دول جوار ليبيا تبحث بالجزائر تصاعد التهديد العسكري
يدفع تصاعد مخاطر عودة ليبيا إلى الفوضى مع احتمال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تلويح مجلس النواب بسحب الثقة من حكومة الوحدة، دول الجوار إلى التحرك سريعا لضمان عدم خروج الأوضاع عن السيطرة وانعكاسها على أمنها الداخلي.
فملتقى الحوار الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة فشل لحد الآن في الاتفاق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، ومجلس النواب يتحرك بدون تنسيق مع المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) لإعداد قوانين الانتخابات ما يضاعف الانقسام السياسي.
بينما يرفض اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الخضوع لأي سلطة مدنية، ويحشد قواته ويحركها ويقوم بتعيينات وترقيات دون تنسيق مع القائد الأعلى للجيش، ما يهدد بتصعيد عسكري.
فلجنة “5+5” العسكرية المشتركة فشلت في إخراج المرتزقة وتوحيد المؤسسة العسكرية طيلة عشرة أشهر الأخيرة، ما يهدد بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وضمن هذا السياق يأتي اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي الستة بالجزائر، الإثنين والثلاثاء، لإعادة التأكيد على وحدة ليبيا، في ظل بروز مشاريع لانقسام أو تقسيم البلاد، في حال فشل إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
** فرص وتهديدات
فاستقرار ليبيا ولو بشكل هش يمنح دول الجوار وبالأخص تونس ومصر، فرصا للاستثمار والمشاركة في إعادة الإعمار وسوقا للتصدير ومعالجة أزمة البطالة، في بلد يملك أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا، ويستورد كل احتياجاته تقريبا من الخارج.
لكن أكثر ما يغري دول الجوار حجم مشاريع إعادة الإعمار الكبير، والذي قدره وزير الاقتصاد الليبي سلامة الغويل، بنحو 135 مليار دولار، بينما توقعت صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية أن يصل هذا الرقم إلى 500 مليار دولار.
إلا أن تداعيات انهيار اتفاق وقف إطلاق النار على دول الجوار ستكون مدمرة، ومالي التي لا تشترك بأي حدود مع ليبيا، كانت أولى ضحايا الفوضى التي اجتاحت البلاد من 2011 إلى 2020.
كما أن دول الجوار (تونس والجزائر وتشاد ومصر والسودان والنيجر) اكتوت بشكل أو بآخر من نار الفوضى الليبية، ولعب بعضها دورا سلبيا في تأجيجها.
فالهجوم الذي قاده متمردو جبهة الوفاق والتغيير “فاكت” في أبريل/نيسان الماضي، على شمال تشاد، انطلق من ليبيا، وكذلك هجوم عناصر تنظيم “داعش” على مدينة بن قردان التونسية في 2016، وهجوم تيغونتورين في الجزائر عام 2013، ناهيك عن حديث مصر والسودان والنيجر عن استخدام جماعات متمردة أو إرهابية الأراضي الليبية كقواعد خلفية لتهديد أمنها.
لذلك فاجتماع الجزائر ليس عبثيا، بقدر ما هو استشعار لخطورة الوضع في ليبيا، بل في شمال إفريقيا والساحل، والتحولات الدولية العميقة، التي يميزها بداية انكفاء الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها وانسحابها من بؤر التوتر، وما قد يخلق ذلك من فراغ أمني في عدة نقاط ساخنة من العالم، قد تسعى الجماعات الإرهابية والمتطرفة لملئه.
وهذا أحد الأسباب التي دفعت واشنطن لدعم اجتماع دول الجوار خلال لقاء المبعوث الأمريكي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، بوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في تونس.
** توتر ليبي تونسي
الأخبار الزائفة التي نشرتها وسائل إعلام موالية لحفتر ولدول عربية داعمة له بشأن تسلل إرهابيين من ليبيا نحو تونس، كادت تتسبب في أزمة دبلوماسية بين البلدين.
ففي خطاب حاد فجر الجمعة، قال عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة، “ليبيا حاربت الإرهاب في سرت وفي كل مكان، ولا يمكن أن نقبل باتهامنا بالإرهاب، وأنه تم إرسال وفد كبير لتونس للتفاهم معها بشأن هذه الاتهامات الغريبة”.
وجاء هذا الخطاب بعد عودة وفد حكومي ليبي برئاسة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، من تونس، فيه دعم بلادها الكامل ووقوفها مع تونس في كل ما تتخذه لضمان أمنها واستقرارها.
كما نفى وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، وجود أطراف إرهابية في ليبيا تحاول التسلل إلى بلاده.
إلا أن ذلك لم يكن كافيا على ما يبدو لتهدئة الوضع في طرابلس، حيث خرج بعده الدبيبة، بخطاب صادم، قال فيه “إذا كانت تونس تريد بناء علاقات قوية وصادقة معنا، فلابد من احترام دول الجوار، فهي دولة جارة وصديقة ونحن نريد بناء علاقات طيبة مع كل دول الجوار”.
وهذا ما خلف استياء في تونس خاصة على مستوى ناشطين إعلاميين وسياسيين اعتبروا أنه ليس من المقبول “الرد على تقارير إخبارية ووثائق مسربة لم يكن مصدرها السلطات التونسية”.
ومن المرتقب أن يشكل اجتماع الجزائر فرصة لإزالة أي التباس في العلاقات بين البلدين، إنهاء أي سوء تفاهم.
** قوات حدودية مشتركة
تشاد التي فقدت رئيسها إدريس ديبي، في 20 أبريل الماضي، بعد توغل متمردي “فاكت” شمال وغربي البلاد انطلاقا من ليبيا، اقترحت على طرابلس تشكيل قوات مشتركة لضبط الحدود.
وفكرة القوات المشتركة سبق وأن جربتها ليبيا مع السودان، وأيضا الأخيرة مع تشاد، وكانت نتائجها جيدة على الأرض، وحققت استقرارا ملموسا على الحدود المضطربة.
ولكن رئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد محمد إدريس ديبي، يريد “إعادة إحياء الاتفاق الرباعي بين ليبيا والسودان والنيجر وتشاد” الموقع في 2018.
إلا أن انقسام المؤسسة العسكرية في ليبيا وشساعة أراضيها وطول حدودها يصعّب من هذه المهمة، بل يجعلها أكثر تعقيدا أحيانا.
فالحدود الليبية التشادية يسيطر عليها من الجهة الغربية قبائل التبو الليبية، والتي لها امتدادات في شمال تشاد، وقاتل العشرات من المسلحين التبو إلى جانب متمردي “فاكت” التشاديين في هجومهم أبريل الماضي.
كما أن مليشيات حفتر حاولت السيطرة على كامل إقليم فزان (جنوب غرب) إلا أنها طردت من مدينة مرزق، أقصى الجنوب الغربي على يد التبو، فيما تخضع الحدود الجزائرية لسيطرة كتائب الطوارق بقيادة علي كنة، الموالي لحكومة الوحدة في طرابلس.
أما الجنوب الشرقي على الحدود مع السودان وتشاد، فتسيطر عليه كتيبة “سبل السلام” السلفية، التابعة لحفتر بالإضافة إلى مسلحين منفلتين من التبو.
وبالنسبة للمناطق الحدودية الجنوبية لليبيا، مع كل من السودان وتشاد والنيجر، فتضم طرق عبور قوافل المهربين وتجار السلاح والبشر والإرهابيين، ويسيطر على بعض نقاطها مسلحون من التبو والطوارق وقبائل أخرى في الصحراء وتحصل مقابل السماح بمرور شبكات التهريب على أموال وسلع ووقود.
ومن المرتقب أن يبحث اجتماع دول جوار ليبيا بالجزائر، كيفية تأمين الحدود البرية الليبية، لعرقلة تحرك الجماعات الإرهابية وشبكات تهريب السلاح والبشر والوقود.
غير أن ضمان وحدة ليبيا يعتبر أهم نقطة تجمع عليها دول الجوار، في ظل مناورات رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، حليف حفتر، بسحب الثقة من حكومة الوحدة، أو تشكيل حكومة موازية في الشرق.
فاجتماع الجزائر من شأنه إعادة ليبيا إلى دائرة الاهتمام الدولي، بعد شهرين من انعقاد مؤتمر برلين الثاني في 23 يونيو/حزيران الماضي، وإعادة ضبط بوصلة الأطراف الليبية، حتى لا تحرف عن موعد الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل.