أخبار رئيسية إضافيةمقالات

يوم أن أصبحت إرهابيا

الشيخ كمال خطيب

في مثل هذا اليوم وقبل سنتين 17/11/2015 وقبيل فجر ذلك اليوم وإذا بطارق ليل يطرق بابي، وإذا بهم ضباط مخابرات وضباط شرطة إسرائيليين يسلمونني قرار وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون( משה בוגי יעלן ) بحظر الحركة الإسلامية وإخراجها خارج القانون. ولأنني تشرفت بإشغال موقع نائب رئيس الحركة الإسلامية فقد تم إدراج إسمي ضمن قائمة الشرف للأخوة المسؤولين المحظورين مثلي بحظر الحركة الإسلامية. وقد شمل قرار الحظر يومها قرارًا آخرا بموجبه يتم حظر وإغلاق عشرات المؤسسات والجمعيات ومصادرة ممتلكاتها.

لم تكتف المؤسسة الإسرائيلية بهذا الإجراء الظالم بحظر حركة لها امتدادها وقاعدتها الشعبية الواسعة، ولها مؤسساتها الخدماتية والإنسانية والتعليمية والصحية والرياضية والإعلامية والإغاثية التي يستفيد منها مئات الآلاف من أبناء شعبنا. وإنما وبعد سنة من ذلك القرار بالحظر، فقد قامت بسن وتشريع قانون في البرلمان بدأ سريان مفعوله يوم 1/11/2016 أسموه ” قانون مكافحة الإرهاب” والذي ينص في المادة 101 منه على اعتبار أن كل حركة سبق وحُظِرَت في الماضي واخرجت عن القانون فإنه يتم تصنيفها تلقائيا بأنها حركة إرهابية، ولا يمكن بموجب هذا القانون الطعن والاعتراض.

لعل الإنسان العادي لا يحتاج لأكثر من دليل أو تهمة تثبت أنه إرهابي، وبالتالي أن يتم التعامل معه قانونيا وفق هذه التهمة كأن يقوم بتفجير قنبلة أو قيادة سيارة مفخخة أو إسقاط طائرة أو إطلاق النار على تجمع للمدنيين أو أن يقوم بعملية طعن أو غير ذلك.

أما أنا ومثلي كل أبناء وبنات الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا، فقد أحتاج ويحتاج الأمر لأكثر من عشرين تهمة للتأكيد على أننا إرهابيون، ولاحقا وصل الأمر إلى قريب من ثلاثين تهمة لإثبات والتأكيد أننا إرهابيون متمرسون وغارقون في الإرهاب من رؤوسنا حتى أخمص أقدامنا، حيث أن علاقتنا ومشاركتنا في نشاط أي جمعية من الجمعيات المحظورة والتي أصبحت لاحقا وفق قانون مكافحة الإرهاب جمعيات إرهابية، يعني ضمنا ومفروغا منه أننا أصبحنا إرهابيين ولكل واحد منا ثلاثون تهمة بل ثلاثون شهادة ودليل لا يمكن التهرب منها.

نعم لقد أصبحت منذ يوم 17/11/2015 إرهابيا ومع إسرائيل على ذلك عشرات الشواهد والأدلة، رغم أنني في حياتي كلها لم أذبح دجاجة. كانت والدتي رحمة الله عليها ونحن صغار تربي الدجاج، وإذا أرادت ذبح دجاجة لإعداد الطعام ولم يكن والدي في البيت كانت وظيفتي أن أنادي أحد الأقارب أو الجيران ليقوم بهذه المهمة، رغم أن أمي كانت تتمنى أن أقوم أنا بالمهمة ليكون ذلك إثباتا ودليلا أنني تجاوزت مرحلة الصبا إلى مرحلة الشباب “.

اللهم إلا مرة واحدة نصبت فيها فخًا في كرم الزيتون القريب لاصطياد العصافير، ولقد تأخرت عن تفقد الفخ لأجد بعدها أنني اصطدت عصفورا هو ديك السّمان، لكن للأسف فقد وجدته ميتا في الفخ ليقنعني أحد الأشقياء من أبناء عمي أنه لا بأس بمصعه مصعا ليصبح أكله حلالا، والمصع هو فصل الرأس عن الجسد باليدين وليس ذبحا بالسكين.

يبدو أن المصع في منطق حكومة نتنياهو هو درجة في الإرهاب، أشد دموية من الذبح بالسكين، ولذلك كان سهلا عليهم أن أوصف بالإرهاب من غير تردد ولا تلعثم.

نعم لقد أصبحت إرهابيا يوم أنني والحمد لله كنت أكفل يتيما من أبناء شعبنا الفلسطيني في الضفة بواسطة لجنة الإغاثة الإنسانية التي تم حظرها وإغلاقها ومصادرة أموالها، حيث كان يصله مني مبلغ 160 شاقلا شهريا أو ما يعادل 45 دولارا. لم أكن أنا الإرهابي الوحيد وإنما هم قريبا من 16000 إرهابي من أبناء الداخل الفلسطيني، كانوا يكفلون 22000 يتيم، ومنهم الأطباء والمحامون ومدراء مدارس ومدراء بنوك ومحاضري جامعات.

نعم إن كافل اليتيم وأنا واحد منهم ولي الشرف قد أصبحنا إرهابيين. وإن اليتيم الذي اتصل بي قبل سنتين ليقول لي أنه يعمل الآن محاضرا بشهادة دكتور في الجامعة الإسلامية في غزة وهو الذي كان يكفله أحد أبناء الداخل الفلسطيني الإرهابيون بواسطة لجنة الإغاثة الإنسانية.

نعم لقد أصبحت إرهابيا يوم أنني ألزمت نفسي طوعا بتقديم اشتراك مالي بقيمة 50 شاقلا شهريا ضمن مشروع الأسرة المسلمة الذي كانت تقوم عليه مؤسسة الصدقة الجارية التي تم حظرها وإغلاق مكاتبها ومصادرة أموالها. لم أكن الإرهابي الوحيد، وإنما هم آلاف الإرهابيين مثلي ممن كانوا يشاركون بهذا المشروع الذي كان يصرف هذه الصدقات على العائلات المستوردة وطلاب العلم وبناء المساجد وغير ذلك.

نعم لقد أصبحت إرهابيا يوم أنني تقدمت يوما لكفالة حافلة عن روح والدي ووالدتي لنقل المسلمين والمسلمات مجانا إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه والرباط في ساحاته ومحاريبه عبادة وقربى لله تعالى، وذلك عبر وبواسطة مؤسسة البيارق التي تم حظرها وإغلاقها ومصادرة أموالها ومنعت من تسيير حافلات إلى المسجد الأقصى المبارك.

لقد كنت إرهابيا يوم كنت أساهم بتغطية نفقات عدد من وجبات الطعام لتفطير الصائمين في المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان. لعلي كنت الإرهابي الأقل عطاء، لأن إرهابيين آخرين كان الواحد منهم يكفل حافلة كل شهر ومنهم من كان يغطي نفقات مئات وجبات تفطير الصائمين في المسجد الأقصى المبارك.

ولكن خطورتي على ما يبدو والتي جعلتني في رأس قائمة الإرهابيين والمحظورين، أنني كنت في كل محفل ومناسبة أدعو الناس لكفالة الحافلات وتقديم الصدقات لتفطير الصائمين، ولكن الأخطر على ما يبدو دعوتنا الناس للمساهمة في مشاريع الإعمار والبناء في المسجد الأقصى منذ عام 1996، المصلى المرواني والأقصى القديم وغيرهما.

لقد أصبحت إرهابيا يوم كنت أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية اقرأ، هذه الجمعية التي كانت تقوم على رعاية العمل الطلابي الجامعي والتي تم حظرها وإغلاقها ومصادرة ممتلكاتها يوم 17/11/2015. إنه إرهاب بل إنه الإرهاب الأخطر الذي كانت تقوم به جمعية اقرأ وهي تقوم على أنجح مشروع عرفه الداخل الفلسطيني لإعداد الطلاب لامتحان البسيخومتري الذي يُعدّهم لدخول الجامعات.

إنه إرهاب لا مثيل له الذي كانت تقوم به جمعية اقرأ وهي تقوم على مشروع ” اقرأ مور” الذي كان يعد الطلاب لامتحانات القبول في كليات الطب في الجامعات الإسرائيلية حيث في العام 2015 وحده استطاع 60 طالبا للانضمام لكليات الطب بفضل الدورات التي تلقوها في معهد جمعية اقرأ. ومثله فإنه مشروع التوجيه الدراسي ومشروع المنح الجامعية ومشروع كفالة عدد من الطلاب للحصول على شهادة الدكتوراة.

نعم لقد كنت إرهابيا لأنني كنت عضوا مؤسسا، ثم بعد ذلك كان لي شرف التواصل الدائم مع جمعية اقرأ خلال نشاطاتها ومعسكراتها ومحاضراتها الجامعية وغير ذلك.

لقد أصبحت إرهابيا يوم كنت أعتني وأتابع بشكل خاص ومميز مؤسسة حراء لتحفيظ القرآن الكريم. هذه المؤسسة التي تم حظرها وإغلاق فروعها ومكاتبها ومصادرة ممتلكاتها يوم 17/11 /2015. هذه المؤسسة التي كان يدرس في فروعها ومراكزها من النقب جنوبا وحتى أقصى الجليل شمالا قريبا من ثلاثة عشر ألف طالب وطالبة ضمن مراحل مختلفة لحفظ القرآن الكريم ودراسة علومه، هذه المؤسسة التي قامت على تخريج المئات من الحافظين والمحافظات لكتاب الله تعالى كاملا.

لقد أصبحت إرهابيا يوم أنني لم أفوّت ولو مرة واحدة طوال سبع سنوات المشاركة في معسكر التواصل السنوي مع النقب، الذي كانت تقوم عليه مؤسسة النقب للأرض والإنسان التي تم حظرها وإغلاقها يوم 17/11 /2015، هذا المعسكر الذي كان يعكس المعاني الحقيقية لوحدة الوطن، حيث كانت قرية من الجليل والمثلث والساحل تقوم على كفالة مشروع في قرية من قرى النقب لأجل تثبيت صمودها في وجه مشاريع التهويد والترحيل والمصادرة الذي تمارسه المؤسسة الإسرائيلية بحق أهلنا في النقب.

كم كنا إرهابيين وقساة قلوب يوم كنا نمد خط مياه بطول ستة كيلو مترات لنوصل به الماء إلى قرية لا ماء فيها، وكم كنا جلافا ونحن نبني روضة لأطفال لم يكن لهم ما يحتضنهم، وكم كنا أنانيين ونحن نجمع التبرعات لبناء بيت بالكامل وتأثيثه لتسكن فيه عائلة مستورة كانت لا تجد إلا بيت الصفيح والزنك تسكن فيه لا يحميها من حر الصيف ولا من برد الشتاء.

إنها أدلة دامغة تربطنا بالإرهاب لما كنا نبني مسجدا في قرية لم يرفع فيها صوت الأذان، ويوم كنا نزرع آلاف أشتال الزيتون ويوم كنا نشقّ طريقا أو نبني جسرا منه يعبر الأطفال إلى مدارسهم وكان يتهددهم خطر السيول أن تجرفهم كل شتاء.

ولأنه لا مجال للتفصيل في بنود التهم التي ارتكزت إليها المؤسسة الإسرائيلية لإثبات أنني إرهابي، ومثلي كل مسؤولي وأبناء وبنات الحركة الإسلامية التي حظرتها المؤسسة الإسرائيلية يوم17/11/2015، لكن الملاحظ أن المؤسسة الإسرائيلية كانت على ثقة ويقين بأننا لن نفلت من قبضتها في ظل أننا ألقي القبض علينا متلبسين بإقامة وبناء قريبا من ثلاثين مؤسسة وجمعية قطرية تقوم على خدمة أهلنا في النواحي الدينية والثقافية والرياضية والصحية والإعلامية، بناء مساجد، بناء مدارس، بناء مشافي وعيادات طبية، نوادٍ رياضية وغيرها من النقب جنوبا إلى الجليل شمالا مرورا بمدن الساحل الفلسطينية حيفا وعكا ويافا واللد والرملة.

ومع أن كل واحدة من هذه التهم كانت كافية لادانتنا بالإرهاب، إلا أنه لو لم تكن إلا تهمة حب القدس وعشق الأقصى عبر تخصيص خمس جمعيات قطرية لخدمة المسجد الأقصى ونصرته، إنها لو لم تكن إلا تهمة أننا كنا وراء إطلاق صرخة الأقصى في خطر يوم 8/10/1996 وفيها حذرنا من المخاطر التي تحدق بالأقصى من أعمال حفر وأنفاق وبناء كنس ومدارس دينية تحت وحول المسجد الأقصى المبارك، إنها لو لم تكن إلا تهمة إقامة المهرجان السنوي ” الأقصى في خطر” طوال عشرين سنة كان أولها عام 1996 وكان آخرها عام 2015 أي قبل قرار الحظر الظالم بشهرين، هذا المهرجان الذي أصبح حدثا عالميا فيه نقلنا ألم المسجد الأقصى ونقلنا هموم القدس للعالم ونجحنا في ذلك والحمد لله.

نعم لقد حكموا علينا بأننا إرهابيون بعد الثبوت بالأدلة القطعية أننا نحب الأقصى ونعشق القدس، علما وبالمناسبة أننا لم ننف هذه التهمة بل اعتبرناها وسام شرف لنا.

حكموا علي بأنني إرهابي قالو بأني قد فقدت صوابي

زعموا بأني مسلم متطرف والويل كل الويل للإرهابي

حكموا بسجني حيث أني مسلم أبغي الكرامة أو يهال ترابي

إن كان عزّ القدس صار تطرفا فأنا أبيح تطرفي لصحابي

فإذا كانت كفالة اليتيم تهمة وإذا كانت كفالة حافلة تنقل المصلين إلى المسجد الأقصى جنحة، وإذا كان تأهيل الطلاب لدخول الجامعات جناية، وإذا كان تحفيظ القرآن الكريم عملا خطيرا، وإذا كان حب الأقصى وعشق الأقصى وخدمتهما إرهابا فإنني أتشرف بأن أحمل هذه التهمة، وإذا كان العمل لنصرة القدس والأقصى تطرفا فإنني أتشرف أن أكون في أول القائمة.

ليس من يكفل اليتيم إرهابيا، ولا من يبني مدرسة ويفتح مشفى هو الإرهابي، ولا من يكفل طالب علم أو يبني بيتا لعائلة مستورة هو الإرهابي، وليس من يسعى لخدمة دينه ونصرة شعبه هو الإرهابي وإنما الإرهابي الحقيقي هو من يحارب هؤلاء ويصفهم بالإرهاب.

يا هؤلاء : ما أغباكم وأنتم تظنون أن بحظركم الحركة الإسلامية فإن الطريق إلى الأقصى قد أصبح سهلا لكم ومعبدا أمامكم. إنه الوهم، وإنه الغرور وإنه المستقبل الذي سيريكم أنكم كنتم تقامرون بمصير شعبكم، لأن نار القدس والأقصى ستحرق اليد التي تعلمها، وأن على صلابة صخرة القدس ستتحطم وتتبدد كل أحلامكم وأوهامكم، إن غدا لناظره قريب وانتظروا إنا معكم منتظرون.

رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى