أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

 نتنياهو بين حظر الحركة الإسلامية واحتضان الحركة الإسلامية

توفيق محمد

كان حظر الحركة الإسلامية يوم 17/11/2015 بمعناه الضيق هو حظر للجسم الذي تعارف عليه الناس بهذا الاسم، وكان حظر ما يزيد عن 30 جمعية ومؤسسة خيرية تباعا، قبل وخلال وبعد حظر الحركة الإسلامية حظرا للعمل الخيري الذي قامت به هذه الجمعيات والمؤسسات التي بلغ عدد المستفيدين منها بأوجه شتى من أبناء المجتمع الفلسطيني في الداخل يصل الى نصف مليون مستفيد.

لم يكن حظر الحركة الإسلامية مصلحة إسرائيلية فحسب، بل كان مصلحة لعدد من الدول العربية التي تحارب كل من لا يسير في فلكها وتحديدا من الحركات الإسلامية، فكان لا بد للحليفة إسرائيل من أن تتجاوب مع هذا التيار للدول العربية الصديقة علنا، والصديقة- سرا- حينها، وتستغل الظرف العربي المترهل، وتحقق هي مصلحتها بضرب الحركة الإسلامية حسب ظن ساستها في مقتل.

فجاء من ناحية حظر الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، واحتضان الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ حماد أبو دعابس، وهو ما عبر عنه نتنياهو وكبار وزرائه يوم الحظر، وعاد وعبر عنه يوم الثلاثاء الأخير 17/11/2020 الذي وافق يوم الثلاثاء 17/11/2105 اليوم الذي حُظرت فيه الحركة الإسلامية و20 من مؤسسات العمل الخيري، فقد قال في مقابلة له مع راديو موجات إسرائيل (جالي يسرائيل): “هناك صراع داخل المجتمع العربي بين أولئك الإسلاميين الذي يريدون إعادتنا الى العصور الوسطى وربما قبل ذلك، وبين أولئك الذين يسعون للاندماج في العالم المتحضر وفي قصة النجاح الكبير هذا الذي يسمى إسرائيل”.

سأعود لاحقا في هذا المقال الى هذا التصريح، لكنني أزعم أن حظر الحركة الإسلامية الذي قلت في مطلع هذا المقال قد وقع بمعناه الضيق على الحركة الإسلامية، أزعم أن هذا الحظر قد وصل مداه إلى كل أهلنا في الداخل الفلسطيني، وقد تضرر منه ليس فقط النصف مليون الذين كانوا يستفيدون من مؤسسات العمل الخيري سواء كانوا طلاب الجامعات أو الطلاب في مختلف مراحلهم الدراسية، وسواء كان على مستوى العمل الخيري الذي يمس الحياة اليومية للناس، أو على المستوى الإعلامي، فالصحي، فالسياسي، فالاجتماعي، فالوقفي، وكل ما يتعلق بحياة الناس اجتماعيا وسياسيا ووطنيا.

إنني أزعم أن ضرب جسم بهذا الحجم للمجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، وهذه القوة، وهذا الانتشار الواسع، وهذه الضخامة قد ضرب زوايا في العقل الباطني الثوري بمعناه النضالي المتاح قانونا المناهض للسياسات الإسرائيلية القمعية والاضطهادية، فمن يومها لم نعد نرى المظاهرات الضخمة التي كانت تجوب شوارع مدننا عندما يُعتدى على شعبنا الفلسطيني، أو عندما تُهدم بيوت أهلنا في الداخل، أو عندما تنهش العنصرية المتجذرة في اليمين الإسرائيلي كل ثوابت الوطن والشعب. إلى ذلك، أصبحت اقتحامات المسجد الأقصى المبارك من قبل سوائب المستوطنين وبدعم صريح وجلي من الحكومة الإسرائيلية تتضاعف وتتكاثر بشكل غير طبيعي، وتجد لها ابواقا عربية في دول الخليج العربي، بل ان هذه الأبواق راحت تتبنى روايات المخرص الإسرائيلي الذي رمى قبل سنوات سمكة متعفنة في مستنقع آسن مدعيا ان المسجد الأقصى ليس موجودا في القدس وإنما في السعودية في بلد تسمى الجعرانة، والتقطها الذين يجيدون السباحة في كل آسن ومتعفن من المستنقعات المائية والبشرية كذاك الدعي السعودي أسامة يماني.

أمّا على المستوى الأخلاقي والإلتزام الديني، فكأن سدا قد انهار مع حظر الحركة الإسلامية، لست أدعي انها كانت هي الحامية لحمى الأخلاق والدين وحدها وإن كانت هي كذلك، فغيرها من الاتجاهات الإسلامية المباركة موجودة بين جماهيرنا، وتعمل، وتنتشر بين أوساط الأهل، وتدعو إلى الله، وإلى مكارم الأخلاق، وليست مقتصرة على الحركات الإسلامية بالمعنى الحركي التنظيمي، وإنما هناك أيضا جماعة الدعوة والتبليغ، على سبيل المثال، التي تنتشر بين الناس، وتدعوهم إلى مكارم الأخلاق والصلاة، وهي وغيرها قائمة قبل الحظر ومستمرة بعده، ولكن الذي وصفته هو واقع السيولة الأخلاقية بالمعنى السلبي الذي بدأ يغزو مجتمعنا وكأن شيئا قد أصاب العقل الباطني الأخلاقي للمجتمع بعد ضرب الحركة الإسلامية وحظرها، وأعطى الضوء الأخضر لكل المتسيبين للدعوة إلى سيء الاخلاق ومنكرها، كدعاوى الشذوذ الجنسي التي باتت تجد لها من يعبر عنها بصراحة دون وجل، أو حياء، أو خلق، أو ضمير، بل وأصبح هؤلاء المخنثون، وتلك المسترجلات يجوبون الشوارع ويتظاهرون مطالبين باعتبارهم جزءا من المشهد المعاش المقبول، أقول ذلك ليس لأن الحركة الإسلامية قبل حظرها كانت تملك سوطا تهوي به على الرؤوس، بل كانت في تعاملها مع الناس قمة في الحسنى، والأخلاق الحميدة، والتعامل الحسن، إنما كانت هيبة الدين وحسن الأخلاق التي بثتها في المجتمع تشكل سياجا، وسدا منيعا أمام تلك الدعاوى الشاذة، وبالمختصر انحسر المد الثوري الوطني ومظاهراته، وفي المقابل ظهر المد المتسيب الداعي إلى الرذيلة والشذوذ، وأصبحنا نرى أن المظاهرات والحراكات الوطنية أصبحت مقتصرة على النخب السياسية، فيما مظاهرات الشواذ والشاذات تجوب الشوارع، وتجد لها من يدافع عنها من بعض أعضاء الكنيست العرب وبعض القيادات السياسية والمجتمعية.

أوردت آنفا تصريح نتنياهو الذي تحدث فيه عن “الإسلاميين الذي يريدون إعادتنا إلى العصور الوسطى وربما قبل ذلك، وبين أولئك الذين يسعون للاندماج في العالم المتحضر وفي قصة النجاح الكبير هذا الذي يسمى إسرائيل” كما قال، وقلت من ضمن ما قلت إن هناك حظرا للحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، واحتضانا للحركة الإسلامية بقيادة الشيخ حماد أبو دعابس، ولم أقصد بتاتا الطعن في أحد على حساب أحد، معاذ الله أن يكون ذلك مقصدي، إنما هي قراءة لمخططات نتنياهو والمؤسسة التي يتلقى منها التوصيات لتصبح قرارات، فهدفها بالتالي هو ضرب التوجه الإسلامي بغض النظر عن مسماه شماليا كان أو جنوبيا، فالأول تم حظره ومنعه وإخراجه عن القانون، فلم يعد المسمى إياه والإطار الذي كان كما كان، وان كان ما يزال وسيبقى الإسلام الذي دعا إليه وعمل له هو هو لم يحد عن دربه ولن يحيد عنه أحد، فلئن حُظر الإطار، فمن ذا الذي يمكنه أن يحظر الإسلام الذي ما كان الإطار إلا لخدمته، ولن يعدم المسلم الذي يعرف ثوابته ومبادئه كما يعرف نفسه وسيلة لخدمة الدين ومبادئه وثوابته وشعبه وأمته، أما على الطرف الآخر فقد عمل نتنياهو وجوقته منذ الحظر وحتى اليوم على تقديم الطعم وكيل المديح، ولست أستبعد أن يعطي أعضاء الكنيست الذين تبين أنهم أضحوا ينسقون معه ويعقدون اتفاقات بعضَ إنجازات هنا وهناك في بعض الملفات، ولكن ثمن ذلك ليس الثمن الأدنى الذي ينقذ نتنياهو من بعض ورطاته كما في قضية الغواصات والمخفي أعظم، إنما الثمن المخفي أعظم وأكبر من ذلك، وهو تشويه صورة الحركة الإسلامية في الذهن الفلسطيني والعربي وإظهار الإخوة أعضاء الكنيست من الجنوبية الذين إنما يتصرفون بناء على خط ونهج وإن كانت بعض أخطاء وسقطات للدكتور منصور عباس على مستوى التصريحات والتبريرات لكن النهج قد بينه الشيخ رائد بدير خلال مقابلة إذاعية له هو والراب ملكيئور تحدث فيها عن السلام الديني وعن النهج الذي تبين أن الدكتور منصور عباس يتغذى ويُغذي منه ومن ثم جاء مقال الشيخ الفاضل حماد أبو دعابس رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية ليؤكد هذا الكلام، أقول إن نهج نتنياهو في التفكيك يسعى لإظهار الدكتور منصور عباس وزملائه من حزب الوحدة العربية بمظهر المتعاون معه ومع حكومته، وبمظهر من تخلى عن الثوابت الوطنية في مقابل تحصيل تلك الإنجازات المطلبية، وأنهم أبعدوا النجعة أكثر من أعضاء الكنيست عن الجبهة والحزب الشيوعي الذين ينادون بالاندماج أصلا في الدولة ومؤسساتها منذ كانوا، وبالتالي تشويه صورة ما يمثله الدكتور منصور وإخوانه من خط سياسي ودعوي، وهكذا يكون نتنياهو قد ضرب الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا بحظرها وإخراجها عن القانون، وضرب الأخرى بتشويه صورتها لدى شعبها وناسها ومجتمعها وأظهرها بمظهر المتهالك على علاقة قد تنقذ نتنياهو واليمين من السقوط بادعاء تحصيل بعض الحقوق.

لئن كتبت ما كتبت أعلاه ولأول مرة أكتب بهذه الصراحة بحق الإخوة، فلأنني أحبهم وأغار على المشروع الذي يحملونه ويخاطبون الناس من خلاله من أن ينجح نتنياهو بوصمه بما ذُكر آنفا، فإن كان ولا بد وإنهم مصرون على هذا الطريق، وبهذا الأسلوب فلا أقل من أن لا يكون ذلك باسم الحركة الإسلامية حتى يحافظوا على نقاء الاسم من الشوائب والمنغصات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى