أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

دلالات إعادة مسجد أيا صوفيا إلى أصله كمسجد (1)

بقلم: الشيخ رائد صلاح “شيخ الاقصى”
ها هو السلطان الشاب محمد الفاتح يرى بعينيه أن بوابة (طوبي قابي) قد فتحت، وأن قوات فتح القسطنطينية بدأت تدخل من هذه البوابة مكبرة في مجموعات، فماذا يفعل هذا السلطان الشاب وقد ملأ الفرح قلبه وأيقن أن الله تعالى حقق على يديه فتح القسطنطينية؟ نزل عن حصانه وسجد شكرا لله رب العالمين على أن نال بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يقول فيها: (لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش)، وهكذا اقتدى هذا السلطان الشاب برسول الله صلى الله عليه السلام الذي يوم أن أكرمه الله تعالى بفتح مكة المكرمة دخلها وهو ساجد على ناقته لدرجة ان لحيته كانت تلامس ظهر الناقة، وهذا السجود عند فتح مكة المكرمة وعند فتح القسطنطينية يجسد تواضع القيادة المسلمة لله رب العالمين ثم لكل الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، لأنها ليست قيادة فرعونية جاءت لتعلو في الأرض بل هي قيادة ربانية جاءت لتملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا، ومما يؤكد تواضع هذا السلطان الشاب أنه كان يبلغ واحدا وعشرين من عمرة عندما دخل القسطنطينية فاتحا، وكان يضع الخوذة على رأسه في تلك اللحظات وكانت البنات من أهل بيزنطة يمددن الورود في أيديهن إلى شيخه (آق شمس الدين) الملتحي ذي الشعر الأبيض عندما كان يتقدم بوقاره وهيبته فوق حصانه، ظنا من تلك البنات أنه هو السلطان مما دفع الشيخ (آق شمس الدين) أن يخبرهن أنه ليس السلطان ثم أشار إلى السلطان الشاب قائلا بأدب عظيم: (هو السلطان محمد، اذهبن إليه)!! وما أشبه هذا الموقف بموقف الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي لما دخل القدس الشريف فاتحا مع خادمه، أقبل الروم الذين كانوا في القدس الشريف في تلك اللحظات على خادمه ظنا منهم أنه هو الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهكذا فإن التواضع لله تعالى يجعل من الناس سواسية كأسنان المشط، ويجعل من الخليفة عمر وخادمه، ويجعل من السلطان الشاب وشيخه، سواسية كأسنان المشط، وإن أمة تساوت فيها القيادة مع الجماهير حتى بات من الصعب التفريق بينهما هي أمة حية مكتوب لها الحياة بعزة وكرامة، وسيادة وحرية، واستقلال وشموخ.
ولذلك يوم أن قال الشيخ (آق شمس الدين) لتلك البنات: (هو السلطان محمد، إذهبن إليه) أجابه السلطان الشاب على الفور قائلا: إذهبن اليه أنا السلطان محمد ولكنه أستاذي، وهكذا حفظ السلطان الشاب الفضل لشيخه لأنه لا يحفظ الفضل لذوي الفضل إلا أهل الفضل، وهكذا تكاملت بصيرة السلطان الشاب السياسية مع بصيرة شيخه العلمية وهو من مقومات النهضة الأساس للأمة الإسلامية على مدار تاريخها الطويل، بما في ذلك الأمة التركية، فيوم أن تتكامل بصيرة الحكام مع بصيرة العلماء تنهض الأمة وتمشي سوية على صراط مستقيم، ويوم أن تتصادم الحكام مع العلماء تغيب بصيرة الحكام وتتعثر الأمة وتمشي مكبة على وجهها، وهكذا التقت وحدة الجسد الواحد بين السلطان الشاب وشيخه العالم (آق شمس الدين) كما التقت وحدة الجسد الواحد بين صفوة السلاطين السلاجقة مع العالم نظام الملك، وكما التقت وحدة الجسد الواحد بين السلطان صلاح الدين الأيوبي والعالم القاضي الفاضل، وكما التقت وحدة الجسد الواحد بين السلطان قطز ونخبة من علماء المسلمين، وكما التقت وحدة الجسد الواحد بين السلطان نور الدين زنكي ونخبة من علماء المسلمين، مما يؤكد لنا أن وحدة هذا الجسد الواحد بين الحكام والعلماء ستبقى اليوم وغدا كما كانت بالأمس شرطا ضروريا من شروط نهضة الأمة الإسلامية الحضارية في هذه الأيام، ويوم أن نقول بين الحكام والعلماء فإنما نقصد بالحكام الحكام العادلين الراشدين، وانما نقصد بالعلماء سلاطين العلماء وليس علماء السلاطين، فسلاطين العلماء أمثال (آق شمس الدين) هم من حافظوا على روح الأمة الإسلامية حية، وحافظوا على جسدها نابضا بالحياة إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وأما علماء السلاطين فهم الذين مالوا في الماضي والحاضر مع هوى الحكام الظالمين وأتعبوا الأمة الإسلامية بسبب فتاويهم الشاذة ومواقفهم المستهجنة، وهو ما يصدمنا اليوم ممن وضعوا على رؤوسهم عمامة العلم ولكنهم رضوا لأنفسهم أن يكونوا علماء وفق هوى السيسي وبشار وحفتر ومن دار في فلكهم فتحولوا الى بلاء علينا وعلى كل الأمة الإسلامية وباتت تتأذى من فتاويهم مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف وإستنبول والقاهرة وطرابلس ودمشق وسائر المدن العامرة في حاضر الأمة الإسلامية اليوم، كما وبات يتأذى من فتاويهم المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ومسجد أيا صوفيا وجامع الأزهر والمسجد الأموي وسائر مساجد الأمة الإسلامية في كل الأرض.
ثم لما وصل السلطان الشاب إلى أيا صوفيا نزل عن حصانه أمام بابها ودخل إليها، فوجد فيها البطريرك ورعيته موجودين فيها وقد ألقوا أنفسهم على الأرض وخروا ساجدين وبدأوا بالبكاء بين يدي السلطان الشاب، فأشار إليهم بيده أن يسكتوا وعندما خيم الصمت قال للبطريرك ورعيته: (قم إني أنا السلطان محمد أقول لك ولرعيتك وللشعب كله: لا تخافوا من الآن فصاعدا من غضبي على حياتكم او حريتكم) ثم التفت السلطان الشاب الى قادة جيش الفتح وأمرهم أن يطلبوا من جيش الفتح عدم الإساءة إلى أهل القسطنطينية، ومن يخالف ذلك فمصيره الموت!! وهكذا يقتدي السلطان الشاب عند فتح القسطنطينية برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ان الرسول الله صلى الله عليه وسلم نادى عند لحظات فتح مكة المكرمة قائلا: (اليوم يوم المرحمة) ثم قال: (من دخل الكعبة فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن).
فهي المرحمة والأمن رسالة الأمة الإسلامية ورسالة سلاطينها الراشدين ورسالة علمائها العاملين التي تحملها لكل أهل الأرض، وهو ما سار عليه السلطان الشاب وشيخه العالم آق شمس الدين!! وإن سلطانا شابا تجري في عروقه هذه الأنوار النبوية المحمدية ما كان له أن يغتصب آيا صوفيا التي كانت في الأصل كنيسة، فبعد ان اشتراها بناء على عقد التراضي بينه وبين البطريرك أصبحت مسجدا يرفع فيها الأذان وتقام فيه الصلاة، وظلت مسجدا خمسمائة عام، ثم بعد قرابة قرن من الظلم لحقت بمسجد آيا صوفيا عاد مسجد آيا صوفيا الى أصله كمسجد كما صرح بذلك فضيلة الشيخ عكرمة صبري رئيس المسجد الأقصى، وهكذا أصبحت إعادة السيادة الى مسجد آيا صوفيا هي المقدمة القريبة لإعادة السيادة الى المسجد الأقصى كما صرح بذلك الرئيس رجب طيب أردوغان. مما أفرح كل الأمة الإسلامية كل في الأرض.
يتبع..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى