أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

صبرا وشاتيلا.. من أبشع المجازر في التاريخ الإنساني

40 عامًا مرت على جريمة يندى لها الجبين، وما تزال السطور توثق أجزاءً من تفاصيلها المرعبة وآلامها التي لا تزال متجذرة في الوجدان الفلسطيني منذ اللحظة الأولى لارتكابها وحتى الآن.

في أيلول الأسود وفي اليوم السادس عشر منه، وعلى مدار3 أيام، كانت المذبحة في مخيم صبرا وشاتيلا غرب العاصمة اللبنانية بيروت، ومعها انتهكت كل الحرمات، ومورس بحق الأبرياء كل ألوان القتل والإرهاب.

نهاد سرور المرعي المسكونة رعبًا مما شاهدته من مشاهد أليمة تحدثت بألم وحسرة عن فقدانها معظم أفراد عائلتها وكيف تناثر دماغ شقيقتها الطفلة شادية، التي أكملت عامها الأول قبل شهور من المجزرة وفارقت الحياة وهي تنادي “ماما ماما”.

وتروي نهاد ما حدث: “حاولت أن أحمي شادية وألا أدع صوتها يلفت انتباه القتلة، بعد أن طلب إلينا أفراد الميليشيا التي اقتحمت الحي، أن نقف ووجوهنا الى الحائط”.

وتابعت: “ولكنهم باغتونا بإطلاق النار، فقتل على الفور أبي وأشقائي شادي ونضال وفريد، وأصبت أنا ووالدتي في الظهر، كما استشهدت جارتنا ليلى التي كانت حاملاً في الشهر التاسع، قتلوها بطريقة وحشية دون أن يرف لهم جفن أو يرأفوا بحالها وحال جنينها، وبقيت أحضن شادية حتى توقف قلبها الصغير عن الخفقان، وفارقت الحياة”.

وتضيف نهاد: “استمر إطلاق النار في المخيم، وكان يُسمع بوضوح صراخ الأهالي، وبكاء الأطفال، واستغاثات النساء، وأزيز الرصاص الغادر، في حين بدأت القنابل المضيئة تنير سماء المنطقة وكأن المسرح يُحضر للجريمة الكبرى”.

“مشيت أنا ووالدتي في الأزقة والحارات، نبحث عن ممر آمن يخرجنا من هذا الجحيم، وكنا نرى الجثث في الطرقات، وآثار البطش والتنكيل بادية على أجسادهم، فوصلنا أخيراً إلى مستشفى غزة، وكان المكان مكتظاً بالنساء والأطفال والشيوخ، والكل في حال انهيار مما شاهده من قتل وإرهاب وهمجية بحق أبناء صبرا وشاتيلا والجوار”.

تتابع نهاد: “تمت معالجتنا أنا ووالدتي من الإصابات وخرجنا بعدها، لأنني لم أكن أريد أن أبقي لمدّة أطول في المستشفى؛ خوفاً من قدوم القتلة والميليشيات المجرمة لاستكمال جريمتهم، فذهبنا إلى منطقة الفاكهاني، ومن ثم إلى منزل خالتي في منطقة الظريف، حيث صدمنا بأنها كانت تؤوي حوالي 20 فرداً من العائلة، منهم شقيقاي ماهر وإسماعيل، اللذان طلب منهما والدي قبل بدء المجزرة الخروج من المنطقة تحسباً لأي طارئ”.

ظنت نهاد أن ماهر وإسماعيل الذي استشهدا لاحقاً في العام 1990، وشقيقتها سعاد، قد قتلوا في المجزرة، وفقدت الأمل بلقائهم مرة أخرى. اختبأ ماهر وإسماعيل عند المفتي حسن خالد، واعتنى بهما ووفر لهما مكاناً آمناً، أما سعاد فقد أصيبت إصابات بليغة في قدميها، وفقدت القدرة على الحركة ثم أصيبت بالشلل بعد ذلك، ونقلت خارج لبنان لتلقي العلاج، وما زالت تعيش في بلجيكا، وهي أحد الشهود الأحياء على هول ما اقترفته الميليشيات المتواطئة مع الكيان الإسرائيلي بحق أبناء صبرا وشاتيلا.

بدء المجزرة

ووفق روايات من شهدوا المجزرة فإنها بدأت قبل غروب شمس السادس عشر من أيلول 1982، عندما فرض جيش الاحتلال حصارا مشددا على المخيمين، ليسهّل عملية اقتحامهما لمليشيا حزب الكتائب اللبناني المسيحي اليميني بالإضافة لمليشيا جيش لبنان الجنوبي بقيادة سعد حداد.

واستيقظ لاجئو مخيمي صبرا وشاتيلا على واحدة من أكثر الجرائم إبادة ودموية بإشراف ثلاث شخصيات رئيسة هي: أرييل شارون، ورافائيل إيتان وإيلي حبيقة، والتي لم يسلم منها حتى الطفل الرضيع.

وشكلت صدمة في العالم لبشاعة ما جرى من قتل بدم بارد وتدمير، ولم يسلم منها الطاقم الطبي حيث قُتل ممرضون وأطباء فلسطينيون في مستشفى عكا.

وتضاربت الأرقام بشأن عدد ضحايا المجزرة، لكن تقديرات تتحدث عن 3500 رجل وامرأة وطفل قتلوا خلال أقل من 48 ساعة في 16 و18 أيلول عام 1982 من أصل 20 ألف نسمة كانوا يسكنون صبرا وشاتيلا والجوار وقت حدوث المجزرة.

وقعت المذبحة بعد يومين من اغتيال بشير الجميل، وبدت كأنها انتقام لمقتل الجميل الذي كان زعيما للمليشيات اليمينية المتعاونة مع الاحتلال الإسرائيلي وشاركت في مذابح السبت الأسود، ومجزرة الكرنتينا، ومجزرة تل الزعتر، حيث قُتل المئات من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين.

ألوان القتل

وفي مشهد إجرامي آخر، يعود الحاج منير الحاج علي (60 عامًا) إلى 40 سنة، يوم ارتكبت مليشيات لبنانية متطرفة بحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت المنفذ الرئيس للمجزرة.

يقول الحاج علي: “يوم السادس عشر من أيلول في عام 1982م، في ساعات المساء سمعنا إطلاق نار كثيف في أرجاء المخيم بعد حصار إسرائيلي مشدد. خرجنا لنستطلع الأوضاع، رأينا مسلحين يهاجمون المخيم ويتلفظون بألفاظ نابية، ويطلقون الرصاص في أنحاء متفرقة”.

وأضاف أن المسلحين كانوا يستهدفون بالرصاص كل شيء. نزلت من أعلى المنزل لأخبر أهل بيتي بأن هناك هجومًا على المخيم.

بدأ الناس بالهروب كأنها القيامة، الكل يهرب من شدة الرصاص والقذائف التي تطلق على المخيم، في حين كان جيش الاحتلال يطلق قنابل مضيئة ليلا في سماء صبرا وشاتيلا، لتأمين الإضاءة للقتلة.

يقول الحاج: أصيب أخي الأصغر محمود، وذهبنا به ركضا لمستشفى غزة وهناك، لاحظنا أحد عناصر المليشيات وأطلق علينا النار مباشرةً، فقد أصبت بساقي، وأصيب أخي محمود مرة أخرى ما أدى لوفاته على الفور.

ومن اللافت في إجرام المليشيات أنها كانت تختطف الفتيات في مقتبل العمر، ويغتصبونهنّ، ويعدمونهن بدم بارد، وفق شهادة الحاج علي.

يقول: لم يتركوا شيئًّا محرمًا إلا اقترفوه؛ بقروا البطون، وذبحوا الأطفال، وحرقوا المنازل على ساكنيها.

يؤكد أنه شاهد بأم عينه عناصر من المليشيات وهي تقتحم المنازل، وتقتل من فيها، ومن ثم تحرقها، فهناك من يموت بالرصاص، وهناك من يموت حرقًا في مشاهد مرعبة.

وأوضح أن المليشيات كانت تجمع الشبان في الأحياء المختلفة، ومن ثم تطلب منهم الاصطفاف على الجدران، ومن ثم تطلق عليهم الناس، وتعدمهم بدم بارد، أمام أعين أمهاتهم وآبائهم، الذين لم يسلموا أيضا من حقد القتلة.

وفي شهادات أخرى، أفادت بأن المليشيات كانت تقتل النساء الحوامل عبر طعنهن في بطونهن، كما أن المليشيات كانت تجمع الناس وتجبرهم على الرقص ومن ثم تقتلهم.

ضمن مخطط مسبق

رأفت مرة، رئيس جهاز العمل الجماهيري في حركة حماس بمنطقة الخارج، يقول: مجزرة صبرا وشاتيلا تأتي في سياق المخطط الإسرائيلي، ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وتصفية قضية اللاجئين.

وأكد، أن المجزرة استكمال للمخطط الإسرائيلي بارتكاب المجازر لإرهاب الشعب الفلسطيني وكسر مقاومته، وهي امتداد للمجازر في دير ياسين، وكفر قاسم والطنطورة وغيرها.

وأوضح أنها ارتكبت بتخطيط مسبق ضمن تفاهم إسرائيلي مشترك مع حزب الكتائب اللبنانية، والقوات اللبنانية، والذي يهدف لاحتلال بيروت وطرد الثورة الفلسطينية، والقضاء على المخيمات الفلسطينية في قلب العاصمة.

وتابع: هناك تصريحات لمسؤولين في الكتائب اللبنانية منهم بشير الجميل، كان يتحدث دوما عن تدمير مخيمات اللاجئين في بيروت وتحويلها إلى حدائق.

وأكد مرة أن الاحتلال ارتكب المجزرة، وكل القيادة السياسية ممثلة بمناحيم بيغن، ووزير الحرب آنذاك أرئيل شارون، والقيادة العسكرية ممثلة برفائيل إيتان وكل الضباط الأركان والمسؤولين العسكريين الذين شاركوا باجتياح لبنان وصولا لاحتلال بيروت في أيلول 1982.

وأشار إلى أن الاحتلال وفر الدعم العسكري والقنابل المضيئة والحصار المحكم على صبرا وشاتيلا، وهاجمت القوات اللبنانية ومليشيا جيش لبنان الجنوبي جماعة سعد حداد، المخيم منذ 16 أيلول وحتى 19 أيلول 82، استخدم فيها كل أنواع القتل والإبادة.

كما أشار إلى نقطة في غاية الأهمية، أنه عندما انسحبت الثورة الفلسطينية من لبنان في آب 1982م، جرى توافق دولي لانسحاب الثورة وحماية المخيمات في بيروت، وهذا شجع اللاجئين الفلسطينيين الذين تركوا مخيماتهم إلى العودة لها، ومنها مخيم صبرا وشاتيلا، والذين عادوا وهم كبار السن والنساء والأطفال.

وأكد مرة أنه ليس صحيحًا أن يكون ما جرى في صبرا وشاتيلا هو استهداف للوجود المسلح، فمن خلال التفاهم مع القوات الدولية لم يكن هناك وجود مسلح في صبرا وشاتيلا، وكانت الثورة وقتها قد غادرت بيروت.

وقال: مجزرة صبرا وشاتيلا ما زالت في الذاكرة ومحفورة في التاريخ المقاوم وتاريخ الصمود، ونحمل الاحتلال المسؤولية عن هذه المجزرة فهو الذي خطط ودبر ونفذ، ونحمل مليشيا الكتائب وما يسمى بجيش لبنان الجنوبي المسؤولية كذلك عن المجزرة، كل ما جرى معروف بالوقائع وكل أسماء الضباط معروفة.

وأضاف أن المخيم ما يزال موجودًا، والفلسطينيين في لبنان يحملون هم قضيتهم، ومتمسكون بالهوية، ويدعمون مشروع المقاومة حتى العودة إلى فلسطين.

وأكد أن مجزرة صبرا وشاتيلا لم تكسر إرادة الشعب الفلسطيني في لبنان.

ثبرا وشاتيلا

 

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى