أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

هل ينجح نتنياهو بأصوات العرب؟

توفيق محمد
فقط قبل أشهر إلى عام من الآن، كنا نتحدث عن الوضع العربي المترهل الذي أثخنته الردة عن الحرية والحروب الأهلية التي فرضتها الأنظمة العربية على شعوبها، حتى تبقى متحكمة في كراسي الحكم، أما اليوم فإننا نستطيع القول إن وضع الداخل الفلسطيني لا يقل ترهلا عن الوضع العربي العام في الدول العربية، وخاصة تلك التي ما تزال نيران الحروب الأهلية تأكل أهلها، أو تلك التي تهرول نحو اتفاقات التطبيع، ولما نتحدث عن الوضع المترهل عندنا فإننا لا نقصد الوضع السياسي دون الوضع الاجتماعي، فكلا الوضعين مترهل إلى حد الثمالة.
في تاريخ 14/6/2009 ألقى نتنياهو بصفته رئيس الوزراء الإسرائيلي خطاب “بار ايلان” المشهور الذي جاء في أعقاب خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في القاهرة المنتخب حديثا يومها، وكان العمود الفقري في خطاب نتنياهو يومها استعداده للإعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، وممنوعة من عقد اتفاقات دفاع مشترك مع الدول العربية، وغير ذلك من الشروط… إلى جانب إسرائيل على أن يُتفق لاحقا على مسألة الحدود الجغرافية لها التي لم يكن في ذهن نتنياهو وكل المفاوضين الاسرائيليين من أقصى يسارهم إلى أقصى يمينهم أنها ستتعدى خطة الون، لم تطل المدة وحضرت بقوة ثورات الربيع العربي التي لم تعمر كثيرا، حيث قضى عليها زمن الردة العربي عن الحرية، قادَهُ قوميو وعلمانيو وشيوعيو وأمريكيو و”بلطجيو” و”شبيحيو” العروبة بالتعاون مع المؤسسة العسكرية العربية، وبدعم من قوى خارجية تسعى إلى تفتيت العالم العربي على رأسها إسرائيل، والتقت الأهداف الإسرائيلية مع أهداف كل من ذكرت آنفا من مكونات المجتمعات العربية للإنقلاب على إرادة الشعوب العربية والردة عن الحرية، ونجحوا في ذلك، وإن مرحليا، وفي المقابل تراجع نتنياهو عن خطاب “بار ايلان” الذي لم يلب أصلا المطالب الفلسطينية، واصبح خطاب نتنياهو يتركز على “السلام الإقتصادي مع الفلسطينيين” كما وصفه، ثم تراجع مرة أخرى بعد الردة العربية عن الحرية إلى إلغاء حل الدولتين ثم عقد اتفاقات سلام وتطبيع مع دول عربية بمعزل عن القضية الفلسطينية.
إذن، حروب أهلية وقمع لكل العلماء الصادقين والوطنيين الشريفين في الدول العربية، وهرولة إلى مطار وشواطئ تل ابيب.
ليس بعيدا البتة وضعنا في الداخل عن وضع الدول العربية سواء المطبعة أم المتناحرة، فكلتا الحالتين نعيش مع الفوارق.
فعلى المستوى الاجتماعي، بدأ ذلك في أعقاب هبة القدس والأقصى في العام 2000 يوم خرجت الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، مسلموها ومسيحيوها للدفاع عن المسجد الأقصى كرمز إسلامي ووطني، وقدمت 13 شهيدا عدا عن مئات الجرحى والمعتقلين، وعلى ما يبدو أن تلك الهبة أضاءت الضوء الأحمر أمام المؤسسة الإسرائيلية، فكان القرار غير المعلن بتفتيت النسيج الاجتماعي لهذه الجماهير عبر التغاضي عن انتشار الجريمة والسلاح في أوساطها، ولذلك فإن نسبة ومستوى الجريمة ما قبل العام 2000 لا تقاس بنسبتها ومستواها بعد العام 2000، وليست المسألة مسألة ثقافات وعادات، وغير ذلك مما يطيب للنرجسيين أن يلصقوه بمجتمعنا عندما يتموضعون في كراسي البث المباشر في التلفزيونات أو الإذاعات، فشعبنا ليس بعيدا في ثقافته وعاداته عن جيرانه من الشعب الأردني، أو اللبناني، أو غيرهما من الشعوب العربية، ولا نجد عند تلك الشعوب هذه النسب، وهذا المستوى من الجريمة والسبب بسيط جدا ليس بحاجة لا إلى تحليل ولا إلى فلسفة، فلدى كل شعب من شعوبنا العربية دولة، وقانون نافذ، وسلطة تردع المعتدين وحملة السلاح وتفض الخلافات سواء كانت العشائرية أو المجتمعية عبر قوة الردع القانوني، أما نحن فلا دولة لنا تهتم بردع أولئك عن جناياتهم وجرائمهم، بل إنها تتعامل معنا على أننا أعداء، ولذلك ليس فقط أنها لا تعبأ بمكافحة الجريمة إنما تتغاضى عن انتشار السلاح بين أهلنا.
لا شك أن في كل مجتمع من المجتمعات البشرية توجد نسب معينة ممن جنحوا إلى الجريمة لأسباب ودوافع مختلفة ومتنوعة، قد تكون في بداياتها أنهم كانوا في صغرهم ضحايا المجتمع، فكبروا وكبرت معهم تلك المسببات، فجنحوا إلى ما هم عليه، أو لجشع لدى بعضهم أو غير ذلك مما يتقن علماء الجريمة والإجتماع تشخيصه، ولكن عندما تختفي قوة الردع والقانون التي لا تمتلكها إلا الدول فإن هؤلاء يكبرون ويتمادون بدل أن تعالجهم الدولة وتعيدهم إلى الطريق السليم، وكلنا شاهد هذا الأسبوع في برنامج الصحفي غاي زوهر الذي عالج مسألة سرقة تسعين ألف رصاصة عندما استضاف الصحفي روعي عيدان في زاويته “من الجانب الآخر” (מהצד השני) عندما قال معقبا على سرقة الرصاص، وعدم اهتمام الجيش بذلك: “هذا لا يهم الجيش فإن سرقوا 90 ألف رصاصة فإن الجيش سيطلب 90 ألف رصاصة جديدة، لأن هذا الرصاص لا يزال يقوم بالمهمة التي من أجلها وُجد، وهي قتل العرب، ولأن هذا السلاح عندما سُرق فسيقتل عربا أكثر مما لو بقي في عهدة الجيش” ثم توجه للشباب العرب قائلا: “يا شباب تفضلوا عنا في جيش الاحتلال كثير سلاح جديد أحسن من أحسن ببلاش بس تعالوا مع تْرَكْ (شاحنة) وخذوا، “أهلا وسهلا” وقد قالها بأسلوب ساخر وحزين ومعاتب للعرب بانكم تنفذون هدف هذا السلاح الذي إنما وُجد لقتلكم جميعا، فلا تكونوا ألعوبة بأيدي من يسعى لقتلكم بأيديكم أنتم دون أن يلوث يديه بدمائكم.!!
أما على المستوى السياسي، فقد فتح النهج السياسي للأحزاب العربية المشاركة في انتخابات الكنيست الباب على مصراعيه للأحزاب الصهيونية حتى تلج إلى مجتمعنا من أوسع الأبواب، لا فرق في ذلك بين من قال عن نتنياهو “نستغله ويستغلنا” وهو الدكتور منصور عباس، وبين من ارتحل إلى الجمعيات الصهيونية في أمريكيا ليجند الدعم المالي للمشتركة، وهو المحامي أيمن عودة، وكلهم بالتالي أوصوا للمرة الأولى في تاريخ الأحزاب العربية المشاركة في انتخابات الكنيست على بيني غانتس لتشكيل الحكومة، ولا شك أن الغزل السياسي الذي قوي في السنة الأخيرة بين نتنياهو وبين الدكتور منصور عباس والقائمة العربية الموحدة قد فتح شهية نتنياهو لمخاطبة العرب وخطب ود أصواتهم، وهو الذي حرض عليهم دائما واعتبرهم أعداء وغير شرعيين، وقد أتاح الأداء السياسي لعضو الكنيست عباس مع نتنياهو للأحزاب الصهيونية المتمسكة بيهودية الدولة وإلغاء حل الدولتين ودونية العرب من خلال تقنين هذه الدونية عبر قانون القومية أن تعمل على تسويق ذاتها، ومخاطبة الصوت العربي في الداخل الفلسطيني، بل وضم عناصر عربية ممن ارتضوَا الدونية أن يكونوا ضمن قوائمها الانتخابية، فذاك الخطاب الذي أحضر القضايا اليومية المعيشية فقط إلى طاولة نتنياهو دون القضايا الوطنية والحارقة لشعبنا الفلسطيني على خارطة الوطن التاريخية، نجح بأن يجرف معه سيلا من المجتمع إلى هذه الخانة مما أتاح للأحزاب الصهيونية أن تلج اليهم شعارهم في ذلك: ما دام يمكن تحصيل هذه المطالب من النسخة الأصلية فلماذا اللجوء إلى من يَعِدُون بالتوجه إلى الجهات ذات الصلة التي يمكن أن تستجيب أو لا تستجيب لهم، وعلى فكرة فإن أول من بدأ هذا الخطاب وأول من روج له في هذه المرحلة هو عضو الكنيست أيمن عودة وإن كان عضو الكنيست أحمد الطيبي قد حمل وعمل بهذا الأسلوب قديما، ولكن بطريقة أكثر ذكاء من الإثنين، ولم يكن عضو الكنيست الدكتور مطانس شحادة بأقل حظا منهم، فهو أيضا كان من الرباعية التي داست البساط الأحمر في طريقها إلى بيت رئيس الدولة للتوصية على “الصديق” بيني غانتس. للتأريخ فقط.
وهكذا يكون نتنياهو قد نجح بتفكيك الخطر العربي الخارجي وأصبح من أعز أصحاب السيسي وبن زايد وبن سلمان وغيرهم من قادة النظام القومي العربيـ، وداخليا استطاع تفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي لشعبنا الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى