أخبار عاجلةمقالاتومضات

كان لا بد من إخلاء الميدان لحميدان

توفيق محمد
كان لا بد من محاصرة التيار الإسلامي الوسطي، وعلى رأسه حركة الإخوان المسلمين، من أجل الوصول إلى هذه الحالة من الردة عن ثوابت الأمة دون أن تجد حالة الترهل التي تحياها الأمة، ودون أن تجد الرجعية العربية، من يقف في وجهها لوقف اندلاقها نحو ما تسميه “السلام” المتجاوز للقضية الفلسطينية، ودون أن تجد من يقف في وجهها أمام تغولها على ثوابت الأمة، وتوعرها في استباحة المحرمات الدينية والوطنية والأخلاقية.
بدأ ذلك في كل من: السعودية والامارات تحديدا، يوم أن زجّت بآلاف الدعاة من الاخوان المسلمين، ومن دعاة التيار السلفي السروري، ومن الوسطيين في السجون، وتلفيق شتى أنواع التهم الباطلة بحقهم، وإصدار الأحكام الظالمة التي تتراوح بين السجن المؤبد والسجن لسنوات طويلة وأحكام الإعدام البطيء منه والسريع، ونزع شرعيتهم الدينية، وتسخيف القيم الأخلاقية التي يدعون لها كمكون أساس من مكونات الإسلام، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق)، فأزالوا المكارم من الأخلاق، وأباحوا الخنا والفجور، وبناء الاصنام كبوذا في الإمارات وأغلقوا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستبدلوها بهيئة الترفيه والمجون، وموّلوا الانقلاب على الشرعية الانتخابية في مصر، ومولوا محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في 15.7.2016.
ولمّا نجحوا في مصر، موّلوا ودعموا وما يزالون الإنقلابي الليبي حفتر ضد حكومة بلاده الشرعية، وافتعلوا حرب اليمن المستمرة الى الآن، والتي وضعت حدا لحكومة التجمع الوطني للإصلاح، وهو حزب الإخوان المسلمين في اليمن.
وحيثما عجزت مرتزقتهم العسكرية من الوصول، افتعلوا الأزمات الخانقة التي أدخلت البلاد الى حالة من عدم الاستقرار، وهكذا نجحوا بأن يشغلوا كل مفرزة من مفرزات “سايكس بيكو” بنفسها حتى لا تتمكن من الاهتمام سوى بالأزمات الكبيرة التي تمرّ فيها دون غيرها من المفرزات الأخرى.
وكان مال مفرزتي السعودية والإمارات خلف كل الواقع العربي المترهل، فهو موّل انقلاب السيسي في مصر، وهو موّل وما يزال حفتر وجيوش المرتزقة الروسية في ليبيا، وهو من موّل الحرب في اليمن وغذاها وافتعلها، فالحوثيون الذين يحكمون اليمن اليوم، كانوا ميلشيا تعيش في الجبال لا تقوى على حماية نفسها من الجيش النظامي اليمني حتى بعد خلع الطاغية علي عبد الله صالح، وفجأة أصبحت جيشا نظاميا استطاع ان ينقلب على النظام اليمني، ويحكم البلاد بتمويل إيراني، وفجأة تكتشف السعودية والامارات أن لديها جيشا يمكنه ان يعلن حربا في اليمن ما تزال الى الآن مستعرة، وهو – أي مال المفرزتين أعلاه- من مول وما يزال الحرب المستعرة على حركة الاخوان المسلمين في كل الوطن العربي والإسلامي، بل وفي كل العالم، فهو من حرض بريطانيا وأمريكيا وأوروبا لتعلن الاخوان المسلمين حركة إرهابية، وبالتالي محاربتها وإغلاق مؤسساتها ومواردها وتهجير أبنائها وسجن من يتبقى منهم، ومن هناك من أرض الحجاز بدأ مرتزقة النظام ممن يطلقون عليهم مسميات الباحثين والإعلاميين والكتاب يطعنون في النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم عميد كلية الدين المقارن في جامعة بن سعود الذي أصدر أو صدر باسمه بحث تحت عنوان “يهود جزيرة العرب واضطهاد محمد لهم” يصف فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بـ”النبي الطموح والقاتل”، ومن هناك من أرض الجزيرة العربية بدأنا نسمع من يسمون بإعلاميين وكتاب من يطعنون بالقضية الفلسطينية وبشعبنا الفلسطيني ويسبونه ويشتمونه.
أزعم أن كل ذلك ما كان ليمر لو ان التيار الإسلامي الوسطي بقي على قوته، ولذلك كنا قبل مرحلة الترهل الحالية التي تقودها أنظمة العار أو قل محميات مفرزات سايكس بيكو، كنا نرى الجماهير الغاضبة التي كانت تنزل الى شوارع العواصم العربية وتملأها غضبا يلزم قياداتها بالإذعان الى مطالبها بنصرة القضايا والثوابت التي أجمعت عليها الأمة، سواء الثوابت الدينية أو الثوابت الوطنية والتي تقف القضية الفلسطينية منها موقف الرأس من الجسد.
اليوم بعد ان حاصر عسكر المحميات العربية كل قيادات التيار الإسلامي الوسطي وفي الرأس منه حركة الاخوان المسلمين، وقتل منهم من قتل، وسجن منهم من سجن، وهجَّر منهم من هجَّر، ولم يبق منهم في الوطن العربي الا سجينا ومعتقلا وقاعدة شعبية فقدت رأسها، أصبح الميدان خاليا لكل متآمر وخائن وعميل، يصول ويجول ويهون ويخون ويخادع باسم الوطن والقضية والمقدسات، وأصبح لا بأس ان تسمع من مبررات البحرين والامارات أنهم تمكنوا عبر “معاهدة ابراهيم” من تأجيل عملية الضم التي كان يعتزم نتنياهو ان ينفذها حاليا.
غيُّبت أسود الشوارع والميادين التي ملأت ميادين العواصم العربية يوم استشهد الطفل محمد الدرة الذي توافق ذكرى استشهاده بعد أقل من أسبوعين من الآن، والتي ملأت الميادين العربية يوم اقتحم شارون المسجد الأقصى والذي يتزامن بعد عشرة أيام من اليوم، والتي ملأت العواصم العربية والإسلامية يوم استشهد الإمام الشيخ الشهيد أحمد ياسين وبقيت تملأ الميادين وشاشات التلفزة لأكثر من أسبوع.
كان لا بد لكل المتآمرين على شعبنا وعلى قضايا الأمة واخلاقها وثوابتها من إعلان الحرب الشعواء على التيار الإسلامي الوسطي، وفي الرأس منه الاخوان المسلمين حتى يتمكنوا من تمرير ما نرى اليوم من مؤامرات، وإعادة انتاج سايكس بيكو من جديد في ذكراها المئوية.
كان لا بد من إخلاء الميدان لحميدان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى