أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

انتخابات المغرب: محاولة للفهم

توفيق محمد

الفشل الذريع الذي مني به حزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات الأخيرة التي جرت الأسبوع الماضي، كان ضربة مؤلمة جدا له، ولكنه كان نتيجة طبيعة في بلد مثل المغرب، ولكن قبل ذلك فإنه لا يمكن التغاضي عن حالة التيارات الإسلامية عموما في كل الدول العربية، فمنهم من قمعته الدولة العميقة بالحديد والنار، فقتلت قياداته أو سجنتهم أو نفتهم، أو سممتهم في السجون، أو سربت لهم الموت البطيء في زنازينها ومعتقلاتها، ومنهم من جعلت الكفوف الحريرية وحضن الدب يعتصرهم ويلتف حول أعناقهم.

الحالة المغربية لم تكن إلا مثالا حيا للكفوف الذهبية، فعلاقة حزب العدالة والتنمية مع الدولة العميقة في المغرب ومع النظام بدأت في آذار من العام 2011 في أوج الربيع العربي واستمرت بعد فوز الحزب في الانتخابات المغربية في كانون ثانٍ من العام 2012 والتي حصل فيها الحزب على 107 أعضاء من أصل 395 مقعدا.

في نهاية كانون ثانٍ من العام 2012 كنت في زيارة للمغرب مع وفد من رؤساء تحرير عدد من الصحف في دول عربية مختلفة، وقد أجريت وزميلي عاطف الجولاني رئيس تحرير صحيفة السبيل الأردنية حوارات مع رئيس الحكومة المغربية المُنتخب حديثا الأستاذ عبد الإله بنكيران، ومع عدد من قيادات حركة التوحيد والإصلاح الحاضنة الشعبية للحزب، ويمكن القول إن الحركة والحزب كانا قد اتجها إلى هذا الخيار بكامل التجرد لخدمة البلد والوطن وبكامل النيات الحسنة، لكن …(ولكن هذه نعود لها لاحقا). وكان من ضمن ما قيل لنا في إحدى تلك المقابلات: “بالتأكيد أن الحراك الذي حصل في الدول العربية حصل معه تفاعل على المستوى المغربي وكانت له خصوصيات، بعد التحرك الأول على مستوى الشارع والحراك الشعبي على مستوى الشارع، تم التعامل والتفاعل معه من طرف الملك، وصدر خطاب الملك يوم 9 مارس 2011 بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع عقب أول مسيرة أو أول حراك شعبي، وكان السقف الذي فتح باتجاه تعديلات دستورية أكبر من كل مطالب الفرقاء السياسيين، وبطبيعة الحال دخلت مجموعة من الهيئات السياسية، وهناك من حافظ على حضوره في الشارع وفي الحراك الشعبي، وكانت هناك مطالبات بأن تكون هناك هيئة دستورية تأسيسية، في حين انخرطت هيئات أخرى منها حركتنا حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية في اللجنة المعدلة للدستور، وساهمت في مجموعة من التعديلات وعبأت الشعب للتصويت بنعم، ثم جاءت بعد ذلك الانتخابات، وكانت نسبة النزاهة فيها جيدة، وحصل حزب العدالة والتنمية على 107 مقاعد، لم يكن أحد يتوقع هذا العدد من المقاعد، حيث كانت التوقعات الحصول على حوالي 60 – 80 مقعدا وتم تكليف الحزب بتشكيل الحكومة وفق ما ينص على الدستور، في تقديرنا أن هذا الذي حصل كان فرصة لتوسيع مجال المشاركة وإشراك الناس ….”. في السياسة لا تكفي النيات الحسنة حتى تستطيع تنفيذ برامجك التي في صلبها مكافحة الفساد المستأصل في الدولة العميقة هناك. انتخب الناس حزب العدالة والتنمية بناء على برامجه الواضحة التي تدعو للحكم العادل واستئصال الفساد المستشري، وإعادة الهيبة للدولة والوطن.

في مطار الرباط في طريق عودتي حينها من المغرب، كنت قد اشتريت بعض المقتنيات فيما تبقى معي من الدراهم المغربية، لكن عندما أردت الدفع رفض العاملون هناك عملة دولتهم وطلبوا أن أدفع إمّا بالدولار أو باليورو، عندها أدركت عمق الهوة التي يجب على حكومة بنكيران انتشال المغرب منها، فالعملة التي هي من رموز السيادة للدول ترفض استقبالها حوانيت المطار الذي هو أيضا من رموز السيادة في الدول، أي أن أحد مظاهر السيادة (المطار) لا يحترم عملة وسيادة الدولة.

غرقت الدولة العميقة حزب العدالة والتنمية في إدارة الأزمات المحلية للدولة واستثنته من المفاصل الحيوية، وأبقت على منظومة الفساد قائمة، معها قدّم الحزب تنازلات في مفاصل هامة، ولذلك أتاح الملك للحزب في دورته الأولى في الحكم تشكيل حكومته الأولى برئاسة بنكيران، وأوحى إلى الأحزاب الموالية للملك بقبول المشاركة في حكومة بنكيران، لكنه منعها من ذلك في الدورة الانتخابية الثانية له والتي فاز فيها العدالة والتنمية برئاسة بنكيران بـ 125 مقعدا أكثر بـ 18 مقعدا من الدورة الأولى، لكن الدولة العميقة والملك منعوا بنكيران من تشكيل حكومته الثانية ما لم يقدم التنازلات التي طلبوها منه، وهكذا استقال بنكيران وأفسح المجال للعثماني الذي قبل بالاشتراطات الملكية، وشكّل حكومة العدالة والتنمية الثانية، لكن هذه الحكومة بالإضافة لقبولها بالاشتراطات الملكية والدولة العميقة، ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير حيث قبلت باتفاقية السلام مع إسرائيل وتطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية، في خطوة تعتبر في عرف أهل المغرب العربي خيانة للقضية الفلسطينية، التي يعتبرونها قضيتهم المقدسة، فهم أصحاب حائط وحارة المغاربة التي كان سكانها من أبنائهم المجاهدين الذين جاهدوا في فلسطين في فترات سابقة، وهكذا مررت الكفوف الحريرية للدولة العميقة مخططها التطبيعي عبر إصبع العدالة والتنمية الذي وقّع هذه الاتفاقيات، ونزعت عنه آخر ما تبقى له من شرعية في عيون الشعب الذي عاقبه على ذلك شر عقاب في الانتخابات الأخيرة، معتبرا أنه لا فرق بين أرباب التطبيع والعلاقات السرية الذين فازوا في الانتخابات، وبين من وقّع على إخراج هذه العلاقات المحرمة إلى العلن وإضفاء عقد الزواج “الشرعي “عليها”.

إن الجماهير عندما تنتخب الإسلاميين فإنما تنتخبهم لبرامجهم المخلصة التي تعدهم بالعدالة والحرية والنزاهة والحفاظ على مقدسات الأمة، والتي هي ترجمة لحياتهم العملية في أوساط الشعب، فإن قبلوا بفساد الدولة العميقة من باب “درء المفاسد” و”أخف الضررين” عاقبتهم الجماهير على ذلك بالإقصاء، وهذا بالضبط ما عملت عليه الدولة المغربية العميقة حيث أغرقتهم تحت الشعارين أعلاه بقبول كل محظوراتهم لتنزع عنهم شرعية الوجود وهو ما حصل بعد عشر سنوات من حراك الربيع العربي. كان الأولى بحزب العدالة والتنمية، ورئيس الحكومة السيد سعد الدين العثماني، تقديم استقالته واستقالة حزبه من الحكومة فور البدء بالهرولة العلنية نحو التطبيع مع إسرائيل، فإن فاز لدورة أخرى فبفضل ثباته على الموقف والمبدأ، وإن خسر تكون خسارته بشرف الثبات والصمود.

على كل الأحوال فإن خسارة حزب العدالة والتنمية لهذه الانتخابات بعد إذ دُفع إليها بكفوف حريرية والانقلاب على الحكومات التي شكلها الإسلاميون في أماكن أخرى (اليمن وليبيا ومصر) بالحديد والنار وكل الأساليب الوحشية، يقتضي أن يعيد الإسلاميون قراءة المرحلة من جديد وإعادة فهمها.

لا أدّعي أني أملك فهما، ولكني أدعو إلى تصفير الحالة وإعادة القراءة، وإعادة الفهم، خاصة وأن العدو أكبر وأوسع بكثير مما نتصور وهو عابر للقارات، وهو يعي أن حكما رشيدا لدولة عربية أو إسلامية عن طريق الحركات الإسلامية، يعني نجاحا لمشروع لا يريدون له سوى الفشل، لأن الصراع صراع حضارات وقيم ودين، وليس صراع موارد، وإن كانت الموارد حاضرة في كل الصراعات.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى