أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

الشيخ السديس: خدعتنا لحيتك وخدعتنا دموعك

الشيخ كمال خطيب
كانت أمنية أحدنا أن يكتب الله له أداء فريضة الحج أو سُنة العمرة، ويكون ذروة سرور أو غبطة الحاج والمعتمر بعد أداء الركن أو أداء سنة العمرة أن يكون قد صلّى مأمومًا خلف الإمام الذي طالما سمعه عبر التلفزيون بصوته الجهوري، وإجهاشه بالبكاء خلال الدعاء ليلة ختم القرآن في ليلة القدر من كل شهر رمضان.
إنه الشيخ عبد الرحمن السديس، إمام وخطيب المسجد الحرام، ومن تبوأ لاحقًا منصب الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، والذي سمعت إخوة وقد ذهبوا لأداء العمرة في شهر رمضان في إحدى السنوات، ورغم فرحهم بتلك العبادة المباركة، إلّا أنهم اعتبروا أن نقصًا كان في عمرتهم، ذلكم أن الشيخ السديس كان في سفر ولم يحظوا بالصلاة خلفه. وقد وصل الأمر إلى حد أن يحدّث أخوة آخرون عن شعورهم الغامر، وقد أتيحت لهم مرة فرصة مصافحته والسلام عليه، وهذا أمر صعب المنال لوجود حراسة مشددة عليه خوفًا من اندفاع الحجاج والمعتمرين عليه، لأنهم يرون فيه رمزًا من رموز الأمة في ظل موقفه من قبلة المسلمين ومسجدهم الأول وكعبتهم المشرفة.
كم كانت الخيبة كبيرة بعد صلاة الجمعة الأخيرة، وقد سمعنا وسمعت الدنيا خطبة الشيخ على منبر المسجد الحرام، وهو يتحدث عن أحداث في السيرة الشريفة وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبين يهود المدينة المنورة، مبينًا أن هناك فارقًا بين الموالاة لهم وهي لا تصح، وبين المودة لهم وحسن المعاملة والتي هي من هدي الإسلام. ولأنه لا أحد يناقش في صحة ما ذكره الشيخ السديس، لكن محاولته الواضحة في إسقاط ما ذكر عن يهود المدينة على يهود إسرائيل والمشروع الصهيوني، فهذا هو الأمر المريب والمعيب.
لقد جاءت خطبة الشيخ السديس بعد ثلاثة أيام فقط من عودة الطائرة الإسرائيلية التي عبرت الأجواء السعودية إلى الإمارات، وهي تحمل وفدًا إسرائيليًا وأمريكيًا، وذلك بإذن رسمي من محمد ابن سلمان وهي المرة الأولى التي تحدث، وهي أن هذا الوفد كان يتمم الترتيبات الأخيرة ليوم الاحتفال بتوقيع اتفاقية سلام بين الإمارات وبين الدولة العبرية مع الإشارة وتكرار الحديث من قبل كوشنير اليهودي وصهر ترامب ومهندس هذا الاتفاق، أن السعودية ستكون ضمن قائمة دول ستعلن قريبًا عن تطبيع العلاقات مع اسرائيل.
لا يشك عاقل بأن الشيخ السديس الذي هو ركن من ركائز نظام ابن سلمان، وهو الركن الأهم لأنه يعطي الشرعية الدينية لذلك النظام الذي طالما تلفع بعباءة الدين والتوحيد، وخدمة الحرمين الشريفين لتمرير أجنداته وتنفيذ سياساته، وبالتالي فلم تكن هذه الخطبة، وبتلك الرسائل وليدة الصدفة والإرتجال، وإنما كانت موجَّهة، ومُوجِّهة.
لطالما كانت الأمة تُنكب وتُبتلى بأمرائها الفاسدين، لكنها كانت تظل على أمل ان ينهض العلماء ليقوّموا فساد وانحراف الأمراء، أمّا وأن يصبح العلماء تبعًا للأمراء، وخاتمًا في أصبعهم، فإنها الطامة والكارثة. لقد كانت خطبة الشيخ السديس سقطة مدوية ظهرت فيها كل إشارات التلميع والتمهيد لتتقبل الأمة قيام نظام محمد ابن سلمان بتطبيع العلاقات مع المؤسسة الإسرائيلية سيرًا على نهج استاذه محمد ابن زايد.
لم يكتف نظام آل سعود بأخطائه، بل خطاياه السياسية بحق الأمة، وإنما هو يريد تغليفها بغلاف الدين. وإنهم لم يكتفوا بتكليف الشيخ السديس في العام 2013 بإلقاء خطبة أشاد فيها بقيادة مصر الرشيدة (السيسي)، والادّعاء بأنها الأحرص على مصلحة الشعب، فتلك الخطبة التي جاءت بعد انقلاب دموي، وبعد مجزرة رابعة الرهيبة، وبعد الإطاحة برئيس مؤمن وحافظ للقرآن، والتي صادف أن أول زيارة له بعد انتخابه من قبل الشعب، كانت إلى السعودية، إنه المرحوم الشهيد محمد مرسي.
وإنما أتبع الشيخ السديس ذلك في العام 2017، وخلال زيارة ترامب للرياض في أول زيارة له خارج أمريكا بعد جلوسه على كرسي البيت الأبيض، والتقائه بزعماء 54 دولة عربية وإسلامية جمعهم له الملك سلمان في نيسان 2017. ومن الرياض طار ترامب إلى الدولة العبرية ليصلي مقابل حائط البراق، في رسالة أنه حائط مبكى اليهود، وهو يلبس” الكيباه“اليهودية على رأسه، صافعًا بذلك كل أولئك الزعماء الذين التقاهم على وجوههم. يومها وصف الشيخ السديس الرئيس ترامب بأنه رجل السلام في العالم. لم يكتف الشيخ السديس بانزلاقاته المتكررة، وإذ به في نهاية العام 2017 ومطلع العام 2018، ومع حملة الاعتقالات التي قام بها ابن سلمان بحق العلماء والخطباء وأئمة المساجد والمصلحين، وكان منهم الشيخ سلمان العودة، والشيخ سفر الحوالي والشيخ عوض القرني والشيخ ناصر العمر ومئات آخرين، وأخيرًا وليس آخرًا الشيخ صالح آل طالب، إمام وخطيب المسجد الحرام. ليس أن الشيخ السديس قد التزم الصمت وانخرس، وإنما هو الذي سلّ لسانه وراح يصف أولئك العلماء والعظماء وأصحاب الفضل بأنهم متطرفون وغلاة ويحملون أفكارًا هدّامة، إنه الشيخ السديس في جديد انزلاقاته، وفي آخر طبعة من خيباته في خطبة الجمعة الأخيرة، فلن نتفاجأ بعد اليوم إذا سمعنا وشاهدنا سقطات أكثر دويًا من الشيخ السديس.
إن هذا التردي ليذكرني بقصة ذلك الديك الذي كان كل صباح، ومع أذان الفجر يبدأ بالصياح، إيذانًا بطول الفجر كما هي فطرة وسنة كل الديكة حتى كان ذلك اليوم الذي اشترى ذلك الديك رجلًا عاصيًا، فلا هو يصلي ولا هو يحب سماع صوت الآذان ولا صوت ديكه، فقال الرجل للديك: إياك أن تؤذن بعد اليوم، وإلا فإنني سأنتف ريشك. خاف الديك من تهديد صاحبه بنتف ريشه وقال في نفسه: “الضرورات تبيح المحظورات” ثم “إنه من السياسة الشرعية” -هذه جملة رددها السديس في خطبته- أن أتنازل حفاظًا على نفسي فهناك ديكة غيري تؤذن وفعلًا توقف الديك عن الأذان.
وبعد أسبوع جاء صاحب الديك وقال له: إن لم تقاقي كالدجاجات سأنتف ريشك. فكرّ الديك قليلًا وقال في نفسه: ”لا يُكلّف الله نفسًا إلا وسعها، إنما هو سيدّي ووليّ أمري، ومن يتكفل برزقي، وعلي أن أطيعه”. وأصبح الديك يقاقي مثل كل الدجاجات، ولم يعد يصيح مثل الديكة. وبعد شهر قال صاحب الديك لديكه: الآن إن لم تبض مثل الدجاجات سأقوم بذبحك غدًا، عندها بكى الديك وقال: ”يا ليتني مت وأنا أؤذن”.
أليس هذا حال الشيخ السديس الذي كان وقع خطبه وتأثير دعائه يتردد صداه في أنحاء المعمورة كلها وهو يترنم بقراءة القرآن من جوار الكعبة، وهو يبكي في ليلة القدر. وإذا به يصبح طبالًا لابن سلمان وسياساته الرعناء والخرقاء، ويشيد بالسيسي الدموي، ويمدح ويثني بترامب العاهر، ويتنكر لأخوة الأمس من العلماء الذين يعرفهم مثلما يعرف نفسه، فليس أنه قد صمت ولم ينتصر لهم خوفًا من نتف الريش، بل إنه أصبح يقاقي تحريضًا عليهم وتطاولًا وإساءة لهم، ويصفهم بالتطرف والغلوّ، واحسرتاه.
إنها وصمة العار ووقفة الذل قد وصل إليها الشيخ السديس، فبدل أن يظلّ هو صوتًا للحق، فقد أصبح صوتًا للباطل يلهب به ظهور أهل الحق، وصدق به قول أبي حامد الغزالي رحمه الله يوم قال: ”ما فسدت الرعية إلا بفساد الملوك، وما فسد الملوك إلا بفساد العلماء”. وليصدق فيه قول أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي حين قال: ”لو نافق عالم الدين لكان كل منافق أشرف منه، فليس اللطخة في الثوب الأبيض كاللطخة في الثوب الأسود“.
مؤلم ومحزن جدًا ليس أن يكشف الشيخ السديس نفسه أنه قد أصبح ديكًا منتوف الريش، بل ديكًا يقاقي ويبيض. إنه نسي أن الطواغيت والظلمة لا يكتفون بمجرد الاستغلال لأهل العلم، وإنما يسعون لإذلالهم وإهانتهم، وبمقدار إدراكنا للشيخ السديس أنه لم يعد في موقعه من قلوبنا، فقد كان مؤلمًا أكثر اكتشافنا أنه كان يخادعنا بدموعه، وحشرجة صوته في دعائه وفي صلاته.
عن جبير بن نفير قال: “دخلت على أبي الدرداء في منزله بحمص فإذا هو قائم يصلي في مسجده فلمّا جلس يتشهد جعل يتعوذ بالله من النفاق، فلمّا انصرفت قلت: غفر الله لك يا أبا الدرداء أين أنت والنفاق؟ قال: اللهم غفرًا ثلاثًا من يأمن البلاء؟ من يأمن البلاء؟ والله إن الرجل ليفتتن في ساعة فينقلب عن دينه”.
إن مثل خداع الشيخ السديس للأمة في خطبته، ومحاولته التمهيد لخطوات سيقوم به الشاب المراهق محمد بن سلمان، كمثل قصة ذلك الطائر مع صاحب اللحية في زمن سليمان عليه السلام حيث يُحكى أن طائرًا في زمن نبي الله سليمان جاء إلى بركة ماء ليشرب منها، لكنه وجد أطفالًا حول البركة يلعبون فخاف أن يؤذوه، فوقف على غصن شجرة قريبة يراقب متى يبتعد الأطفال لينزل ويشرب. وبينما الأطفال قد ابتعدوا استعد الطائر للنزول ليشرب، وإذا برجل ذو لحية كبيرة يقترب من البركة فقال الطائر لنفسه: إنه شيخ وقور، ولا يمكن أن يؤذيني، فهو ليس مثل الأطفال. جلس الرجل إلى جانب البركة ونزل الطائر ليشرب، رآه الرجل فأخذ حجرًا ورماه به وفقأ عينيه. ذهب الطائر إلى نبي الله سليمان شاكيًا، فاستدعى سليمان الرجل وقال له: ألك حاجة بهذا الطائر حتى ترميه وتفقأ عينيه، قال: لا. فكان حكم سليمان أن تُفقأ عين الرجل قصاصًا له. لكن الطائر اعترض على الحكم قائلًا: يا نبي الله، إن عين الرجل لم تؤذيني، بل اللحية هي التي خدعتني، لذلك أطالب أن يكون القصاص بحلق لحيته حتى لا ينخدع بها أحدٌ غيري.
ماذا سيكون طلب كثيرين، بل ملايين من المسلمين ممن خدعهم الشيخ السديس، ليس فقط بلحيته، وإنما بدموع عينيه، ساعيًا للترويج للباطل ومؤامرات حكام الإمارات وسفاهات ابن سلمان وطعناته الغادرة بحق الأمة عمومًا، والقدس والمسجد الأقصى خصوصًا.
إنه المسجد الأقصى شقيق المسجد الحرام الذي تخطب على منبره يا سديس، والذي يتهدده خطر التقسيم لبناء الهيكل وفق ما صرح به كوشنير وما يردده الإسرائيليون. فما أبلغها من أبيات شعر قالها الشاعر الفاضل بعد سماعه خطبة الشيخ السديس حيث اعتبرها طعنة نجلاء، واعتبر بكاءه خداعًا وتضليلًا فقال:
أتزعم بعد اليوم أنك عابدٌ وأنك يا سديس تبكي تخشعًا
كذبتَ وما الخشوع فيك سجيٌة وما سال منك الدمع إلا لتخدعَا
ولم تبكِ يا سديس في الله خشية بل المال يا سديس أبكى وأخشعَا
شدّوا الأحزمة، وأخلصوا النوايا، واعتصموا بحبل الله، فهذا زمن يصبح الحليم فيه حيران حتى نعبرها بسلام وأمان وثبات بإذن الله.
فيا عباد الله اثبتوا..رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا. يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك..اللهم آمين.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى