الدور المقلوب على العمل النسوي المعكوس
د. محمود مصالحة
ترجع جذور مصطلح الشذوذ الجندري الثقافي الغربي المستورد إلى أزمنة سحيقة، عانت من ويلاته الأمم السابقة، فكانت سببًا لهلاكها بعذاب أليم، ولكن يتبادر السؤال الذي لابد من طرحه لبيان حقيقة المفاهيم المتحولة عن النوعي، الذكوري والأنثوي الخلقي، على النحو الآتي: ما هو مفهوم الشذوذ، أو المثلية، ليتسنى لنا التفريق بين هذين المفهومين؟
أما الشذوذ: فهو مصطلح يستخدمه السواد الأعظم من الناس، وهم المؤمنين بالطبيعية الخلقية الفطرية الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، ويعتبرون أي تغيير لهذه الفطرة الخلقية انحراف وشذوذ.
أما مصطلح المثلية: هو مصطلح بديل لمصطلح الشذوذ، عند الفئة التي خالفت وانحرفت وشذّت وأيدت، بابتداعها نظرية الجندر (المثلية/ التشابهية)، المخالفة للطبيعة الخلقية الفطرية للمجتمعات والشعوب السوية المنسجمة مع الخصيصة الفطرية، التي خُلق الانسان عليها.
أما المفهوم اللغوي للمثلية فعند الجوهري: مثل الشيء صفته. تماثل الشيئان: تشابها، والمِثْلُ: الشبيه والنظير (لسان العرب، باب مثل). والمثليّ: الشبيه والنظير له، (المعجم الوسيط، باب مثل).
والحقيقة الخلقية البيلوجية والعلمية تقول: إن البوْن واسع في البنية الخلقية الفطرية بين الذكر والأنثى، والمساواة المطلقة بينهما ساقط منذ الخلق الأول، والعمليات التحويلية التي تُجرى هنا وهناك، هي تعدي على الفطرة الإنسانية للخالق عز وجل.
والشذوذ لغة: مشتق من الفعل شذَّ عنه: أي انفرد عن الجمهور، ويدل على الانفراد. وشذّاذ القوم: لا يكونوا في منزلتهم. والشذوذ: يأتي بمعنى الندرة (لسان العرب، باب شذًّ). والشَّاذُّ ما خالف القاعدة أو القياس. والشَّاذُّ من الناس: من خالف السَّوِيّ. والشَّاذُّ في “علم النفس” عند المعالجة النفسية نجوى ابراهيم: “قد تم حذفه من قائمة الاضطرابات النفسية عام 1973م” (إبراهيم، الشذوذ المثلي). rowwa.net/home/blog/50))
والشاذ: هو المنحرف عن القاعدة. والشذوذ الجنسيّ: انحراف عن السُّلوك الجنسيّ الطّبيعيّ والخلقي الفطري التي فطر الله الناس عليها. الشذوذ الجنسي حادث أحدثه البشر.
ويأتي استخدام مصطلح الشذوذ مع الانفتاح الفكري في العالم الغربي في عصر النهضة، ونتج عن ذلك علم النفس الذي عكف على تحليل الظواهر الاجتماعية المنتشرة في المجتمعات، وبيان أسبابها ونتائجها.
فساوى بين لفظة الشذوذ والانحراف. فمصطلح الشذوذ الجنسي في مفهوم علم المنطق، هو الظاهرة الشاذة المخالفة للظواهر الطبيعية، وباعتبارها ممارسة جنسية، فهي خارجة عن المألوف المتعارف عليه، أي خارجة عن نطاق الزواج الشرعي، فهكذا عُرف الشذوذ تاريخيًّا، وأكدته عقيدتنا، وشريعتنا، وقيمنا، التي حذَّرت من الوقوع في مخاطر الشذوذ، وحثت على الحفاظ على مجتمعاتنا وأمتنا العربية والإسلامية.
فوصفه علميًّا بأنّه “شذوذ” عن الحالة الطبيعية السوية للممارسة الجنسية. (احمد طه، المثلية الجنسية، ص35). وعُرف بأنه: (اكتفاء الرجال بالرجال)، وعُرّف بأنه (وطء الذكر الذكر)، وعُرف بأنه عمل قوم لوط نسبة لما أحدثه قوم لوط -عليه السلام، وعُرّف بأنه: (اللواط). قال ابن منظور: ” لاط الرجل لواطًا، ولاوط أي عمل عمل قوم لوط”. قال الليث: ” لوط عليه السلام نبيًّا بعثه الله إلى قومه فكذّبوه، وأحدثوا ما أحدثوا، فاشتق الناس من اسمه فعلاً لمن فعَل فِعْل قومه” (ابن منظور، باب لوط).
ولقد مارس أقوام الشذوذ الجنسي عبر التاريخ: فكان قوم لوط أولَ منْ مارسَ الشذوذ الجنسيّ بينَ الرجال، قال تعالى: “أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العالمين * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ” [الشعراء: 165-166].
وقد بالغوا في ممارسة الشذوذ، حتى وصل بهم الأمر أن جاهروا به، بل وتفاخروا دون خجل ولا توبة، وجعلوا فعله منهجًا في حياتهم، وإنه لا حق لأحد الاعتراض على أفاعيلهم المخالفة للفطرة البشرية، وقد رفضوا دعوة نبي الله لوط عليه السلام، وأبوا أن يتبعوه ويهتدوا بهديه، بل وأنكروا عليه انذارهم. ووصف الله عز وجل اصرارهم على أفعالهم تلك، بالسُكْر الإدمان، فقال تعالى: “لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ” [الحجر: 27]؛ أي إنهم ماضون في سُكْرهم بهذه الأفعال الشاذة، وبقائهم على عمى بصيرة، مستمرون عليها غير منتهون.
ولما عتوا عن أمر ربهم بشذوذهم، مُصرُّين على سكرتهم، مدبرين عن التوبة، رافضين الاستجابة للنبي الله لوط، حقَّ عليهم غضب الله وعذابه الأليم، قال تعالى: ” فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ” [هود: 82-83]. وقال تعالى:” فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ”[الحجر: 73-74]. وقوله تعالى: “ماهي من الظالمين ببعيد” أي: إن الهلاك الذي أصاب قوم لوط، قريب من الظالمين المرتكبين تلك الأعمال الشاذة الشنيعة، سيأخذهم أينما كانوا في كل زمان ومكان.
أما الذي أزال الإمبراطورية اليونانية، كان الشذوذ الذي بات جزءا مقبولًا من حياتهم، عرف الشذوذ الادباء والفلاسفة، فسقراط كان شاذًا، وأرسطو كان شاذًا، ومارس الشعراء الشذوذ وكذلك عامة الناس. (عدنان أبو زيد الشذوذ الجنسي). https://saaid.org/daeyat/nohakatergi/103.htm
وكذلك في الإمبراطورية الرومانية عرف الشذوذ، وكان انحلال الأباطرة وشذوذهم سببُا في انهيارها، (بول فريشاور، الجنس في العالم القديم).
ولقد ظلت النظرة السلبية تجاه الجنس المثلي منتشرة في المجتمع الغربي، حتى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. وفي أواخر القرن التاسع عشر ظهر فلاسفة داعين إلى تمرد المرأة، ونادوا بتحطيم عقد الزواج. ودعوا إلى الحرية الجنسية، وكان لهم الدور البارز والكبير الدافع نحو التطرف الشذوذي الإباحي، من أولئك الفلاسفة الفيلسوف الاشتراكي الفرنسي فورييه (1772-1837م)، الذي “دعا إلى تحرر المرأة على كل الأصعدة: البيتي، والمهني، والمدني، والجنسي وقال: “إن العائلة تكاد تشكل سدًا في وجه التقدم، وفيلسوف النزعة الأنثوية” ماركيوز-هربرت (1898-1979م) الذي جعل من أسس “نظريته النقدية”: التي تقوم على التأكيد على اطلاق الغرائز الجنسية بلا حدود إلى حرية الشذوذ، بل وطالب بثورة ضد قمع الجنس والشذوذ الجنسي، معتبراً التحرر الجنسي عنصراً مكملاً للتحرر الاجتماعي، ورافض ربط الجنس بالتناسل والإنجاب، أما فيلسوفة هذه النزعة الأنثوية ال “سيمون بوفوار”(1908-1986م)، فقد اعتبرت” الزواج السجن الأبدي للمرأة، يقطع آمالها وأحلامها!” واعتبرت” مؤسسة الزواج قهر للمرأة يجب هدمها وإلغائها!، وجعلت الألوهية عدوًا لهذه الفلسفة الأنثوية” (الكردستاني مثنى، حركة تحرر المرأة، ص4).
وكان تقرير ولفيندن الذي نُشِرَ في بريطانيا 1957م، الذي أوصى باستبدال كل القوانين التي تُجرّم الشذوذ. وعام 1969م كان بداية التمرد الشذوذي الجنسي. ومع بدايات القرن العشرين حصل شبه إجماع من علماء النفس على أن الشذوذ مرض يُولَد به الإنسان. وكمثال ربط العالم كرافت الشذوذ الجنسي بالتغيرات الجينية والوراثية وبالضعف الحادث في الجهاز العصبي.
لذلك بدأ بعض العقلاء من أبناء الغرب يدقّون ناقوس هذا الخطر، وفي5 أكتوبر 2023
بعد ازدياد موجة الغضب عند البريطانيين من انتشار ظاهرة الترهيب من الشذوذ الجنسي في بريطانيا، هاجم رئيس الوزراء البريطاني سوناك الشذوذ في تصريحات الاولى من نوعها وأثارت جدلا في بريطانيا. (https://www.aljazeera.net/news/2023/10/5)
وما خلص إليه القول: إن نبي الله لوط -عليه السلام- هو وأهل بيته قد جابهوا طغيان قومهم، فكانت النتيجة أن نجَّا الله لوطا ومن معه، إلا امرأته كانت من الغابرين، فأُهلكت هي مع قومها بعذاب أليم، بعد أن دبَّ فيهم فساد في العقيدة، وفساد في السلوك، فساد الرجال، وفساد النساء، وفساد المجتمع. هكذا يكون عقاب الله لمن تعدى حدوده، وخالف الفطرة الخلقية السوية.
فلا بد من الحذر من منهجية النسوية الجندريات وداعميها الذين يقودن المجتمعات البشرية نحو الهلاك المبين.
ولقد أنذر القرآن الكريم من عاقبة هذا الفساد، وأوجب اتقاء شره، وتحصين الأسر المسلمة. لذلك لابد من الصدع بالحق، والأمر بالعدل، والدعوة إلى العفاف، وتعزيز دور العلماء والدعاة المصلحين، للحفاظ على أسرنا من مشاريع الانحلال الأخلاقي والتفكيك الأسري، هدم المجتمعات العربية والإسلامية.
خلاصة القول: ثم أن تأتي جهات نسوية بهذا الفكر الفلسفي الجندري الغربي الاستعماري المستورد من سمون بوفوار وغيريها من فلاسفة الإباحية والشذوذ، ومن تبعهم ممن أطلقوا عليه “اتفاقية سيدو” بهدف فرض الثقافة الانحلالية الغربية لتفكيك الأسر المسلمة والعربية، بنشر فلسفة الجندر الشذوذي الغربي.
وهل تلك الجهات النسوية الجندرية في ترويجها للثقافات الغربية، والمشاريع الجندرية الإباحية تخدم المجتمع أم تفسده وتفككه؟.
هل الشماعات النسوية تحت ما يسمى بحقوق المرأة، وجرِّها نحو حرية المرأة المطلقة، بعنوان المرأة مالكة لجسدها، هل هو صون لذاتية المرأة وعفتها أم هي دعوة إلى الإباحية وإلى الشذوذ؟.
هل بذلك تسعى لإصلاح البيوت أم لتفكيكها؟.
هل الجهات النسوية الجندرية بهذه المشاريع تعمل لتماسك الأسرة وانسجام أفرادها أم تجعلها تعيش في مآسي التفسخ والصراع العائلي؟.
هل هذه النسوية تعين المرأة على حل قضاياها لتعيش في ببيتها ومع أبنائها وزوجها بأمان أم تشجعها لترك بيتها هدمه؟.
ماذا تهدف ثقافة الجندر النسوية التغريبية، إلى العفة والطهارة أم إلى الإباحية والشذوذ، والتغيير الثقافي، وتغيير الهوية والانتماء للأمة العربية الإسلامية؟.
هل تلك الجهات النسوية تخدم مجتمعاتنا وتحافظ عليها وعلى هويتها العربية والإسلامية أم تعمل لخدمة أجندة المشاريع الغربية الداعمة لها؟.



