أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

الصهيونية الدينية ومهمة حراسة المُــقدس: هل هي حرب مــفتوحة على الفلســطيني (13) الإبراهيمية مدخلا للدولة اليهودية..

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

لطالما احتدم النّقاش داخل المجتمع الإسرائيلي في أيّهما يتقدّم الديموقراطية أم اليهودية، وهذا النقاش المحتدم منذ عقود بات يقترب مُسرعًا نحو حسم كبير لصالح المعسكر المنادي بتقديم اليهودية، بعد أن طفقت المسألة تخصف جنبات المجتمع الإسرائيلي في البلاد، سواء عبر أبحاث ودراسات ذات قيمة شرعية دينية، أو سياسية، تصدر من كبار العلماء ويتصدرها مراكز ذات قيمة وتأثير، معهد فان لير، والمعهد الإسرائيلي للديموقراطية.

عشية يوم الأحد المُنصرم، قام رئيس الدولة إسحاق هرتسوغ باقتحام الحرم الإبراهيمي في مدينة خليل الرحمن، مشعلًا الشّعلة الأولى من مشاعل “الحانوخا”، مبديًا موقفا يكاد يكون صريحا في تقديمه اليهودية على الديموقراطية، كصياغة مصالحة وطنية-قومية -دينية، تتقدم فيها القيم بالترتيب الذي ذكرت، ولذلك أرى في هذا الحدث، حدثا ذا خصوصية، ليس لأنه المرة الأولى التي تقوم بهذا الاقتحام “الديني-السياسي” شخصية إسرائيلية رفيعة المستوى من مثل رئيس الدولة، بل لذات الشخصية ومكانتها ودورها السياسي على الأقل في العشرية الأخيرة من حياته السياسية، فقد كان رئيسا لحزب العمل، ومن ثم رئيسا للوكالة الصهيونية، وشغل مناصب حكومية عديدة، ووالده رئيسا سابقا للدولة وشخصية نافذة في حزب العمل ورئيسا سابقا لجهاز الأمن العسكري، وجده لوالده الحاخام يتسحاق هليفي هرتسوغ، أحد كبار حاخامات إسرائيل يوم تكوينها الأول وأحد الذين شكّلت كتاباته رافدا تأسيسيا للفكر السياسي للصهيونية الدينية يوم بدياتها الأولى، ومن ثمّ فنحن أمام شخصية مركّبة، تركيب المشهد الصهي-يهودي والعلماني-الديني. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، للتوقيت الذي تمّ فيه الحدث محليا على المستويات الإسرائيلية، من حيث الصراع الدائر بين اليمين على مختلف أجنحته الدينية والتقليدية والتصحيحية، واتساع رقعة الفُرقة العلمانية الدينية بينهم، حيث تتصاعد الأصوات الداعية لتسوية الخلافات والاختلافات بين مكوّنات المجتمع الإسرائيلي ضمن توافقات الحد الأدنى، ومن جهة ثالثة، للتوقيت، حيث الترهل العربي وتهافت الأنظمة العربية للتطبيع مع إسرائيل وعقد تحالفات استراتيجية على غرار الإمارات والمغرب، وتراجع كبير في مكانة القضية الفلسطينية، وتمدّد السلام الإبراهيمي المبني على الديانة الابراهيمية التي بشّر بها ترامب وبايدن، وزار من أجلها بابا الفاتيكان، الإمارات والعراق، وأخيرا لمكانة المسجد الإبراهيمي ليس لدى المجتمع الإسرائيلي، وفق ما وصفه هرتسوغ في كلمته من أنّ الانتماء إلى المكان فوق كل خلاف بين اليهود، وهو إجماع مطلق، برسم أنهم كلهم، أي اليهود على اختلاف مدارسهم وتياراتهم خرجوا من هذه “المغارة”، بل ولمكانته بيننا نحن أهل الإسلام وموقفنا في الموروث الديني والحضاري من المسجد وعلاقاتنا الروحية فيه. ومن ثم فهي رسالة يبعثها للفلسطينيين والعرب والمسلمين تحت لافتات التسامح الديني ونبذ العنف كمقدمات هرتسوغية للتبشير الابراهيمي.

 

رسائل صهيو-يهودية

رئيس دولة إسرائيل حاييم هرتسوغ، الذي شغل منصب رئيس حزب العمال، عراب أوسلو، والذي ينادي نظريا بحل الدولتين ضمن سياقات واعتبارات أمنية إسرائيلية بقيامه بإشعال شعلة “الحانوكا” في المسجد الابراهيمي في مدينة الخليل، ثم سافر إلى تل أبيب معقل العلمانية، لإشعال الشعلة في أحد كنسها- تحت حماية عسكرية وأمنية، يؤكد مسائل أساسية في جدل الصراع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أولا أنّ لا مكان لما سمي يوما بحل الدولتين، وأن هذا الوهم قد انتهى بهذا الاقتحام، وثانيا أنّ الخليل ومسجدها مناطق محتلة، وأنّ ما تمّ أخذه بالقوة لا يمكن استرداده بطرق أخرى، وأن البروتكولات والاتفاقيات ذات الصلة بموضوع الخليل والقضية الفلسطينية، لا يُحترم إسرائيليا، إلا ما يخدمها راهنا ومستقبلا، وفي مقدمة ذلك القضايا الأمنية، وما بروتوكول الخليل أو ما يُعرف باتفاقية الخليل الموقّعة بين حكومة نتنياهو ومنظمة التحرير في 15 يناير من عام 1997 عنا ببعيد، فلم تحترم السلطات الاحتلالية أيا من بنود الاتفاق، أللهم إلا تأكيدها على التنسيق الأمني ومكافحة الإرهاب (البند- (23) المسؤوليات الفلسطينية: يؤكد الطرف الفلسطيني التزامه التدابير والمبادئ الآتية وفقاً للاتفاق المرحلي: مكافحة الإرهاب ومنع العنف)، تعزيز التعاون الأمني، منع التحريض والدعاية المعادية، كما ورد في المادة الثانية والعشرين من الاتفاق المرحلي، المكافحة المنهجية والفاعلة للمنظمات والبنى التحتية الإرهابية، توقيف الإرهابيين ومحاكمتهم ومعاقبتهم، سيتم تقديم طلبات تسليم المشتبه فيهم والمتهمين وفقاً للمادة الثانية (الفقرة 7/5) من الملحق الرابع التابع للاتفاق المرحلي، مصادرة الأسلحة النارية غير الشرعية. انظر: الخليل- بروتوكول إعادة الانتشار.15/1/1997/ وكالة وفا الفلسطينية). وثالثا، اليهودية دينا وقومية وما بينهما من جدل في الدين والسياسة وإسقاطات الخطاب، تتقدم على ما سواها، سواء كانت ديموقراطية، كنظام أو كقيمة، وتتقدم على قيم أخرى كالعدل والمساواة والسلام، وبذلك يكون رئيس الدولة، قد تقدم خطوة أخرى كسابقه ريفلين في تحديد اليهودية كقيمة متقدمة على الديموقراطية، منهيا بشكل عملي هذا الجدل باقتحامه الحرم وإشعاله الشعلة بحضور عتاة المتدينين الصهاينة وحاخامات التيار الديني الصهيوني الحاريدلي، متجاوزا الخطاب التاريخي للرئيس السابق رؤفين رفلين المشهور بخطاب القبائل فقد تقدم هرتسوغ باتجاه تضييق شقة الخلافات البينية اليهودية لصالح تحقيق معنى أوسع لمفهوم الإجماع اليهودي، تقديم التيار الديني الصهيوني الحارديلي على أنه جزء لا يتجزأ من المشهد اليهودي العام، ومسجلا أنه جزء أساس من اللعبة السياسية الإسرائيلية، مانحا إياه الشرعية، وهو ما فسّره بعض المحللين الإسرائيليين من باب الدلالة على أنه رئيس لجميع الإسرائيليين أنى كان موقعهم.   تحليل خطاب رئيس الدولة، يدفعنا لتناول الموضوع ضمن ثنائيات الدين والعلمانية واليهودية والديموقراطية، إسرائيليا، والسلام ونبذ العنف، عربيا وفلسطينيا، وهي ثنائيات للوهلة الأولى متناقضة ظاهريا، فيما هي متكاملة عمليا وجوهريا، إذا ما تمّ إسقاطها على طروحات السلام الابراهيمي وخلفيته الديانة الابراهيمية المُؤسسة على الديانة اليهودية، باعتبارها أسُّ الأديان السماوية، ولذلك تحدث بوضوح عن أنّ إشعاله الشعلة أمر طبيعي في العودة إلى الجذور وتاريخ الأجداد مُقرنا حديثه بالتسامح الديني ورفض التعصب وكأنه يعلن انطلاق العمل على تحقيق هذه الديانة عمليا في ديارنا.

إشعال الشعلة في المسجد الابراهيمي، لا يحمل بعدا تاريخيا ووجدانيا فحسب، بل هو رسائل سياسية بامتياز، سواء للمكونات اليهودية أو الفلسطينية التي طالبها بقبول الموجود وتقبل هذا النوع من السلام عبر نبذ العنف والإرهاب، وهو مسعى ذكي لخلق الإنسان الفلسطيني والعربي والمسلم المُستأنسْ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى