أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمحليات

شهادات ومحطات لا تنسى في ذاكرة المؤسسين والرعيل الأول (2).. الحاج عرسان يوسف عواودة من كفر كنا

شادي عباس
الرعيل في المعاجم، جماعة قليلة من الرِّجال أو الخيل تتقدَّم غيرَها. الرَّعيل الأوَّل من الناس، هم أولئك السباقون في عمل الشي، والمتقدمون على غيرهم بالمبادرة والعمل. والرعيل الاول في الدعوة هم المؤسسون الذين ساروا ضد التيار، وواجهوا المسلمات السائدة في المجتمع، في سبيل نشر الدعوة، وإعلاء كلمة الحق نصرة الدين. في ظل ابتعاد الناس عن الدين.
هؤلاء هم العملة النادرة، والنبع الذي بذل الغالي والنفيس لتكون كلمة الله هي العليا.
نلتقي في الحلقة الثانية من هذه السلسلة، بواحد من القامات المؤسسة في مسيرة العمل الإسلامي في الداخل الفلسطيني، هو الحاج عرسان يوسف عواودة “ابو يوسف” من بلدة كفركنا. كان لنا معه لقاء سافرنا به عبر الزمن الى محطات علقت في ذاكرته، تنسمنا منها عبق الماضي القريب، واخذنا جرعة من التفاؤل لغد أفضل بإذن الله. حدثنا بها عن بداياته في الدعوة، ونشأته في كنف الدين.

رأس حاسرة بين “الحطات والعقل”
استهل الحاج عرسان كلامه بالقول: “نشأت في بيت مسلم محافظ، على تعاليم الدين الاسلامي الحنيف، ومنذ نعومة أظفاري وانا أصلي وألازم المسجد، وفي تلك الفترة كان الشاب المصلي يبدو غريبا بين الناس، حيث كنت تدخل الى المسجد فترى جميع رواده من اصحاب “الحطّات والعقل” (كبار السن).
وأضاف: “أذكر أنه في عام 1979 وكّلني الشيخ سالم صقر رحمه الله، بعد ان نوى السفر لأداء فريضة الحج، بمتابعة إحضار الشيخ احمد العبليني رحمه الله كل اسبوع ليخطب بالمصلين في صلاة الجمعة، وكان عمري حينها 27 عاما، وشعرت بمسؤولية كبيرة، بعدما اعتذر الشيخ العبيليني عن الحضور، ولم اعد يوم الخميس من ذلك الاسبوع الى البلدة الا وقد يسر لي الله الشيخ “ابو ربحي ابو رحال” رحمه الله من الناصرة، وكنت اذهب لاصطحابه كل اسبوع، وأعيده الى الناصرة. حيث قال ابو رحال لي حينها: “أنا اذهب اسبوعيا للخطبة بالمساجين، وهؤلاء يستطيعون ان ينتدبوا أحدهم للخطبة، أمّا اهل كفركنا فلا، ولا أستطيع ان اتركهم بدون امام. وهكذا كان”.
وتابع عواودة: “ثم طلبنا من الشيخ سالم رحمه الله أن يعطينا دروسا في المسجد، واستجاب الشيخ مشكورا، وبدأ بباب الطهارة. ومنذ ذلك الحين بدأ الشباب بالرجوع الى الله. ثم انتقلنا للتلقي من الشيخ عوني حريري رحمه الله. وبدأنا ببرنامج زيارات للبيوت لإخوة معينين. هذه كانت بداياتي في العمل الدعوي”.

بناء مسجد عمر بن الخطاب
وأردف الحاج “ابو يوسف”: “مطلع الثمانينات أوقف الحاج كمال يوسف حمدان قطعة أرض لبناء مسجد، وقد اجتمعنا ثلة من الشباب وانتخبنا 7 اشخاص للمباشرة ببناء ثاني مسجد بالقرية وهو مسجد عمر بن الخطاب، والسبعة هم: المرحوم الحاج فهيم محيي خمايسي، الحاج عبد المالك دهامشة، الحاج يوسف محمود خطيب، الحاج فوزي علي طه، الحاج صالح نجيدات، الحاج نبيل اسعد سعيد، وانا عرسان عواودة، وقد تم بناء المسجد خلال عام وكان جاهزا للصلاة. وكل ذلك بتبرعات اهل البلدة عام 1981. وقد كان العمل تطوعا دون انتداب أي مقاول، ايام السبت وفي ايام العطل وساعات ما بعد الظهر”.
وزاد قائلا: “بعد افتتاح المسجد حضر الشيخ كمال خطيب، واتفقنا معه أن يكون اماما، ومنذ ذلك الحين وهو امام للمسجد وبدأت الدعوة تعمل بشكل منظم”.

“فرقة الـ ع”
ويقول الحاج عرسان متبسما: “أطلقنا على مجموعة من بين الشباب الذين يعملون في المسجد اسم فرقة الـ ع، وكان هؤلاء كل من بدأ اسمهم بحرف العين، وهؤلاء كانوا يحضرون للعمل في المسجد يوميا، ولا يتخلفون الا لظرف طارئ، وقد كانوا يقفون في الشارع ويعترضون العمال العائدين من عملهم، ويحثونهم على الحضور للعمل في المسجد، فكان هؤلاء يستجيبون، ويدخلون للعمل في المسجد حتى المغرب، بدأنا العمل بالمسجد بمواد قليلة كانت طن اسمنت، وعربة رمل وعربة بحص، وكان العمل يدويا بدون باطون جاهز، وقد كان العاملون في بناء المسجد يضحون بوقتهم ومالهم، وهم مسرورين لإتمام العمل في المسجد، واعتبر هؤلاء ان احضار مقاول بأجر ليتم العمل في المسجد منقصة في حقهم، فسخّر لنا الله دائما الايدي العاملة والاموال، ويسرها لإتمام العمل”.
ويضيف الحاج عرسان: “في بعض الايام كان يتأخر بعضنا عن الحضور لظروف عمله، او انشغاله، فكنت اشغل خلاط الباطون لوحدي لصب اعمدة، فكانت تحضر نساء الحي وتساعد في العمل، وفي نقل الرمل والصرار وما شابه”.

عمل شهر في نصف يوم
يستذكر الحاج عرسان معسكر العمل الاسلامي الاول عام 1982 ويقول: “كانت التجربة الاولى في المعسكر الاول، بناء سور حول المقبرة الفوقا، وهي بمساحة ما يقارب 10 دونمات، حيث كان تجاوب كبير من قبل الاهالي، وهبّ الجميع للعمل شيبا وشبابا، وانجز العمل بالسور في ساعات الظهيرة. وللتوضيح السور المذكور كان بطول ما يعادل 400 متر بارتفاع معدل مترين، وبسعة ما يقارب 250 كوب، ومشروع كهذا على يد مقاول يحتاج اليوم الى شهر عمل. وقد اشترك بالعمل المئات، ومن النوادر التي حصلت حينها بسبب الحماس لدى الناس، ان الشباب كانوا يرفعون العربة مع الباطون الذي بداخلها ويصبونه في السور”.
ويضيف: “كان هذا المعسكر تجريبيا، وفي ظل النجاح الباهر قررنا الانطلاق بمعسكر يشمل شوارع واحياء البلدة، لأنها كانت بحاجة الى ترتيب، فشمل المعسكر شق شوارع، وبناء اسوار واقية، وبناء بيوت لعائلات مستورة. وبناء مؤسسات، وغيرها. وقد انجزنا 7 معسكرات، شقت فيها عشرات الشوارع، وبنيت ورممت البيوت، ودشنت المؤسسات، ومنها بناية المركز الثقافي الاسلامي بمساحة ما يقارب 600 م، واربعة طوابق”.
ويقول: “من هنا تطور العمل فقمنا بتشكيل الرابطة الاسلامية، واصبحت اعمالنا منظمة تحت سقف هيئات ومؤسسات مسجلة. ولاحقا انشأنا اتحاد الجمعيات الاسلامية التي كانت نشطة وكانت تضم جميع الجمعيات الاسلامية في البلدات، وكانت تلتقي لاجتماع دوري شهريا، ويتم تبادل الخبرات والآراء، والاستماع لمحاضرات، وكان يقام معسكر تربوي سنوي، في البلاد او خارجها لعدة أيام”.

الشعور بالانتماء
يقول الحاج أبو يوسف: “في بداية الدعوة كنا نشارك في جميع الفعاليات الدعوية والاعراس الاسلامية والمهرجانات، حتى اذا سمعنا بعرس اسلامي في كفرقاسم كنا نذهب اليه، ونشارك فيه، ونقدم نقوطا جماعيا، دون ان نعرف العريس، فقد كانت الدعوات عامة للأعراس. وكنا نعتبر ان حضور هذا النوع من الاعراس يعتبر امرا دعويا من الدرجة الأولى”.

بناء قرية، واطعام ساكنيها
يذكر الحاج جيدا العام 1988 الذي احتضن مهرجان الفن الاسلامي الرابع، فيقول: “أشرفنا على بناء خيام المهرجان، وقد كنت مدير اقامة الهيكل حيث باشرنا بالعمل بعد عيد الفطر، حيث بنينا قرية افتتحت بعد عيد الاضحى وكانت على مساحة ما يقارب 20 دونما، وشملت عدة خيام، منها الخيمة المركزية التي كانت على مساحة ما يقارب 3 دونمات، وخيام للصلاة، وخيام للطعام، وخيام للاستراحة، وخيام للمبيعات. استقبل المهرجان الذي استمر 4 ايام، ما يقارب 60 الف زائر، قسم لا بأس به من الضيوف كان ينام في البلدة والبلدات المجاورة، وقسم اخر كان ينام في ارض المهرجان، فقد حضر حينها اخوتنا من الضفة وغزة، ومن النقب، وكان من الصعب على هؤلاء العودة الى بلداتهم يوميا. وكانت لجنة للطعام مسؤوليتها اطعام جميع الزائرين مجانا بثلاث وجبات، فطور وغداء وعشاء”.

الاقصى والمقدسات
كان الحاج عرسان فعالا ومسؤولا في المؤسسات التي تعنى بالمسجد الاقصى والمقدسات. مثل مؤسسة الاقصى، والبيارق التي كانت تقوم على تسيير الحافلات الى المسجد الاقصى، وجمعيات عديدة، تقوم على اعمار واحياء المقدسات في فلسطين وصيانتها.
يقول الحاج: “معسكرات صيانة المقابر كانت تشكل حدثا كبيرا سنويا، حيث كانت تتشكل فرق من العمل لصيانة المقابر في منطقة معينة كالجليل مثلا، فكانت المجموعات تقوم بتنظيف المقابر ورش الاعشاب، وترميم المساجد القديمة، ودهان القبور وكانت تقوم صلاة الجمعة في المساجد المهجورة. والحديث هنا عن القرى المهجرة”.

30 ألف وجبة في يوم…
يتحدث ابو يوسف عن فعاليات مؤسسة الاقصى في شهر رمضان المبارك فيقول: “كنا نرسل كل عام ما يقارب الـ 30 ألف وجبة في ليلة القدر، ونصيب كفركنا منها كان حصة الاسد 5000 وجبة، وكانت عشرات البلدات تشارك في تقديم وجبات الافطار للصائمين في الاقصى، وخاصة في العشر الاواخر. حيث كانت تنطلق شاحنة محملة بالوجبات، وتدخل الى ساحات المسجد الاقصى وتقوم لجان على توزيع الوجبات على الصائمين. وكنا نوزع ما يقارب 10000 وجبة سحور في ليلة القدر وفي العشر الاواخر بشكل عام كنا نوزع 5000 الاف وجبة سحور يوميا”.
يختم الحاج عرسان يوسف عواودة شهادته بالقول: “هذا هو الجيل الذي نشأنا بحضنه، وفي كنفه. جيل ضحى بوقته وبماله، لا يرجو الا رضوان الله، ومن هممه اكتسبنا الامل والحماس، لنكمل طريق الدعوة، ونسير في ركب المشروع الاسلامي الذي ما زال ينبض بالحياة، ويبشرنا بمستقبل أفضل يحمل لنا البشريات والخير، عبر جيل جديد يكمل ما بدأه هؤلاء”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى