أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الانتخابات والشيخ رائد والمتابعة وابني عمر

توفيق محمد
صبيحة يوم الانتخابات- صباح الأربعاء- جمعني نقاش ودي مع صديقين عزيزين، أحدهما من داعمي ومصوتي بقايا القائمة المشتركة، والآخر من داعمي ومصوتي القائمة الموحدة، وكلاهما كان يناقش ويدافع عمن يؤيده قبل الانتخابات بحماسة كبيرة.
الداعم للعربية الموحدة بادرني سائلا عن رأيي بنتيجة الانتخابات، فكان ردّي أيا كانت النتيجة فالموقف من الانتخابات موقف مبدئي لا علاقة له بعدد الكراسي التي حصل عليها أي من المتنافسين، ولا بمن فاز بماذا، فبالنسبة لي المشاركة في هذه الانتخابات خسارة من أصلها، قال محدثي: هل تعلم من هي أكثر شخصية أحبها وأقدرها، قلت نعم ، الشيخ رائد صلاح، قال صحيح “بس الله يسامح الشيخ هو الوحيد الذي يحظى باحترام كل الوسط العربي، وهو الوحيد الذي يستطيع أن يجمع كلمتهم بس لو أنه ترك مسألة الأقصى فللأقصى رب يحميه، واهتم بقضايا الأهل في الداخل بدل الأقصى، لو فعل ذلك لما سُجن، فنحن بحاجة إليه”، وكان حوارا مفيدا سأعود له لاحقا.
الصديق الآخر الداعم لبقايا المشتركة ضاربا الأخماس بالأسداس مستاء من نتيجة الانتخابات، ومن انعدام القيادة الحقيقية لدى أهل الداخل، كما قال، ومن انعدام مؤسسة قيادية بدل أحزاب الكنيست تقود هذا الشعب لتحقيق مطالبه وقضاياه خارج سقف الكنيست، قلت له: هذه لن تكون إلا لجنة تمثيلية تحظى بشرعية كل أهل الداخل الفلسطيني ومثلها لا تزال بعض المركبات السياسية تعارضها بشدة لأسباب ذاتية لديها وأسباب أخرى مبدئية سأعود إليها لاحقا في سياق مقالتي.
أمّا ابني الأصغر فقد تمنى للمشاركة العربية في الكنيست أُفولا، أيضا سأوضحه لاحقا.
ماذا انتخب شعبنا

قبل العودة إلى ما أوردت أعلاه فإنها قراءة أولية في نتائج انتخابات الكنيست التي كانت يوم الثلاثاء الأخير، فيما يخصنا نحن من حيث النتائج التي حصلت عليها كلتا القائمتين العربيتين المشاركتين فيها.
لا شك أن النتيجة التي حصلت عليها بقايا القائمة المشتركة التي تتشكل من ثلاثة أحزاب هي نتيجة صاعقة لها، وتعتبر فشلا ذريعا ومدويا تستدعي لدى من يحترم جمهور ناخبيه استقالات جماعية لمن قاد القائمة ولمن قاد النهج، لأن الناخب العربي ليس غبيا، وليس جاهلا، وفي نفس الوقت هو في سواده الأعظم محافظ وصاحب دين لا يقبل أن يُضرب في العمود الفقري من قيمه وأخلاقه وعرضه، فجاء عقابه لداعمي نهج الشذوذ الذين يشكلون العمود الفقري لبقايا القائمة المشتركة موجعا وصاعقا- وإن كان “الصالح هناك ذهب بعروى الطالح” كما يقول المثل العربي، فكما هو معروف فإن عضوي الكنيست يوسف جبارين وجابر عساقلة كانا ممن لم يصوتا على قانون الشواذ في الكنيست، ويتمتع اثناهما بخلق وسمت عال هما وآخرون من أعضاء الكنيست لكن ذكرهما جاء لامتناعهما في قانون الشواذ، على كل حال جاء عقاب الناخب العربي للقائمة على النحو الذي رأينا ليوصل رسالة قوية جدا مفادها أن خطاب الوطنية من على منصة الكنيست، وكلنا يعلم ان هذه الوطنية في ذلك المبنى هي وطنية مجزوءة ومشروطة ومسقوفة إسرائيليا- هذا الخطاب لا يجيز لصاحبه التدني والإسفاف والتماهي مع الشذوذ والشواذ والدفاع عنهم ومحاولة جعلهم شرعيين وجزءا من المشهد العام في مجتمعنا المحافظ وبالتالي ضرب شعبنا وأهلنا في أعز ما يملكون.
وعلى الجانب الآخر فإن ما حصلت عليه القائمة العربية الموحدة ليس بالضرورة هو بسبب تماهي الناخب العربي مع الخط السياسي الذي تقوده من حيث تقديم الدعم السياسي لمن يدفع أكثر من رؤساء الحكومة المحتملين بغض النظر عن مقدار ولوغه في الدماء الفلسطينية والعربية والمسلمة.
إن جزءا من الناخبين العرب الذين لم يقتنعوا بالمقاطعة، وقرروا أن يشاركوا في الانتخابات، كانوا بين خيارات دعم قيم الشرف والفضيلة، وإن كان خطه السياسي قد يخالف النهج العام المتبع عربيا، لكن الناخب العربي اعتبرها مسالة يمكن المحاسبة عليها لاحقا بعد إذ يكون قد لقن دعاة الشذوذ الدرس الأخلاقي الذي يجب أن يتعلموه على أن يعود في معركة انتخابية قادمة قريبة ليحاسب على القيم السياسية التي يجب أن لا تحيد عن الخط السياسي العام المتبع عربيا والذي يجب أن يحافظ على المكتسبات والثوابت الوطنية التي لا ترضى بمبدأ مقايضة الحقوق المطلبية المدنية التي هي حق أصيل له بدعم الحكومات الإسرائيلية المختلفة، فما بالك إذا كانت هذه حكومات أقصى اليمين المتطرف الذي لا يعترف له باي شخصية أو كيان سياسي وطني مستقل عن نهج الأسرلة المرفوض شعبيا.

“لو ترك الشيخ رائد الأقصى”
بالعودة إلى حواري مع صديقي الذي قال إن الشيخ رائد هو الشخصية القيادية الوحيدة التي بإمكانها توحيد كلمة أهل الداخل ولو أنه ترك مسألة الأقصى واهتم بشؤون الاهل المطلبية فللأقصى رب يحميه، لو أنه فعل ذلك لما سُجن فنحن بحاجة إليه قلت له يا صديقي وهل تظن أن الشيخ مسجون فقط بسبب المسجد الأقصى- وإن كان كذلك فالأقصى يستحق كل التضحيات- فإن اعتقدت ذلك فأنت مخطئ لأن الشيخ رائد كان أكثر من اهتم بتوفير الحياة الكريمة لأهله في الداخل، ولذلك كان لما حُظرت الحركة الإسلامية التي ترأسها، حُظر معها قرابة 30 مؤسسة أهلية خيرية – منها ما سبق حظرُه حظر الحركة، ومنها ما تزامن معه، ومنها ما لحق- كانت تقدم خدمات لقرابة نصف مليون إنسان عربي في الداخل الفلسطيني في مختلف المجالات الحياتية، سواء كانت الصحية، أو التعليمية، أو الاعانية، أو الإغاثية، أو الرياضية، أو الإعلامية، أو الاقتصادية وغير ذلك، وكان الشيخ قد أسس مشروع لجان إفشاء السلام المحلية المنبثق عن لجنة المتابعة العليا والتي شملت السواد الأعظم من القرى والمدن العربية وكان هدفها مكافحة ظاهرة العنف والجريمة، ونشر قيم التسامح والمحبة بين الناس، وكان الشيخ في المجمل قد أسس لمجتمع عصامي وبذر بذوره الأولى، ولذلك لما حظر نتنياهو الحركة الإسلامية كان من مسوغات قراره ما صرح به :”نحن لن نسمح بإقامة دولة داخل الدولة” والنتيجة أن سياسة الدولة هي ضرب كل محاولة جادة وجدية وصادقة تسعى لخدمة هذا المجتمع، وهذا الشعب من خارج سقف الكنيست، وأما يمكن تحصيله من تحت هذا السقف أي سقف الكنيست فسيبقى مضبوطا وفق الإيقاع الإسرائيلي الذي يريد ان يبقي شعبنا شعبا يتسول حقوقه من فتات الحكومة الإسرائيلية، ولأجل ذلك يُسجنُ الشيخ رائد صلاح.

لجنة قيادية تمثل كل شرائح المجتمع
صديقي الآخر الذي أبدى استياءه من نتيجة الانتخابات، وتفهم إحجام الناخب العربي عن المشاركة كالسابق في الانتخابات، وتفهم تعاظم نسبة المقاطعين قال لقد آن الأوان أن تُنتخب لجنة المتابعة العليا بشكل مباشر بدل المشاركة في انتخابات الكنيست التي اثبتت الأيام والسنون عدم جدواها وفائدتها لنا، وصدّق على كلامه صديق آخر هو طبيب في مهنته وداعم للقائمة العربية الموحدة مؤكدا على أن التوجه إلى المؤسسات الدولية بلجنة متابعة منتخبة من مليون ونصف المليون إنسان بعيدا عن الكنيست سيكون بالتأكيد ذا تأثير قوي، ولا شك أن المؤسسات الدولية ستبقل بمثل هذه اللجنة المنتخبة انتخابا مباشرا وستكون كلمتها قوية ومسموعة.
أمّا أنا فقد أخبرتهم أن هناك مطالبات كثيرة من هيئات وأحزاب بهذا المطلب منذ أكثر من عقدين من الزمن، ولكن هناك بعض القوى السياسية في الداخل ترفض مثل هذا المطلب، وتصرّ أن تبقى لجنة المتابعة لجنة توفيقية ليس أكثر من ذلك، وهو ما يخدم أجندتها السياسية والهيكلية، ولذلك فإن مثل هذا المطالب لا بد أن تؤازره الحراكات الشعبية والشبابية التي أثبتت وجودها في الميدان وصولا إلى تحقيق هذه الغاية الكبيرة، أمّا ابني الأصغر عمر الذي أتمّ عامه الثامن قبل خمسة أيام فقط، فقد تمنّى خلال نقاش سياسي معه- نعم لا تستغربوا ذلك فنحن شعب يولد أبناؤنا مسيسين- أن يبقى يتضاءل التمثيل العربي في الكنيست حتى تتعلم الأحزاب العربية ان لا تشارك فيها لأنها – أي الكنيست – مُصمَّمَة لخدمة شعب غير شعبنا على حساب حقوق شعبنا كما قال ولكني كتبتها بالفصحى بدل محكيته الجميلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى