أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الداخل الفلسطيني بين عبيد القصر وعبيد البيدر (1)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

جمعني وأخ عزيز نابهِّ صاحب بصيرة لقاء تناولنا فيه ما آلت أليه أوضاع الداخل الفلسطيني عموما، وعرجنا على الانتخابات الأخيرة ومساعي نتنياهو وحزبه إقناع سيموطرتش -الحزب الصهيوني الديني للمشاركة في الحكومة التي من المتوقع أن تدعمها القائمة الموحدة. قال لي هذا العزيز، مثل المشتركة والموحدة في هذه الانتخابات كمثل عبيد القصر “البيت” وعبيد الحقل “البيدر” فالموحدة تريدنا عبيدا في قصور المؤسسة الإسرائيلية والمشتركة تريدنا عبيدا في الحقل والمشترك بينهما ترسيخ العبودية مع اختلاف في التفاصيل. الحقيقة أنَّ هذا القول تلخيص لمأساة عشناها منذ أن شرعنا في المشاركة كمجتمع قادته بعد النكبة كالقطيع القوائم الملحقة في الأحزاب الصهيونية والمخاتير والحمائل والحزب الشيوعي الإسرائيلي بنسختيه ماكي وراكاح، للمشاركة في انتخابات الكنيست، وأنا استميح هذا الأخ اللبيب العذر اني قد اقتبست منه هذا المثال المبدع ليكون مِفتاحا لهذه المقالة، ذلكم أن قصة القصر والحقل مرتبطة بتجربة الأقلية السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد حملت أبعادا إنسانية واجتماعية كونية في جدل العلاقة بين المُستَعمِرِ والمُستَعمَرْ. القصر في مثالنا هذا، يمثّل المؤسسة الإسرائيلية باختلاف مركباتها ويمثل صناع القرار بغض النظر عن أيديولوجياتهم، والحقل/ البيدر يمثل الداخل الفلسطيني بكل مكوناته ومركباته السياسية والاجتماعية والمجتمعية ومداه البشري، بغض النظر عن هوياتها السياسية وخلفياتها الأيديولوجية.

تجاوزا لمآلات الانتخابات الأخيرة للكنيست ونتائجها وهل ستفضي الى تشكيل حكومة بقيادة نتنياهو أو حكومة بديلة ثنائية الرأس بينيت-لبيد أو انتخابات خامسة، وتجاوزا لترهل الحالة السياسية والحزبية الإسرائيلية بما في ذلك الحقيقة الحزبية-السياسية للأحزاب والحركات السياسية في الداخل الفلسطيني فالمهم هو راهننا ومستقبلنا: هل سيبقى مرهونا لنظرية العبيد ما دام الساسة العرب في بلادنا يعتقدون أن مربط فرسهم في الكنيست، أم أنه بات لا مناص من التفكير خارج هذه الدائرة بعد أن اتسع الخرق على الراقع؟

بعد أن أوصت القائمة المشتركة ومن ضمنها الموحدة بعد انتخابات شهر آذار من عام 2020 على غانتس كمرشح لتشكيل الحكومة، باتت كافة الأوراق مفتوحة، فالجميع مستعد للانتقال من عبد البيدر إلى أن يكون عبدا في القصر، فهناك في القصر يمكنه أن يؤثر أكثر ويقدّم نتائج أفضل تنفع عبيد الحقل، فمثل هذه الفلسفة الذرائعية تحظى بقبول لدى السيد فقد أشار المعهد الإسرائيلي للديموقراطية إلى أن 79% من اليسار الإسرائيلي و55% من المركز و34% من اليمين مع قيام حكومة إسرائيلية بدعم خارجي من الأحزاب العربية، وفي سياق اليمين فإنَّ 49% من مصوّتي الليكود و37% من مصوتي التيار الصهيوني-الديني يؤيدون تشكيل حكومة بدعم خارجي من أحزاب وقوائم عربية (استطلاع رأي اجراه المعهد مباشرة بعد الانتخابات الأخيرة وهذه النتائج تخص اليهود فقط في المقابل 68% من العرب في الداخل الفلسطيني مع قيام حكومة بدعم خارجي من الأحزاب والقوائم العربية وهذه النتيجة تخص العرب في البلاد فقط).

 

عبيد وعبيد القصر..

قصة عبيالحقل د الحقل (في لغتنا الدارجة ذات الصلة بنكبتنا، البيدر) وعبيد القصر، تعود الى خطاب مالكوم أكس في مطلع الستينات في واحدة من أهم خطبه التي حلل فيها واقع حيوات إخوانه السود وطرح تصوره الاجتماعي الدقيق في نظرية عبيد القصر وعبيد الحقل حيث يقوم السيد الأبيض باختيار من يشاء من العبيد للعمل في قصره، فيتنعمون ببقايا طعامه وشرابه وفراشه ومع طول العشرة يشعرهم ببعض الرضا و”الاحترام” وليس “العدل والمساواة” فيما إخوانهم من عبيد الحقول يذوقون شظف الحياة تحت السياط، وإذا ما احتجوا على أوضاعهم كان من يتصدى لهم عبيد القصر تحسبا من ذهاب مصالحهم بعدئذ اعتقدوا أن مصالحهم باتت مرتبطة وجودا وعدما بسيدهم الأبيض فيتقمصون شخصيته ومصالحه.

الحقيقة المؤلمة في هذه القصة هي تَشُرب العبودية وسياسة قمع العبيد بالعبيد، وهو ما تمارسه معنا المؤسسة الإسرائيلية بذكاء منقطع النظير، وتمارسه على عدة مستويات، على مستوى عصابات الاجرام ودورها العبثي في هدم بنياننا الاجتماعي-المجتمعي، على مستوى الساسة الذين آثروا الكنيست ودورهم التطبيعي العدمي في تذويت الراهن المُعاش وكأنه قدر لازب لا مفرَّ منه، وعلى مستوى الاكاديميين والطبقة المثقفة والوسطى التي تذوقت بعض نعيم “السيد” آثرت السكون والركون والانغماس في قيم اللبرلة الإسرائيلية من جهة أو ناكفت المؤسسة سيد القصر تحت سقفه وشروطه وأدواته.

ما تعلق بالإجرام المنظم والعنف المستشري، ثمة دور مرسوم يقوم بع هؤلاء السفلة في تعميق عبودية عبيد الحقل (المجتمع الفلسطيني في الداخل)، ففي حين تقوم عصابات الاجرام بقتل الناس وتمارس البلطجة والعنف، تروعهم وتهدد أمنهم تتم حراستهم جهارا نهارا، وفي هذا رسالة من السيد تحمل معاني متناقضة ليس أقلها أن هذه المجموعة رهينة بيد السيد مهمتها اللحظوية ممارسة القهر مع اخوانها ضمن مساحات عبيد الحقول، وفي هذا المضمار يتقمص هؤلاء القتلة دور المستَعمِر، الطاغية، الفاشي، ويتمثلون دور العبد المخلص لسيده في الحقل من أجل إبقاء المقهورين تحت لهيب السياط، حتى لا يفكرون بالحياة بل يفكرون في كيفية البقاء، وإذا ما فكروا (أي بالحياة والتي من متطلباتها الدنيا الكرامة) فابتداء تفكيرهم يكون في كيفية الخلاص من هذه الحفنة المحمية، وهو ما يعني دفع أثمان باهظة قد لا يقدرون عليها، مما قد يؤدي الى استعدادهم النفسي للقبول بالوضع القائم تحسبا مما هو أسوأ تماما كما فعل السيد الأبيض مع السود في امريكا. وفي هذه الحالة يحقق السيد عبر أدواته من عبيد الحقل حالة مستدامة من التشظي والتشرذم ومزيد من الاحتقان الداخلي، فيما بينهم يُنذرُ بعاصفة هوجاء تقتلع كل شيء في ذلك الحقل أو عبر الارتماء في أحضان السيد، راجين إياه ان يحقق لهم الحد الدنى من الحماية الوجودية وارتباطهم اكثر بسيدهم ومناداتهم إياه للخلاص من هذا العنف والذي ثمنه المزيد من العبودية ممثلا بالتبعية والارتهان والاستخذاء، فهم عندئذ لن يسألوه عن حرية ووطن وأشواق تتعلق بالحرية إذ عبيدهم من القتلة والسفلة يمارسون دور القواد الممثل لـ “المستَعمِر، الطاغية، الفاشي، المستبد وبذلك يتحقق قسط مما قاله لابوسيي في كتابه العبودية المختارة “أنَّ موافقة المُسترَقيِنْ لا قوة الطاغية هي التي تؤسس الطغيان”. وحتى تكتمل المسرحية يقوم كومبارس الكنيست ومن لف لفهم ودار في حمأتهم بالدور المعاكس للعبيد القتلة. (يتبع).

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى