أخبار رئيسيةمقالاتومضات

تواصلا مع الجذور

الشيخ رائد صلاح

(قصص ومأكولات من التراث الفلسطيني) هو اسم كتاب من تأليف الأخ محمود دعدوش، والأخ محمود دعدوش هو من مواليد مدينتي أم- الفحم، وقد مضى عليه من عمره قرابة السبعين عاما، وقد برع في مسيرة حياته بفن الطهو وابتكار أصناف من الطعام، مما أهله أن يشارك في مسابقات عالمية في هذا الفن، وكان من أصحاب السبق في هذه المسابقات، وإلى جانب ذلك كان غيورا على حفظ التراث الفلسطيني وما حوى من قصص شعبية ومأكولات شعبية، فطوّع مهارته في فن الطهو لتوثيق هذا الجانب من التراث الفلسطيني كي لا يضيع، أو كي لا يسرقه غيرنا وينسبه إلى نفسه، فمن منا لا يعرف أن (مناقيش الزعتر) هي من مطبخ تراثنا الفلسطيني؟! ومن منا لا يعرف أن (الحمص والفلافل) هي من مطبخ تراث الشام ونحن جزء منه؟! ومن منا لا يعلم أن (طبخة العكوب) و(طبخة المقلوبة) و(طبخة المحاشي… الخ) هي من صميم مطبخ تراثنا الفلسطيني؟! ومع ذلك فها هم البعض يحاولون سرقة هذا التراث، والادّعاء أن كل هذه الأصناف من المعجنات والطعام هي من انتاج تراثهم!! وهذا يعني أن تراثنا بات مستهدفا، وأن دلالات هذا التراث باتت مستهدفة، وهذا يعني أن محاولة البعض مصادرة هذه الأصناف من الطعام ثم الادعاء أنها من انتاج مطبخ تراثه لا تقف عند حدود مصادرة مذاق هذه الأصناف من الطعام ومصادرة مكوناتها النباتية، بل سيتبع ذلك الادعاء أن نبتة (العكوب) أو (الزعتر) أو (الكوسا) أو (الباذنجان) أو (القنبيط) ليست نباتات فلسطينية، بل هي نباتات إسرائيلية،!! وكأن أرضنا المباركة لم تعرف هذه النباتات إلا بعد نكبة فلسطين!! وكأن أجدادنا لم يعرفوا في يوم من الأيام نبتة (العكوب) ونبتة (الزعتر) ونبتة (اللوف) ونبتة (الجعدّة) ونبتة (الحويرة)، وكأن أرضنا كانت أرضا بلا نباتات، وكانت هناك نباتات بلا أرض، فاحتاجت تلك النباتات إلى أرضنا كي تحافظ على وجودها!! وهو ما يشبه مقولة المشروع الصهيوني: (نريد أرضا بلا شعب، لشعب بلا وطن)، وهكذا فإن هذه المقولة الصهيونية الأخيرة تولّد- تلقائيا- صراعا على نباتات هذه الأرض وعلى هويتها، وعلى طيور هذه الأرض وعلى هويتها، وعلى مقدسات هذه الأرض وعلى هويتها، وهكذا فإن هذا الصراع برز في أحد ميادينه صراعا على أصناف الطعام؟! وهذا يعني أن توثيق هذه الأصناف من الطعام على حقيقتها أي على اعتبار أنها من مطبخ تراثنا الفلسطيني يعني لنا ولكل أهل الأرض الشيء الكثير. ورحم الله تعالى أخي المرحوم عاصم صلاح أبو شقرة الرسام العالمي الذي بنى بفرشاته وألوانه مدرسة إبداع في لوحاته الكثيرة باتت تُعرف بمدرسة (الصبّار)، فما إن تألق هذا الإبداع، وما إن بدأت لوحاته تطوف صالات العرض الشهيرة في العالم، وإذا ببعض الأقلام من المجتمع الإسرائيلي هبّت فجأة تحاول فرض الادعاء أن (الصبّار) هو نبتة إسرائيلية، وهذا يعني- في حساباتهم- أن مدرسة (الصبّار) التي أبدعها المرحوم عاصم في لوحاته هي مدرسة (الصبّار) الإسرائيلية. وهكذا تتسع دائرة الصراع على (مناقيش الزعتر)، وتتحول إلى صراع في ميدان الرسم إلى جانب الصراع في المطابخ وعلى موائد الطعام، والصراع حول هوية النباتات والطيور والمقدسات، مما يعطي قيمة نوعية لهذا الكتاب (قصص ومأكولات من التراث الفلسطيني) من تأليف الأخ محمود دعدوش، ولذلك أنا- شخصيا- أشكر صاحب هذا الكتاب الذي أهداني نسخة منه، وأدعو جميع الأهل إلى اقتناء هذا الكتاب، وتخصيص وقت لمطالعته، وأدعو الجميع إلى حضور احتفالية إشهار هذا الكتاب التي ستقام في المكتبة العامة في مدينتي أم- الفحم بتاريخ 2/7/2022 الساعة الخامسة بعد العصر.

وعندما تصفحت هذا الكتاب لفت انتباهي أن صاحب هذا الكتاب حرص على ما يلي:

1- حرص على توثيق كل شاردة وواردة في مطبخ التراث الفلسطيني فتحدث عن وجبات الفطور الفلسطيني صباحا التي تضم الحمص والفول واللبنة والعجة والجبنة والبيض والزيتون والزعتر وكل مشتقات هذه الوجبات، وحرص على تسجيل نصائحه حول كيفية اعداد الوجبة السليمة صحيا من ضمن وجبات الفطور الفلسطيني.

2- اجتهد أن يستعرض أصناف الوجبات التي يدخل في مركباتها النباتات البرية الفلسطينية، واجتهد أن يرفق صورة ملونة وواضحة لكل نبتة منها، واجتهد أن يشرح لنا بأسلوب شعبي مبسط عن كيفية اعداد كل طبخة من كل نبتة من هذه النباتات البرية، فتحدث لنا عن هذه النباتات: (الفرفحينة، العكوب، السلق، الخبيزة، الحميض، اللوف، الحبق، الميرمية، تفاح المجن، البوبانج، القريص، الجعدة، الخرفيش، النعنع، الزعتر، الفطر). ولعل البعض يقول: إنه لم يستكمل توثيق كل النباتات البرية الفلسطينية، فنسي ذكر ما يلي: (القرصعنة، الصيّادة، السناريا، أبو صوي، اللسينة، الزعمطوط، الهليون) … الخ، ولهؤلاء البعض أقول: إن الأخ محمود دعدوش بدأ بجهد مبارك، وإن كان هناك بعض النقص في عمله، فهو من طبيعة عمل الإنسان، والمطلوب منكم ألا تقفوا عند حد نقده، بل أرجو منكم أن تتمموا هذا النقص، وأتمنى لكم النجاح والتوفيق سلفا.

3- اجتهد أن يحيي في ذاكرتنا أسماء قديمة لأصناف طعام كانت من الوجبات الأساس في مطبخ أجدادنا مثل: (المبسطة، الشيش برك، سلطة الفلاحين، سلطة الحراثين، المنزلة، المطفية، المجدرة، الحمراء، الرشطة،..) وكأني به يدعونا أن نعود إلى هذه الجذور التي باتت غريبة علينا وعلى بيوتنا وأولادنا، وفي المقابل بدأنا نتنافس على: البيتسا، الهمبروجر، الكنتاكي، وسائر الوجبات السريعة المستوردة.

4- اجتهد أن يجدد رباطنا مع أرضنا الطيبة المباركة فأفرد فصلا في كتابه عن التوابل البرية التي يمكن لنا أن نستخرجها من هذه النباتات البرية: (الفرفحينة، الميرامية، تفاح المجن، البوبانج، القريص، الجعدة، الخرفيش).

5- اجتهد أن يحافظ لنا على (الحلويات العربية) قبل أن يصادرها البعض من بين أيدينا ويدّعيها لنفسه، فأفرد في كتابه فصلا عن الحلويات العربية، واستعرض فيه كيفية إعداد هذه الحلويات: (كعك العيد، المعمول، الكنافة، الغريّبة، ليالي بيروت، البصمة، حلاوة المأمونية، العوامة، الزلابية، القطايف، الكلاج، المطبق، عيش السرايا، الهريسة، البقلاوة، المبروشة، المشبك، الحلاوة، الحلبية بالسميد، الفتوت، المهلبية، حلاوة الشعرية، المسلوقة، المقروطة، البسبوسة، السحلب).

6- اجتهد أن يحافظ لنا على قائمة المشروبات الحلال الشافية والمنعشة التي يمكن لنا أن نعدّها من هذه النباتات: (النعنع، البقدونس، الزنجبيل، الحمضيات، الرمان، القهوة، الليمون، الزعتر، اليانسون).

7- بناء على كل ما تقدم فإن الأخ محمود دعدوش يدعونا عبر صفحات كتابه للتواصل مع الجذور.

8- لذلك وتعزيزا للتواصل مع الجذور فإني أدعو الأخ محمود دعدوش لتأليف كتاب حول كل نباتاتنا البرية الفلسطينية، يضم صورا ملونة لكل هذه النباتات وشرحا مفصلا مبسطا حول كيفية إعداد وجبات الطعام من كل نبتة منها على نسق هذا الكتاب.

9- وأخيرا أقدم شكري للأخ محمود دعدوش، وأقول له: جزاك الله خيرا عن تراثنا الفلسطيني وإلى الأمام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى