أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

فلسفة الشمولية في النظام الإسلامي

د. محمود مصالحة- الباحث في الدراسات الإسلامية

من الخصائص الهامة في النظام الإسلامي الشمولية، فهو نظام شمولي لكل الجوانب الحياتية العقدية والتشريعية والتربوية والاقتصادية والتعلمية، والفكرية، وتختلف الشمولية في النظام الإسلامي بمفهومها وميزاتها وأهدافها، عن الشمولية في النظام العلماني اختلافًا جذريًا، والذي يُدعى بالنظام الشمولي (Totalitarianism)، وهو حكم الرجل الواحد، والحزب الواحد، أي تكون السلطة وزمام الأمور في يد رجل واحد، كنظام الأسد والسيسي المنقلب القمعي المستبد وأمثاله.

وفي بداية الحرب العالمية الثانية، أصبح وصف النظام الشمولي مرادفًا لحكم الحزب الواحد القمعي المستبد، كالاتحاد السوفيتي في عهد ستالين ولينين، وألمانيا النازية في عهد هتلر، والصين الشعبية، فهذه أنظمة قمعية مخابراتية شمولية مستبدة قهرت الشعوب، وجردتها من حقوقها، وهذا التوصيف هو للفيلسوفة المنظِّرة “حنة ارنت” السياسية الأمريكية من أصل ألماني التي فرّت من الأنظمة المستبدة في أوروبا إلى أمريكا، حيث تقول: “إن هذه الأنظمة الشمولية المستبدة تعمل أولًا على احتواء الجماهير في التقنيات الديمقراطية والإعلامية، للوصول للسلطة، ثم تنقلب على الديموقراطية وتفرض جبروتها”.

أما الشمولية في المفهوم الإسلامي، فهي من خصائص النظام وقواعده الهامة، وهي مشتقة من فعل شَمِلَ، وتعني: الاحتواء والتضمين، والنظام الإسلامي بمقاصده الكلية وبأصوله الفقهية، استُنبِطت منها المقاصد الضرورية: وهي المصالح التي تتوقف عليها حياة الناس، كحفظ الدين بأركانه، والدعوة إليه ورد الاعتداء عنه، وحفظ النفس من الاعتداء عليها وحمايتها، وحفظ العقل بتحريم ما يفسده من مسكر، فالعقل خلق ليكتشف ويطور ويبدع ويرتقي بالإنسانية، وحفظ النسل بالزواج، للحفاظ من الوقوع في فاحشة الزنا، وحفظ المال بإباحة المعاملات المالية، وتحريم كسبها من حرام، كالاحتيال أو السرقة أو التهديد أو الربا، وكذلك الحاجيات وهي الأمور التي يحتاجها الناس لرفع المشقَّة والحرج، وكذلك التحسينات ومكملات المصالح، ويترتب على هذه المقاصد القواعد الفقهية، منها: “الضرر يُزال”، و”يُدفع الضرر العام بالضرر الخاص”، و”درء المفاسد أولى من جلب المصالح”، و”الضروريات تُبيح المحظورات”، “والضرورة تُقدر بقدرها”، “والمشقّة تجلب التيسير”، وبهذه المقاصد الكلية والقواعد الفقهية المستنبطة، وسعت الشريعة الإسلامية كل الجوانب الحياتية، للفرد والأسرة والمجتمعات والأمة الإسلامية، فلسفة الشمولية تُوظف في تأسيس أحكام وقواعد النظام الإسلامي.

أما النظام السياسي في الإسلام: فهو جزء هام من النظام الإسلامي الشمولي، وهو نظام رعاية مدني، يرفض الكهنوتية، ويحارب الاستبداد والتبعية والوصاية، مبني على قاعدة الشورى، لقوله تعالى: “وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ” والشورى قاعدة إسلامية محورية عليها يتشكل نظام الحكم، في انتخاب أهل الحل والعقد في البلد الواحد، وفي عموم الأقطار الإسلامية، ومجلس الحل والعقد ينتخب الحاكم أو خليفة المسلمين وفق مواصفات، والخليفة يُعين الوزراء والمساعدين، وطاعة الحاكم أو الخليفة واجبة على المسلمين ما أطاع الله ورسوله، وقام بتطبيق الشريعة الإسلامية، والدفاع عن بلاد المسلمين وحمايتهم، ورفع راية الإسلام، هذا أنموذج مختصر للنظام الإسلامي الذي يرفض الاستبداد في الرأي، ولكن القومية العربية انقلبت عليه بأنظمة صورية متخلِّفة قائمة على فلسفة ودساتير غربية، تدار من قبل سفراء الدول الاستعمارية.

أما النظام الاجتماعي في الإسلام: وهو جزء من النظام الإسلامي الشمولي، يتميز عن غيره من المجتمعات، ببناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، بذاتيته وانتمائه وهويته الإسلامية المتميزة بالمناهج التربوية والثقافة الإسلامية الحضارية. وعقيدة توحيد الربوبية والألوهية وأسماء الله، هي أهم عوامل وحدة المجتمعات، والقرآن الكريم كتاب الله والسنّة النبوية، دستور الأمة عليه تتوحد الشعوب، ويخاطب الله تعالى الأمة “يا أيها الذين آمنوا” فالخطاب جامع توجيهي يُوحِّد المجتمعات الإسلامية، قال تعالى: “إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” ولقد نهى الله تعالى عن التفرُّق، فقال: ” إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ”، والنبي صلى الله عليه وسلم الذي أراد للأمة أن تتمتع بشخصيتها القوية وهويتها، بعيدًا عن التقليد التبعية، فحذَّر منها، فقال: “لتتبعن سنن من قبلكم شبر بشبر وذراعا بذراع… قالوا آليهود والنصارى قال: فمن إذن” إنها سنن وطرق وأيديولوجيات غربية صُنّاعها أهل الكتاب، منها القومية والليبرالية والاشتراكية، التي فرَّقت الأمة وأضعفتها ووضعتها في خانة التخلُّف، وكذلك قِبْلةُ الأمة “المسجد الله الحرام” عاملٌ يُوحِّد الأمة، والفرائض والعبادات الجمعة والجماعيات والأعياد تُوحِّدها.

وأما النظام الاقتصادي في الإسلام: فهو جزء من النظام الإسلامي الشمولي، يختلف عن الأنظمة الوضعية في خصائه وأهدافه ومناهجه، فالنظام الرأسمالي مُؤَسس على الملكية الخاصة، وملكية الدولة، كالنظام الأمريكي الذي يتحكم في قراراته رؤوس الأموال، ففي الانتخابات البرلمانية، يقومون بتمويل حملات البرلمانيين الذين سيصبحون فيما بعد رهن مموليهم يقرون قوانين تخدم مصالحهم، فيتقوى الأقوياء ويضعف الضعفاء، ويُثري الأثرياء ويُفقر الفقراء، والرأسمالية لا تقوم على عدالة توزيع المال، ففيه 5% يملكون 80% من الأموال في الدولة، فيعتري هذا النظام الكثير من الفساد، وأما النظام الشيوعي الذي دعوته إلحادية لا يعترف بالملكية الفردية، والدولة تسيطر على جميع مصادر الإنتاج، وهذا النظام يفتقر لقانون العرض والطلب ومنافسة السوق الإنتاجية، يُصادر حريات الشعوب، والناس فيه يخدمون الفكرة الشيوعية والطبقة الحزبية الحاكمة المستبدة.

أما النظام الاقتصاد الإسلامي: هو مجموعة المبادئ الاقتصادية المستنبطة من المصادر الأصولية والفقهية التي تنظم الشؤون المالية للفرد والدولة، وهو جزء من الحياة الاجتماعية، ويهدف لتحقيق الرفاه للمجتمع المسلم، ومن يعيش في كنفهم، وهو أحد أنظمة الإسلام الشمولي، ينظم الموارد المادية في المجتمع والدولة لتحقيق رضا الناس، ليتمكنوا من القيام بواجباتهم تجاه الله تعالى، وتجاه المجتمع، فالمعاملات المالية والاعمال المادية، تلازمها القيم الإسلامية، التي تهدف لتحقيق رضى الله، لقوله تعالى: ” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ ”

وترتكز قواعد نظام الاقتصاد الإسلامي على ثلاث ملكيات: الملكية الخاصة، والملكية العامة، وملكية الدولة، ومنهجيته في العمل على النحو الآتي: أولا: ينظم العمل، لقوله تعالى: ” فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ “. وينظم الاستثمار، لقوله تعالى: “ولا تنسى نصيبك من الدنيا” مع القناعة فيما يأتيك من استثمار.

ثانيا: صيانة المال: لقوله تعالى: “وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ” والاعتدال في النفقة: لقوله تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ” تحريم الربا: ” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”، وينظم المداينات المالية، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ”، ويوقع العقوبات المالية، لقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا”، وكذلك حرمة المال واحترام الملكيات، لقوله تعالى: إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ”.

ومن أهدافه المعيارية الاجتماعية والاقتصادية: أولا: إشباع الحاجات، ثانية: العمالة الكاملة والقضاء على الفقر، ثالثا: التوزيع العادل للدخل والثروة، رابعا: الاستقرار الاقتصادي، وتحقيق الرفاهية (د. محمود ارشيد، المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي، بتصرف).

ويتفوق النظام الاقتصادي الإسلامي على غيره من الأنظمة بالملكية العامة، التي يشترك فيها عموم المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: “المسلِمونَ شُركاءُ في ثلاثٍ، في الكَلَإِ، والماءِ، والنَّارِ” والنار هي الكهرباء والنفط والغاز ومشتقاته، فالدولة عليها أن توزع الماء والكهرباء ومشتقات النفط بسعر التكلفة، وكذلك المواصلات البرية والجوية.

أما النظام التعليمي والبحث العلمي في الإسلام: فهو فريضة إسلامية اجتماعية أُنزلت في سورة اقرأ، ولقد رفع الله مكانة العلم والعلماء، لقوله تعالى: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” وقوله تعالى: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ”، فالعلوم بكل مراحلها على نفقة الدولة الإسلامية، وقد أبدع علماء المسلمين بالإنجازات العلمية الحضارية”، هكذا تميُّز النظام الإسلامي الشمولي الأنموذج البديل، الذي يحمل لواء رسالة الإسلام الحضارية للبشرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى