أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

  هبة الكرامة… الاعتقالات، ومشاركة القائمة العربية في الائتلاف الحكومي

توفيق محمد

ما تزال مدينة اللد تخضع لقبضة شرطية عنيفة، وما يزال أبناؤها وشبابها تحديدا، وقياداتها تعتقل بشكل شبه يومي، وما تزال عدد من البلدات العربية أيضا تخضع لذات القبضة، وتأتي الاعتقالات بذريعة الإخلال بالأمن العام، أو التحريض، أو الاعتداء على الممتلكات العامة. وفي الحقيقة فإن السواد الأعظم من المعتقلين يتم إخلاء سبيلهم بعد أيام أو ساعات من الاعتقال، وحسب المعطيات المتوفرة لدى الهيئات القانونية، فإنه من بين قرابة ألفي معتقل تم اعتقالهم خلال ما أطلقت عليه الحكومة والشرطة الإسرائيلية “حملة النظام والقانون” تم تقديم ما يقارب 170 لائحة اتهام، يزيد أو ينقص قليلا، ومخطئ من يظن أن لوائح الاتهام المقدمة تعبر حقيقة عن جنحة أو مخالفة حقيقة قام بها من قُدمت بحقه لائحة الاتهام، وإن كنا لسنا بصدد مناقشة كل لائحة اتهام على حدة، فهذا شأن المحامين من أبناء شعبنا الذين قاموا بواجبهم خير قيام، فقد رافقوا المعتقلين منذ ساعات اعتقالهم وطيلة مدد توقيفهم مجانا، فنجحوا بإخلاء سبيل المئات منهم، إذ بلغ عدد الاعتقالات قرابة الألفي حالة. لكن عطفا على نقاش لوائح الاتهام فإنها وإن كانت اختصاص المحامين لكن برز من بينها الاعتقالات على خلفية الاتهام بالتحريض واستعمال قانون الإرهاب الجديد سيء الذكر من العام 2016.

هبة الكرامة، وحالات الاعتقال، والقبضة الشرطية العنيفة، ومشاركة القائمة العربية الموحدة في الائتلاف الحكومي، تضعنا أمام حالة سياسية جديدة تستدعي يقظة وجاهزية شعبية وجماهيرية واعية ومدركة لخطورة المرحلة، تأخذ على عاتقها تنظيم اللجان الشعبية لإسناد ومتابعة الملفات ولوائح الإتهام التي باتت تعاقب المعتقلين من الشباب والقيادات على مواقفهم وآرائهم السياسية، ويقظة وجاهزية حقوقية وقانونية مستعدة للتضحية والدفاع عن أبناء شعبنا أمام التغول السلطوي على أبنائنا باسم القانون والنظام.

هبّة الكرامة التي تبعت إضراب الكرامة لم يكن دافعها المطالبة بحقوق مدنية، ولا علاقة لها بذلك بتاتا، وإن كان مطلب الحقوق المدنية هو حق يجب الحصول عليه بقامة منتصبة وكرامة وطنية وعقدية وقومية دون علاقة بالمواقف من قضية شعبنا الفلسطيني أو سائر قضايانا الوطنية الأخرى. هبة الكرامة جاءت في أعقاب الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان المبارك، وهو المسجد الذي يحمل الرواية الفلسطينية في أبعادها الإسلامية العقدية والقومية والوطنية، وهو بأبعاده الثلاثة هذه يجمع كل أهلنا وعالمنا العربي وأمتنا الإسلامية على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية، وقد تراكم إلى الاعتداء على المسجد الاقصى الاعتداء الاحتلالي على أهلنا المقدسيين في باب العمود في محاولة لتغيير المناخ الفلسطيني في بقعة تمثل الهوى الفلسطيني في مدينة القدس، فيها يتجمع الناس يوميا، تجارة وسمرا وحضارة، وأضيف إليه محاولات إخلاء القدس من هواها العربي في الشيخ جراح وسائر الأحياء المقدسية، على هذه الخلفية، كانت هبة الكرامة التي جاءت بعد عقدين من الزمن مرّا على أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني وأعقبا هبة القدس والأقصى، فيهما انتشرت الجريمة وعصاباتها والعنف بشتى صوره في بلداتنا، تحت عين السلطة التي غضت الطرف عن انتشار سلاح الجريمة والعنف والاتاوة، لتفتيت النسيج الاجتماعي وحصر المجتمع الفلسطيني في الداخل في زاوية المطالبة بالأمن والأمان، وإشغال شبابه في مستنقع الجريمة والعنف، وفجأة جاءت هبة الكرامة لتنسف هذه الرواية وهذا المخطط من جذوره، ولتقول إن الأقصى والقدس وقضايانا الوطنية ما تزال في صلب العمود الفقري من حياة الأهل وخاصة فئة الشباب المستهدفة في العنف والجريمة، فقد كان الشباب الصغار هم مكونات هذه الهبة، وهم في الحقيقة لم يفاجؤوا السلطة بقدر ما فاجأوا مجتمعهم، فقد ظنّ الناس أن هذا الجيل هو جيل الـ “تيك توك” و” الفيسبوك” و “الإنستا” وغيرها من مواقع التواصل الإجتماعي إلى جانب نشر العنف والجريمة في أوساطهم، وإذ بهم ليسوا كذلك وإنما أصحاب حظ كبير بالانتماء إلى الأقصى والقدس ومجمل الحس الوطني.

حالات الإعتقال التي وصلت إلى الفي حالة، تميّزت بالانتشار الأمني الكثيف والحواجز الشرطية الطيارة، تلك التي كنا نسمع عنها عند أبناء شعبنا ونصفنا الآخر في الضفة الغربية، فأصبحنا نلمسها في أحيائنا، ثم الاقتحامات الليلة العنيفة للبيوت التي يتم خلال بعضها الاعتداء على أهل البيت وممتلكاته وتعمد التخريب لبث حالة من الإرهاب والخوف في صدور الناس، وكما قلنا فإن غالبية هذه الاعتقالات التي بلغت قرابة الألفي حالة انتهت بإخلاء سبيل المعتقلين إلا من عشرات الحالات التي قدمت فيها لوائح اتهام، والمثير أن عددا من لوائح الاتهام وبالذات تلك التي قدمت بحق القيادات كتلك المقدمة ضد الشيخ كمال خطيب رئيس لجنة الحريات، وكتلك التي تعتزم النيابة تقديمها بحق القيادي محمد كناعنة، كلها تقع في باب حرية التعبير عن الرأي وهي حسب كل المحامين لا علاقة لها بالقانون، وقد قال المحامي أحمد صوالحة عن لائحة الاتهام المقدمة بحق الشيخ كمال في مقابلة له مع الإعلامي يزيد دهامشة عبر موقع ويزكام :”كل الاقوال التي قالها الشيخ كمال في كل المنصات لا علاقة لها بالقانون وليست موجودة إطلاقا في الملعب القانوني الجنائي بل هي موجودة بالملعب السياسي أو الملعب الجماهيري .. بدهن (يريدون) يفرضوا علينا أن محمد جمجوم مجرم وأن ياسر عرفات قتال قتلة وكذا .. من هذا الباب اعتقل الشيخ كمال”. وهي – أي لوائح الاتهام – بالتالي تهدف إلى تغيير الرواية الفلسطينية عبر تجريم أحداث تاريخية في قضية شعبنا الفلسطيني، أو عبر تجريم مصطلحات ومواقف سياسية تعبر عنها قيادات هذا الشعب سيرا مع ترسيخ رواية المطالب اليومية والمدنية التي ترفع لواءها القائمة العربية الموحدة بقيادة عضو الكنيست منصور عباس، التي تقول إنها تمثل الحركة الإسلامية الجنوبية، ورغم أن الحالة العامة في البلاد كانت تنطبق على المجتمعين العربي واليهودي إلا أن العنف الشرطوي في التعامل مع المعتقلين وعدد المعتقلين لدى المجتمع اليهودي كانت صفرية، إذا ما قيست بما كان لدى مجتمعنا، وكما قال وزير الأمن الداخلي السابق غير المأسوف على انتهاء ولايته إن هدف هذه الحملة هو إعادة الردع والهيبة للشرطة في المجتمع العربي، بعد إذ فُقدت وبالذات من صدور جيل الشباب.

في المحصلة، نحن أمام محاولة لتغييب الرواية الوطنية الفلسطينية في بعدها الإسلامي العقدي، وفي بعدها القومي عبر هذه الملاحقات القضائية التي باتت تلاحق الناس وبالذات القيادات على مواقفهم السياسية وآرائهم، بل باتت تلاحق الرواية التاريخية بتفاصيلها الصغيرة سعيا لإحلال الرواية الصهيونية مكانها.

المطلوب من كل البلدان التي ليس فيها لجان شعبية تأسيس لجان شعبية فاعلة، ومن تلك التي فيها لجان تفعيلها كي تكون الظهير القوي للأهل، ومن المحامين المشكورة جهودهم في مرحلة الاعتقال التعامل مع ملفات المعتقلين الذين قدمت بحقهم لوائح اتهام كملفات تحمل بعدا وطنيا عبر عدم الإثقال على أصحابها بمبالغ مالية كبيرة، وهناك الكثير من الأمثلة الرائعة التي ضربها محامون كثر في هذا الواقع، تُمثل حالة يجب تقليدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى