أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

نتنياهو بين حظر الحركة الإسلامية واحتضان الحركة الإسلامية (2)

توفيق محمد

لست أكتب ما أكتب في هذه السلسة مماحكة بالإخوة في الحركة الإسلامية التي تعارف عليها الإعلاميون باسم الجنوبية أبدا، ولا إظهارا لعيب، أو تعمدا للإنتقاد، حاشا وكلا أن يكون ذاك، أو ذاك، أو ذاك هدفا، أو مسعى أرنو إليه، فهم إخوة يجمعني بهم سقف مسجد، وسجادة صلاة، ودين وعقيدة وشرع، وحب نبينا صلى الله عليه وسلم، قدوتنا في كل شأننا.

ولست أكتب ما أكتب مناصرا لموقف ندٍّ من الطرف الآخر يمثله باقي مركبات القائمة المشتركة، وخاصة الجبهة والتجمع، فهم وغيرهم من الأحزاب العربية كانوا سباقين إلى الميدان الذي يخوضه الآن أعضاء الكنيست من الإسلامية، وعلى رأسهم الدكتور منصور عباس، فالسابقون قد جربوا كل ما يسعى إليه الدكتور منصور عباس، كما يقولون هم في مناكفاتهم مع عباس، ولكنهم فشلوا في تحقيق شيء، بل إنهم ما يزالون يجربون، ولكن باقل ضجة مما يفعل الدكتور منصور، وكانت نتيجة محاولاتهم خداعا من طرف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بيمينها ويسارها، وكانت النتيجة صفرا دائريا كبيرا، خلا بعضٍ من إنجازات موضعية هنا أو هناك لا تُذكر في ميزان العمل الجماهيري العام، أو العمل الوطني، أو الحقوق المدنية المستحقة، وسلفا أقول لا يظنَّنَّ أحد أنني أناصره على أحد.

إن حبا لدينٍ يجمعنا أكبر من حبي لوسيلة وطريق وأسلوب وإطار، والتزامي نهجا رضعنا لبنه صغارا وشبانا وشيوخا من نفس المصدر والنبع أمتن وأقوى من أي شيء، فهو حكمنا فيما نقول ونذهب إليه، وليست أهواء النفوس، أو تقديرات المقدرين كانت من تكون أسماؤهم وصفاتهم ومناصبهم ومراكزهم.

إننا ونحن نخوض غمار السياسة فإنما نلجها من باب الدين، وليس من باب المصالح، فلا ننسى أننا قبل أن نكون سياسيين، ونغوص عميقا في المشاركات السياسية المختلفة فإننا قبل ذلك دعاة ودعوة، هدفنا في الأساس تذكير الناس بما نسوا أو غاب عنهم، أو غُيِّب عنهم من ديننا ، دينهم، وبالتالي صناعة مجتمع إسلامي نقي نعتقد أنه هو المجتمع المؤهل لإنقاذ شعبنا مما هو واقع فيه من آفة العنف والجريمة والفقر وغير ذلك مما يعاني منه سواء على المستوى المدني الصغير، أو على مستوى الهم الوطني الكبير.

أُدركُ تماما أنني كنتُ انتميت إلى حركة إسلامية هي بالعرف القانوني الإسرائيلي محظورة إسرائيليا، ولم تعد قائمة بالمفهوم التنظيمي الذي كان، ولا كإطار يمكن العمل من خلاله كما كان، ولكني أُدركُ أيضا أنني أنتمي لدين كان وكائن وسيكون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، نخدمه جميعا ومن خلاله نخاطب الناس والمجتمع والأمة والعالمين.

وأُدركُ تماما أن الإخوة في الحركة الإسلامية التي اصطلح على تسميتها الجنوبية يحملون هذا الإسم ويعملون من خلاله في كل المجالات، بل يخوضون انتخابات الكنيست أيضا من خلاله، ويخاطبون الناس محليا، وعلى مستوى الأمة وعالميا من خلاله، ولذلك فإن هذا الإسم في كل الحالات والكينونات ارتبط بأذهان الناس بالدين، وأصبح الناس يعتقدون الدين: ثوابته ومبادئه، وحلاله وحرامه من خلال دعاته ومن خلال الصحوة الإسلامية على اختلاف مسمياتها، فمتى انهارت هذه المفاهيم، أو انسحبت وتقهقرت في نفوس القيادات الإسلامية وتصرفاتهم ونهجهم أمام هجوم أعدائها فإن ذلك ينعكس سلبا على الناس وعلى مفاهيمهم ونظراتهم إلى الدين من حيث هو دين.

الدكتور عباس في أدائه الكنيستي أظهر الكثير من الإنسحابات أمام نتنياهو وحزب الليكود، فهو القائل عن نتنيياهو لما عوتب على التنسيق المتقدم معه ومع حزبه:” يستغلنا ونستغله” وأضاف “أنا أريد السلام وهو لا يريد الحرب” والغزل بين الرجلين وصل الى مستوى متقدم، وكذلك كان تصريح الأخ الأستاذ وليد طه قبل أن يصبح عضو كنيست في نيسان من العام الماضي لما قال :” إنَّ دعمنا لحكومات اليمين لن يكون بالمجان” ، وكذلك تصريح الأخ الفاضل الشيخ حماد أبو دعابس لقناة “هلا” الذي قال فيه :”الدكتور منصور يقول نحن جئنا إلى البرلمان لكي نخدم شعبنا وحتى الآن ما يدور أو الوسائل التي خُدم بها شعبنا تنتج نتائج متواضعة جدا، يجب أن نتقدم أن نبتكر ونتقدم لخدمة شعبنا في قضايا أخرى ومجال أوسع…” والشيخ رائد بدير أحد المنظرين الشرعيين للإخوة في الجنوبية، وفي مقابلة مشتركة هو والراب ملكيئور يقول إنَّ السلام السياسي فشل، ولذلك يجب أن نسعى إلى السلام الديني وهذه عملية بحاجة إلى نفس طويل ووقت وجهد وقد سرنا فيها مسافات لكن يجب أن ننجزها حتى تأتي الأجيال القادمة وتجد حقيقة واقعة انتجها علماء الدين.

في الحقيقة ليس مهما إلى درجة كبيرة السقطات الإعلامية أو التصريحات المختلف عليها التي تصدر عن الدكتور منصور عباس لو انها كانت سقطات إعلامية وأخطاء سياسية وقع بها، فهذا يمكن تصليحه وإن كان حسب اعتقادي أن الخطأ الأكبر هو المشاركة في انتخابات الكنيست وعضويتها، لكن ليس هذا نقاشي الآن، وكما قلتُ فإن السقطات والأخطاء غير المتعمدة يمكن علاجها لكن يبدو أننا لسنا أمام أخطاء أو سقطات غير متعمدة، إنما أمام قناعات ونهج تم إقراره والإتفاق عليه ولذلك تجد هذا التناسب والتوافق في التصريحات والرسائل الإعلامية الصادرة عن مختلف القيادات سواء التنظيمية أو الشرعية وعلى أعلى مستوياتها وهنا تكمن الكارثة.

أقول إنَّ العلاقة المتميزة والمتقدمة مع نتنياهو، ومع الحكومة الإسرائيلية، أيا كانت، التي يبنيها الأخ الدكتور منصور عباس تضرب الحركة الإسلامية في مقتل في العقل الباطني لدى المجتمع، وتعمل على تغيير مفاهيم ومبادئ نشأ عليها المجتمع، فهي إما أن تغير مفاهيم الجيل الجديد وتعمل على تذويبه في المجتمع والكينونة الإسرائيلية، ولست معنيا هنا بإنجازات وخدمات ومطالب و”خدمة شعبنا” مهما كبُرَتْ وعَظُمَتْ إنْ حَصَلَتْ ولن تحصل، لأن هذا في هذه الحالة معاكس لكل ما نشأ وتربى عليه شعبنا منذ سنة النكبة غلى الآن، وهي “إما” ستضرب صورة الحركة الإسلامية محليا ودوليا، فمن يسمع اسم الحركة الإسلامية خارج الوطن لا يميز بين محظورة، وبين مشاركة في انتخابات الكنيست، بالنسبة له هي حركة إسلامية تغازل نتنياهو وحكومة اليمين أو حكومة إسرائيل لتحصيل فتات من طلبات، وبالتالي فإن الأمر لن يسيء فقط إلى الحركة الإسلامية إنما سيسيء إلى الإسلام كدين لأن الإنسان العادي يأخذ دينه عن الحركات والإتجاهات الإسلامية فإن هي تشوهت، فإن ذلك سيلقي بظلاله على الدين نفسه.

لا شك أن نتنياهو فنان ومخادع ومبدع في تفكيك خصومه وأعدائه، فقد فكك من قبل كل الأحزاب السياسية العريقة التي من الممكن أن تشكل خطرا على كريسه، كحزب العمل الذي يكاد يختفي عن الساحة السياسية وحزب “كديما” الذي اختفى نهائيا وغيرها من الأحزاب، وهو لا يُقَرِّبُ عباس إليه ليحتضنه ويعطيه إنجازات وهمية بقدر ما أنها حلقة في تفكيك الإتجاه الإسلامي، سبقه بضربه وحظره للحركة الإسلامية، والآن باحتضانه وتقريبه للأخرى ليس حبا بها، ولا قناعة بنهجها بقدر ما أنها مرحلة من مراحل التفكيك التي يتقنها ثعلب السياسة الإسرائيلية.

أيها الإخوة ستصلون إن عاجلا أو آجلا إلى كل ما وصل إليه أسلافكم من أعضاء الكنيست العرب، ولن تتمكنوا أبدا من أن “نستغله” كما سيتمكن هو من أن “يستغلنا” لذلك تداركوا الأمر قبل أن يكون لات حين مندم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى