أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

العنف ضد المرأة في الفلسفة النسوية (1)

ليلى غليون

أول أمس الخميس، والذي وافق الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني، احتفلت الناشطات النّسوّيات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية بما يسمى باليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، أو ما يسمى باليوم البرتقالي، حيث يصبغ العالم النسوي باللون البرتقالي وعادة ما تلبس فيه النساء الملابس البرتقالية أو يحملن الزهور والبالونات البرتقالية كرمز لعالم خال من العنف، وهو التاريخ الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحد عام 1999 حيث تنظم في هذا اليوم العديد من الأنشطة والفعاليات بهذا الشأن.

وجذور هذه المناسبة تعود للعام 1960، حيث وقعت حادثة اغتيال في جمهورية الدومنيكان وهي جمهورية صغيرة تقع في الكاريبي على مشارف كوبا وهاييتي، كانت ضحيتها الأخوات (ميرابال) وهن ثلاث شقيقات تم تصفيتهن بصورة بشعة في الخامس والعشرين من تشرين الثاني عام 1960 في عهد الدكتاتور رافاييل تروخيلو، بسبب مواقفهن ونشاطهن السياسي ومعارضتهن لحكمه آنذاك، وذلك من قبل مجهولين وبتوجيه حكومي ليصبحن فيما بعد رمزا من رموز الحرية في جمهورية الدومنيكان، بل والعالم أجمع، ورمزا للمقاومة والنضال في مواجهة العنف ضد النساء.

إنّ ظاهرة العنف بكل صوره وأشكاله واختلاف ضحاياه، ظاهرة عالمية شمولية لا تحدها حدود مكانية ولا زمانية ترتبط بطبيعة العلاقات البشرية غير السوية، وهي ظاهرة متفشية منذ الأزل وسمة بارزة وغالبة على الحياة الإنسانية بصورة عامة وليس فقط على المرأة، وليست حكرا على مجتمعات دون أخرى، ولا طبقات دون غيرها ولا أفراد دون آخرين، فالعنف متفش في الطبقات المثقفة وغير المثقفة، بين الأوساط الغنية والفقيرة كما هو مستشر في الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء.

والعنف بكل أشكاله وألوانه وبغض النظر عن شخص الضحية سواء كان رجلا أو امرأة، مرفوض ومستنكر وبغيض بكل المقاييس، ولا يمكن للنفس الإنسانية السّويّة أن تستسيغ أو تطيق حتى نطق أحرفه ومفرداته، ولا شك أن المرأة وهي الحلقة الأضعف ليست بمنأى عن العنف في كل المجتمعات بلا استثناء حتى تلك التي تتغنى بالحرية والديمقراطية والمدنية.

وبالرغم من القوانين الدولية والمؤتمرات العالمية العديدة والمتعاقبة التي أقيمت لمناهضة العنف ضد النساء، ورغم انتشار آلاف الجمعيات والمركبات النسوية في مختلف أنحاء المعمورة، إلا أنها فشلت فشلا ذريعا في حماية المرأة ولم تتمكن من توفير الأمان لها أو تمنع عنها العنف. فلا تزال تطرق على مسامعنا حوادث قتل مؤسفة لنساء سواء في مجتمعاتنا العربية والإسلامية أو في المجتمعات العالمية، خاصة المجتمعات المتحصنة بالفكر النسوي والتي أثبتت الدراسات والإحصائيات أن المرأة في هذه المجتمعات تتعرض لكافة أصناف العنف وأشكاله.

فالعنف ضد المرأة قائم في كل مكان ولا ينكره أحد، ووجوب القضاء على هذا العنف من أوجب الواجبات، بل هو واجب شرعي انساني وليس قضية أو توصية نسوية منبثقة عن هيئة الأمم المتحدة، والتي شرّقت وغرّبت في تعريف مفهوم العنف ضد المرأة، وألبست هذه القضية لباسا مزيفا أفقدها حقيقتها، فالمواثيق الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تضم لجان ضغط نسوية، حددت مفهوم العنف بصورة متطرفة جدا وقدّمت توصيات عالمية ملزمة لحل المشكلة بصورة أكثر تطرفا، حيث ارتبط مفهوم العنف ضد المرأة بالحركة الأنثوية التي تنادي بمساواة المرأة بالرجل مساواة مطلقة وتحريرها تحريرا تاما، ليخرج هذا المصطلح عن مفهومه الأصلي، ويتحول العنف ضد المرأة من قضية الكل متفق على تجريمها واستنكارها إلى أداة من أدوات التغيير الثقافي والقيمي للمجتمعات، وفرض الأجندات النسوية المتحررة من كل المبادئ التي لا تقبل بها الشرائع السماوية ولا الفطرة السليمة.

فقد جاء في تعريف العنف في وثيقة بكين 1995 :”أي عمل من أعمال العنف القائم على الجندر يترتب عليه أو من المحتمل أن يترتب عليه أذى بدني أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة بما في ذلك التهديد بالقيام بأعمال من هذا القبيل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”. وفي نفس المؤتمر “بكين” بند 124 تضمن دعوة للدول: “بإدانة العنف ضد المرأة والامتناع عن التذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبار ديني …”.

كما نصّ الإعلان في المادة الثانية منه على وجوب أن يشمل العنف ضد المرأة الجوانب التالية: “أعمال العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يقع في إطار الأسرة، والعنف المتصل بالمهر والاغتصاب في إطار العلاقة الزوجية وبتر الأعضاء التناسلية للإناث (الختان) وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة داخل أو خارج العلاقة الزوجية”.

فما من شك أن جل الوثائقّ الأممية المتعلقة بالمرأة ومن ضمنها وثيقة مناهضة العنف ضد المرأة، تنطلق من مبدأ الحرية المطلقة وتحتوي على العديد من المخالفات الشرعية بل تدعو علنا لتحييد الدين جانبا باعتباره حسب رؤيتها يقف حجر عثرة أمام حرية المرأة، بل كرّس الظلم والعنف ضدها، ومن ضمن هذه المخالفات:

  • المساواة المطلقة بين الذكر والأنثى انطلاقا من مفهوم الجندر.
  • الاعتراف بالشذوذ الجنسي كحق معتبر للفرد.
  • إلغاء القوامة.
  • إلغاء الولاية المعتبرة شرعا لصحة زواج المرأة.
  • المطالبة بالمساواة في الأحوال الشخصية، مثل العدة والطلاق والتعدد.
  • المساواة في الميراث.
  • المطالبة بالحرية الجنسية وتشريع الزنا.
  • تجريم زواج الفتاة دون سن الثامنة عشر واعتبار علاقاتها الجنسية خارج نطاق الزواج حرية شخصية.

فلم يعد يخفى على أحد، أن التعريفات النسوية لمجمل القضايا المتعلقة بالمرأة بصورة عامة، تبدأ كالحمل الوديع، تستخدم مفاهيم ومصطلحات فضفاضة تبدو للعيان أنّها محايدة رغم ما يشوبها من ضبابية، ولكن في مؤتمرات لاحقة تبدأ بالتدريج بالكشف قليلا عن حقيقتها لتتضح المعاني بعض الشيء، ثم لا تلبث أن تزيل القناع كليا لتظهر الحقيقة بأبعادها المتطرفة تماما كما خطط لها راسموها، ويلاحظ من تعريفاتها أيضا أنها تدس السم في العسل، وذلك بخلطها بين قضايا متفق عليها انسانيا ولا أحد ينكرها، وبين قضايا ذات طابع شاذ في مسعى منها لتمرير مفاهيم شاذة تهدف لتذويتها وتطبيعها في المجتمعات من خلال اقترانها بالقضايا المعتبرة وهذا ما يبدو جليا فيما يتضمنه تعريفها للعنف ضد المرأة. فتراها مثلا تخلط بين قضية مرفوضة جملة وتفصيلا وهي العنف ضد المرأة، وبين المهر الذي هو صداق لها وهدية يقدمها الزوج، حيث تعتبره النسويات ثمنا للزوجة وكأنها سلعة، كذلك الخلط بين العنف ضد المرأة كسلوك تعسفي متفق على رفضه، وبين مصطلح غريب وشاذ ظهر في أدبيات الفكر النسوي ما يسمى بالاغتصاب الزوجي، بمعنى تجريم الزوج إذا باشر زوجته بغير رضاها واعتبار ذلك عنفا ويجب محاكمته! كما أن إنفاق الزوج على زوجته (القوامة) لون من ألوان العنف والقائمة طويلة كما جاء في التعريف.

لم أجرد قلمي وأحرك يدي للكتابة عن هذه المناسبة لمجرد تزامنها في هذا الشهر، لأنه في الحقيقة تستفزني مثل هذه الأيام والتواريخ التي تعلن عنها هيئة الأمم المتحدة، بل وتثير فيّ مشاعر السخط وربما السخرية والامتعاض، لا لسبب سوى لعلمي ويقيني أن هذه الأمم المتحدة مسيسة تحركها المصالح وجمعيات الضغط النسوية التي تتبنى مفاهيم شاذة ومتطرفة وتسعى بكل السبل لفرضها على المجتمعات ومن ضمنها مجتمعاتنا الإسلامية لإحداث التغييرات القيمية والتشريعية وتعديل النظم الأسرية والتربوية والتعليمية وبالتالي تدمير شامل للأسرة والمجتمع .

إن قتل الأخوات (ميرابال ) ليس بالحدث البسيط، بل هو أمر جلل ويستحق مواثيق دولية لمناهضته ونبذه، ولكن أليس من حقنا أن نسائل حضرة الجمعية العامة ماذا فعلت إزاء الآلاف من النساء والفتيات سواء العراقية أو البوسنية أو الهندية أو الصينية أو الفلسطينية أو السورية أو المصرية أو اليمنية اللواتي صرخن بضمير العالم وسالت دماؤهن وسحقت كرامتهن وديست تحت الأقدام على مرأى ومسمع من الدنيا بأسرها وبمشاهدة قوات الأمم المتحدة والجمعيات النسوية المنتشرة في المعمورة؟

ولكل النسويات في بلادنا وبلاد العالم أجمع ممن قرعن آذاننا بمثل هذه الشعارات أقول: لماذا لا يسمع لكن صوت ولو على استحياء ترفضن فيه صور العنف الذي يمارس ضد المرأة العربية والمسلمة في كل مكان؟ لماذا تنخرس هذه الأصوات والمجازر المقترفة بحقهن تشيب لهولها الأجنة في بطون أمهاتها أوليس لهن حقوق يجب الدفاع عنها؟ أم أن العنف ضد النساء المسلمات مسألة فيها نظر؟!

إنني شخصيا لا اعترف بهذا التاريخ الصادر من الأمم المتحدة مع استنكاري الشديد ورفضي لعملية القتل التي تمّت بحق الأخوات (ميرابال )، ولكل ظلم يقع على المرأة أو أي إنسان في المعمورة، لأني بكل بساطة أكفر بهيئة الأمم المتحدة وبكل قراراتها وتوصياتها والتي ما كانت ولن تكون أبدا نصيرا للمظلومين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإني أرفض أن نكون تحت وصاية منظمات الضغط النسوية المنتشرة في هيئة الأمم المتحدة والتي تبنت قضايا المرأة بصورة عامة ليس إلا لفرض أجندتها المتحللة من القيم الدينية والأخلاقية ولتطبيع مصطلح الجندر داخل المجتمعات في مسعى منها خبيث لإقصاء المرأة بل المجتمع كله عن شرعة الله سبحانه وهذا باعتقادي هو العنف الحقيقي.     فشتان بين مفهوم العنف ضد المرأة الذي نستنكره وندينه وننادي بمناهضته، وبين مفهوم العنف الذي تقصده وتنادي بنبذه الجمعيات النسوية، وشتان بين الحل النسوي والحل الذي وضعه الإسلام للقضاء على العنف بصورة عامة وضد المرأة على وجه الخصوص، ولنا في هذا وقفة في المقال القادم إن شاء الله.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى