حيث تتشكل سياسة الإعدامات الميدانية لأبناء شعبنا ولأنه يأمل أن يكون جزءا من ائتلاف قادم (كما كان في المنتهي) وقد ذهب بعيدا لدرجة التوسل بقبوله جزءا من ائتلاف يميني مليء يكون بن جفير وسموطريتش جزءا منه لكن سموطريتش وبن غفير وآباؤهم الروحانيين من الكهنة رفضوهم ولو بثمن خسران الحكم لصالح حكومة بينيت لبيد.

في ظل واقع كهذا ينحصر فيه “النضال” من على الكراسي الوثيرة والمناكفات الكلامية من على منبر الكنيست بين بن غفير وجوقته و”المناضلين” الكنيستيين، فإنَّ هذه الاعتداءات تكون ونمر عنها كيفما كانت.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى