أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

الحرب الروسية الأوكرانية وسقوط الأقنعة

أميّة سليمان جبارين (أم البراء)

هي الحرب ذاتها التي تُخلّف الدمار والخراب أينما تحل. هي الحرب ذاتها التي تزرع الموت في كل مكان تصل إليه، بأسلحتها الفتّاكة، دون تفرقة في الدين أو اللون أو الجنس. وكأني في هذا الموضع بالذات أستشعر عدالة الحرب!! حيث أسقطت جميع الأقنعة المزيفة، عن دعاة الإنسانية والتحضر الأوروبي وكشفت تمييزهم وازدواجيتهم في التعامل مع الشعوب التي تعاني ويلات الحرب، فما كان أمامهم إلا الهروب من الموت إلى الموت الذي تلقفهم على الحدود الدولية. ولكن هذه المرة لم يكن الموت بسبب الحرب، بل بسبب تجارها ومن صنعوها، وبسبب ازدواجيتهم في التعامل مع هؤلاء اللاجئين!!! وإن ما شاهدناه أغلبنا من صور تقشعر لها الأبدان، صور خالية من أي إنسانية، تظهر قسوة التعامل مع إخواننا اللاجئين العراقيين والسوريين والليبيين والأفغان، واللاجئين الأفارقة من الصومال وميانمار وغيرهم ممن تكاتفت عليهم ويلات الحرب والمجاعة والتمييز العنصري والطائفي. رأينا كيف أن العشرات منهم لقوا مصرعهم بسبب البرد والجوع والغرق وسط المياه الإقليمية قبالة الشواطئ على حدود دول كانوا يظنون أنها ملاذهم الآمن، لكنها خذلتهم وتنصلت لهم وللإنسانية جمعاء. والأنكى من ذلك، قيام الأحزاب اليمينية المتطرفة في تلك الدول بإثارة ضجة إعلامية من خلال المظاهرات رفضا لاستقبال هؤلاء اللاجئين بسبب قلة الموارد الغذائية، وحدوث أزمات اقتصادية إذا ما تمّ استيعابهم في دولهم تلك.      في المقابل، فإننا لم نر أو نشعر بمثل هذه الضجة الإعلامية والشعبية قد حدثت أثناء نزوح اللاجئين الأوكران إلى الدول الأوروبية، ولم نر ذلك التعامل العنصري الفاضح مع اللاجئين الأوكران كما كان التعامل مع اللاجئين السوريين في عام 2015 واللاجئين الأفغان في عام 2017! ما يثبت للجميع أن قناع التمييز في المجتمعات الأوروبية قد سقط للمرة المليون.

نعم سقط القناع، وتكشّف الوجه العنصري البغيض، حين رأينا ما يقدمونه من تسهيلات للاجئين الأوكران في العبور إلى دولهم ومنحهم صفة لاجئ، ودعمهم ماديا ومعنويا، وكيف يتمّ فتح مراكز الاستيعاب لهم حتى يتمّ نقلهم لأماكن استقرارهم الجديدة، حتى أن بعض الدول كالمجر على سبيل المثال، عدَّلت من قانون الهجرة لديها وقبلت بجواز السفر العادي (غير الإلكتروني) حتى تستطيع استقبال أكبر عدد من اللاجئين الأوكران على أراضيها. فيما رفضت تطبيق هذا التعديل على اللاجئين المقيمين في أوكرانيا (من دول أخرى). أضف إلى ذلك، أسلوب التعامل مع اللاجئين الأوكران، حيث يُعاملون بلطف تام وتفهم، لا بل يختارون الوجهة التي يريدون التوجه إليها والاستقرار بها، ويتمّ منحهم أماكن للسكن وفرص عمل. في فرنسا على سبيل المثال، تمّ توطين اللاجئين الأوكران في الشانزليزيه، وفي أرقى مناطق باريس، في حين أنّه يتمّ توطين اللاجئين السوريين والأفارقة في مناطق معروف عنها أنها مناطق عنف وإجرام.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا هذا التمييز بالتعامل بين اللاجئين؟!! أوليس اللاجئ هو اللاجئ الذي افتقد للأمن والأمان، بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لونه؟! ولكن يبدو أن الغرب العنصري والذي طالما كان السبب في ويلاتنا، والسبب من وراء تشريدنا من أوطاننا يرى غير ذلك!! فها هو النائب في مجلس النواب الهولندي “فيلدز” وهو زعيم لحزب يميني متطرف يدعو إلى طرد اللاجئين السوريين من هولندا لفسح المجال للنازحين الأوكرانيين ووصف اللاجئين السوريين بأنهم مزيفون. وهذا سانتياغو آباسكال، برلماني إسباني، يصرّح في تغريدة له: “هؤلاء الأطفال وكبار السن يجب أن يرحّب بهم في أوروبا، وأي أحد يدرك جيدا الفرق بين تدفق هؤلاء اللاجئين وبين غزو الشباب بسن العسكرية ومن أصول مسلمة يتم إرسالهم إلى حدود أوروبا لتخريب استقرارها واستعماره”.

كما كان للإعلاميين والصحافيين النصيب الكبير في حملة التمييز هذه وإذكاء الصورة النمطية (اسلاموفوبيا) وتأجيجها حول اللاجئين القادمين من بلاد المشرق العربي وشمال أفريقيا، وذلك من خلال بثّ بعض من هؤلاء الإعلاميين والمراسلين تقارير مباشرة تفيد بأن اللاجئين الأوكرانيين الفارين من الحرب الروسية، أكثر تحضرا وأقرب ثقافة، وأكبر شبها، فهم من ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء على حد قولهم وليسوا سمر البشرة وينحدرون من خلفيات إرهابية متخلفة! وحتى لا يُظن أنني أتهم الغرب بالعنصرية والتمييز سأوضح لكم دليل إدانتهم (من أفواههم ندينهم) وأول من أدان هذه العنصرية الغربية كانت عضو البرلمان الأوروبي “كلير دالي” أثناء خطاب لها أمام البرلمان، حيث انتقدت الازدواجية والتمييز في التعامل مع اللاجئين بناءً على أصولهم العرقية والديانة، وطالبت حكومتها البولندية بالتفسير لما يحدث على الحدود مع اللاجئين، وتطالب بتفسير لما حصل منذ أقل من ثلاثة أشهر على الحدود البولندية حيث قضى 19 أفغانيا نحبهم بسبب الأسلاك الشائكة ومدافع المياه مع برودة الطقس القاسية. وتتساءل في خطابها عن غياب التفاعل الدولي مع الأزمات الإنسانية السابقة سواء في (العراق، سوريا، افغانستان، الصومال، ليبيا…….) ولمَ لم تعقد الجلسات الخاصة لها ولا تغطية تلفزيونية خاصة بها ولا إغاثات طارئة. كما تتساءل عن سبب هذا التمييز، أهو بسبب لون البشرة والعيون؟!، كما أصبح واضحا للجميع، أم أنّ سبب مأساة هؤلاء أنها تتم بغزو أمريكي مستبد. وفي نفس السياق، تطرقت الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي، منتقدة التمييز الصارخ والفاضح بين اللاجئين على أساس العرق أو الدين، مستطردة في حديثها أن من حق جميع النازحين أن ينالوا معاملة وحقوقا متساوية، فقبل ظهور أزمة اللجوء الأوكراني كان هناك أكثر من 82 مليون شخص أجبروا على ترك منازلهم على مستوى العالم: في سوريا واليمن وميانمار والصومال وأفغانستان وإثيوبيا وغيرها. فلماذا لم نشاهد هذا التعاطف والعمل الجاد من قبل المنظمات الحقوقية والمؤسسات الحكومية لاستيعابهم وتوفير الأمن والأمان لهم؟!

هذا غيض من فيض صور التمييز الحاصل على مستوى الدول وبالذات الدول الأوروبية، التي طالما تغنت بالحرية والديمقراطية والمصداقية الكاذبة. وهنا نتوقف مع موقف الإسلام من هذه القضية، وكيف أن إسلامنا يضمن الدعم والمعونة لأي لاجئ على الإطلاق دون النظر أو الرجوع إلى خلفيته الدينية أو العرقية أو الجنسية، فكلنا سواء عند الله ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فالإنسانية تجمعنا وتوحدنا عند الحروب والويلات والكوارث، وكل الضحايا يستحقون الدعم والمساعدة على أساس إنساني بحت.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى