أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

الشيخان رائد وكمال…  بين هبة القدس وهبة الكرامة

توفيق محمد

كان ذلك في أعقاب هبة القدس والأقصى في العام 2000 والتي أسفرت عن 13 شهيدا في بلداتنا: سخنين وعرابة وكفر مندا وكفر كنا والناصرة ومعاوية وأم الفحم وجت، ومئات الجرحى، ومئات المعتقلين، وحملة تحريض منفلتة في الإعلام والسياسة الإسرائيلية ضد أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني أسفرت عن اعتداءات على عائلات عربية في عدد من البلدات اليهودية وعلى شواطئ البحر، وفي مختلف الأماكن، وأسفرت كذلك عن مقاطعة اقتصادية للمصالح العربية بل للمدن والقرى العربية، وكانت النتيجة بعد ذلك تعيين لجنة “أور” التي أدانت الضحية، فالشيخ رائد صلاح الذي شغل يومها منصب رئيس بلدية أم الفحم ورئيس الحركة الإسلامية والذي أصيب برصاص مطاطي في جبينه يومها أصبح في عرف لجنة “أور” متهما، وتم توجيه التحذير له وللدكتور عزمي بشارة والمحامي عبد المالك دهامشة ومنذ ذلك الحين يلاحق الجهاز الأمني الإسرائيلي الشيخ رائد صلاح بمختلف التهم والملفات، والتي قضى وما يزال نتيجتها سنوات من عمره داخل السجون الإسرائيلية.

ما أشبه اليوم بالبارحة، فحكومة إسرائيل هي من افتعلت، وهي من استفزت أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مواقعهم، وهي التي لا أقول بدأت الاستفزازات في باب العمود والمسجد الأقصى، وإنما هي من استأنفت هذه الاستفزازات والتضييقات على المسجد الأقصى المبارك وعلى أهلنا المقدسيين في باب العمود منذ الفاتح من رمضان، وضاعفتها في العشر الأواخر منه، وهي من سمحت بالمسيرة الاستفزازية في باب العمود رغم التحذيرات التي قدّمتها المخابرات العسكرية والتوصية بإلغاء هذه المسيرة، وهي من أرسلت قواتها إلى المسجد الأقصى صبيحة الثامن والعشرين من رمضان لتقمع المصلين المسالمين بالرصاص المطاطي والغاز المدمع وقنابل الصوت، وهي من أشعلت الشارع العربي عندما استُحضر عتاة المستوطنين مسلحين من البؤر الاستيطانية إلى المدن المختلطة، فقتل أحدهم ابن مدينة اللد الشهيد موسى أبو حسونة، وبدل محاسبته على جريمته، طالب وزير الأمن الإسرائيلي- الذي من المفترض أن يوفر الأمن للجميع- بإطلاق سراحه، وفعلا بعد سويعات على طلبه تم إطلاق سراح القاتل، وانتشرت فرق المسلحين المستوطنين، فرق الخراب والاعتداءات، في المدن المختلطة تعتدي وتهدد أمن الناس تحت سمع وبصر من يجب عليهم أن يردعوهم عن إجرامهم، ثم ألحقت ذلك بحملة شرطية أطلقت عليها اسم “القانون والنظام” اعتقلت خلالها أكثر من 1700 من أبناء مجتمعنا.

كان من أوائل الذين اعتقلتهم الشرطة الإسرائيلية، الشيخ كمال خطيب، رئيس لجنة الحريات في لجنة المتابعة العليا، وقدّمت ضده لائحة اتهام تتعلق بمنشورات كتبها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” بتهمة التحريض على العنف، وفي الحقيقة فإن بين هذه المنشورات وبين التحريض على العنف بعدا كما بين المشرق والمغرب، ولكن مرة أخرى تحوّل المنظومة الإسرائيلية الضحية إلى متهم.

الشيخ كمال خطيب الذي قاد في السنوات الخمس الأخيرة لجنة الحريات، كان المبادر وعلى رأس كل نشاط لنصرة أسرى شعبنا، ولم يدخر جهدا متاحا وشرعيا في هذا السبيل بالأسلوب الراقي والقانوني إلا وقدمه، فكان له وللجنته وقفة أمام كل سجن يعاني فيه أبناء شعبنا قهر السجان، وكان له حضور في كل محكمة يُحاكم فيها أبناء شعبه مدافعا منافحا داعما للأهل ومثبتا لهم بأسلوب حضاري راقٍ، ولم يتخل يوما عن نصرة قضايا شعبه المطلبية والوطنية والدينية، سواء كان ذلك في المسجد الأقصى، أو مدينة القدس المباركة، أو في مناصرة من تهدم بيوتهم ظلما وعدوانا وغير ذلك الكثير الكثير، وهو لم يدخر جهدا في تبيان الخط الوطني والكتابة عنه، وفي احتضان أبناء شعبه عبر النصيحة والتوجيه والدعم المعنوي والسياسي والإعلامي، وقبل ذلك يوم كان يشغل منصب نائب رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليا بالدعم والاحتضان المادي الذي كان من خلاله يتمثل أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فكان يحملُ الكلَّ، ويكسبُ المعدومَ، ويُقري الضيفَ، ويعينُ على نوائب الحقِّ، وبذلك كان موقعه في القلب من أبناء مجتمعه، وفي الوقت ذاته فإنه من أثبت الناس عند المبادئ والثوابت والمواقف بكل ما أتيح له من وسائل شرعية، وكان أحرص الناس على أمنهم وسلامتهم وحقهم.

إذا فالشيخ بهذه المواصفات امتلك قلوب أبناء شعبه ومحبتهم مع اختلافه مع قطاعات منهم سياسيا.

أعتقد أن هذه هي الأسباب التي جعلت المنظومة الإسرائيلية تعتقل الشيخ كمال وتودعه السجن، لأنه يمثل القدوة والثبات على المبدأ والموقف أمام مجتمعه وأهله وشعبه، وبالتالي فإن هذه المنظومة تريد أن تغيبه عن المشهد السياسي وعن المشهد العام لدى أبناء شعبنا عبر هذا الاعتقال والإنهاك في المحاكمات الظالمة، وليس لأنه ارتكب مخالفة أو جريمة أو جريرة، وأكاد أجزم ان ذات المشهد يعود إلينا بين هبة القدس وهبة الكرامة، فهناك تم تحذير الشيخ رائد صلاح بالمسؤولية عن اندلاع الهبة، وإن كان القضاء لاحقا ورسميا لم يحمله تبعات ذلك، لكن الممارسة القضائية والسلطوية أبقته رهن السجن المتقطع من يومها إلى الآن في حالة من الإنهاك والإرباك المستمر، وهو الذي نشهده الآن في أعقاب هبة الكرامة التي أعقبت إضراب الكرامة الذي دعت له لجنة المتابعة العليا من مدينة يافا والذي سجل يوما تاريخيا مفصليا في حياة أبناء شعبنا لم يسبقه في شموله إلا إضراب عام 1936، حيث يعتقل الشيخ كمال الخطيب في أعقاب هبة الكرامة لكل تلك المواقف أعلاه.

أعتقد أن هناك مسعى إسرائيليا لتشويه الحاضر الإسلامي في بلادنا عبر اعتقال وحظر من يعبر عنه أفضل تعبير وبصدق في القول والعمل والتوجه والإخلاص – بإذن الله – وإفساح المجال لمن تصرفه وطريقه يسيء لحاضرنا الإسلامي في الداخل الفلسطيني عبر إغراقه في القضايا المطلبية والميزانيات، وعزله عن المحيط والحاضنة الطبيعية، بهدف أن يبقيه وحيدا في ساحة العمل الإسلامي ويضفي عليه شرعية الرضا عنه، وكأنه هو من يمثل الحاضر الإسلامي وحده، وهكذا يتم تشويه هذا الحاضر في أذهان الناس والحاضر العربي والإسلامي عموما.

إزاء هذا التخطيط فإن واقع الناس ووعيهم يدركان تمام الإدراك أن الإسلام وحاضر المسلمين ليس هو إلا الصدق مع الثوابت والمبادئ والوطن والدين مهما توغلت يد التخطيط عميقا، وليت قومي يعلمون فينتهون ويتوقفون عند أمر دينهم والوطن.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى